ترجمات.. «التلميذة الخالدة» سيرة أول سيدة تفوز بجائزة نوبل «ماري كوري» كما سردتها ابنتها «إيف»

«إيف كورى».. كاتبة وصحفية وعازفة بيانو فرنسية. هى الابنة الصغرى لمارى سكودوفسكا كورى، وبيير كورى. وهى من كتبت السيرة الذاتية لأمها «مدام كورى»، وكتابًا آخر بعنوان «رحلة بين المحاربين» فى ستينيات القرن الماضى. كرست إيف كورى نفسها للعمل مع اليونيسيف، حيث قدّمت المساعدة للأطفال والأمهات فى الدول النامية. «إيف» هى الوحيد فى عائلتها التى لم تختر مهنة العلوم ولم تحصل على جائزة نوبل. فى عام 1954، تزوجت إيف كورى من هنرى ريتشاردسون لابويس، الذى أصبح فيما بعد سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية فى اليونان، وفى الثانى والعشرين من أكتوبر 2007 توفيت إيف كورى فى مدينة نيويورك عن عمر ناهز 103 أعوام.
ولدت إيف دينيس كورى لابويس بالعاصمة الفرنسية باريس، فى 6 ديسمبر 1904. كانت الابنة الصغرى للعالمين مارى وبيير كورى، والتى كان لها أيضًا ابنة أخرى إيرين (ولدت عام 1897). لم تكن إيف تعرف والدها، الذى توفى عام 1906 فى حادث دهس بعربة يجرها حصان. بعد هذا الحادث، قبلت مارى كورى وظيفة زوجها فى التدريس فى جامعة السوربون. انتقل والد زوجها، الدكتور يوجين كورى، للعيش مع العائلة عندما توفيت زوجته، وتولى رعاية الأطفال بينما ذهب بيير ومارى، ثم مارى فقط، إلى العمل. عندما توفى 1910، ظلت مارى كورى بمفردها لتربية بناتها. اهتمت مارى كثيرًا بتعليم ابنتيها وتنمية اهتماماتهما. سارت إيرين على خطى والدتها وأصبحت عالمة بارزة (حصلت على جائزة نوبل فى الكيمياء مع زوجها فريدريك جوليو كورى عام 1935)، بينما أظهرت إيف اهتمامًا فنيًا وأدبيًا أكبر. حتى فى طفولتها، أظهرت موهبة موسيقية مميزة.
«التلميذة الخالدة» هو عنوان سيرة ذاتية كتبتها إيف كورى عن والدتها العالمة مارى كورى، نُشر الكتاب عام 1937، وسردت حياة عالمة عظيمة، أول امرأة تفوز بجائزة نوبل، وقد فازت بها مرتين، الأولى فى الفيزياء عام 1903 والثانية فى الكيمياء عام 1911. سرعان ما أصبح الكتاب من أكثر الكتب مبيعًا، وفى عام 1943، حُوِّل إلى فيلم هوليوودى من بطولة جرير جارسون فى دور مارى ووولتر بيدجون فى دور بيير.
وفى هذا الكتاب يقدم لنا الصحفى والأديب أحمد الصاوى محمد «1902 - 1989» قصة مدام كورى فنرى فيها صفحات من الكفاح العلمى والإنسانى والعاطفى. وقد اعتمد الصاوى فى كتابه على مصدر رئيسى هو ما كتبته «إيف» بنت مدام كورى عن أمها فى كتاب فرنسى نال شهرة عالمية كبيرة، وقد صدرت الترجمة العربية لأول مرة فى عام 1938 عن دار المعارف.
كانت مارى سكلودوفسكا كورى (1867-1934) أول عالمة تحظى بشهرة عالمية، بل وواحدة من أعظم علماء هذا القرن. وأجرت دراسات رائدة على الراديوم، وساهمت مساهمة عميقة فى فهم النشاط الإشعاعى. إن قصة زواجها من بيير كورى، ورفضهما تسجيل براءة اختراع لعملياتهما أو الاستفادة من الاستغلال التجارى للراديوم، ووفاتها المأساوية، كلها قصص أسطورية ومعروفة، ولكنها تُكشف هنا من منظور شخصى. هذه السيرة الذاتية حاولت إيف كورى جاهدةً تصوير حياة والدتها تتحدث بافتتان صادق عن أمها، ومارى وبيير كورى تركا الكثير من الذكريات واليوميات والمدونات والخطابات التى تبادلها لوقت طويل، ساعدتها وهى تكتب هذه السيرة الذاتية عن أمها.
مدام كورى.. امرأة تزوجت فى الرابعة عشرة وترملت فى العشرين وماتت فى الخمسين.. تقول إيف «فهى امرأة.. وهى تنتسب إلى أمة مغلوبة على أمرها، وهى فقيرة وجميلة».. وان نداء قويا دعاها إلى مغادرة وطنها بولونيا، لتدرس فى باريس، حيث عاشت سنين فى وحدة وإملاق. وهناك تلقى رجلا عبقريا مثلها، فتتزوجه، فيصبح هناءهما فذا فريداً. ويبذلان أشد الجهود إضناء وجديا، إلى أن وقفت مارى وبيير كورى لاكتشاف عنصر سحرى، هو الراديوم. وما يهيئ اكتشافهما هذا لمولد علم جديد فحسب، بل هيأ كذلك للجنس البشرى كله سبيل علاج ناجح لداء فظيع. وفى اللحظة التى يشرق فيها مجد هذين العالمين الخيرين على العالم يخطف الموت من مارى زوجها، رفيقها فى طرفة عين، وتمضى وحدها فى العمل الذى بدأته وتتقدم بالعلم الذى خلقاه معاً.
وتؤكد إيف كورى أن عملها يتسم بالموضوعية والمصداقية والحيادية، إذ تقول وما كنت لأغتفر لنفسى ذنبها لو أننى حاولت أن أضيف أقل الزينة إلى هذه القصة، والشبيهة بالأسطورة، فلم أرو حكاية واحدة إلا وأنا واثقة منها، ولم أحور أو أبد جملة واحدة أصيلة، أو ابتكر لون فستان، فالوقائع حدثت والأقوال فعلا قيلت. ولما أتمت رسالتها وأبلغتها ماتت، وقد أضنها العلل، بعدما أبت المال والثراء، واستكبرت على نفسها التكريم، ولم تعبأ بالنعم والآلاء.
كانت أمى فى السابعة والثلاثين عندما ولدت، ولما كبرت كانت هى صارت امرأة مسنة، بلغت ذروة الشهرة، ومع ذلك فإن العالمة المشهورة هى التى أجهلها، ولعل ذلك راجع إلى أن فكرة عملها وشهرتها لم تكن تشغل بالها، بيد أنه يخيل إلى أننى عشت دائما مع الطالبة الفقيرة المسحورة بالأحلام التى كانت تدعى «مانيا» أو «ماريا سكلودوفسكى» قبل أن أجىء إلى الدنيا بزمن طويل.
ليت لى موهبة كاتب، لأتحدث عن التلميذة الخالدة التى قال عنها أينشتين: «إن مارى كورى من بين جميع المشهورين، هى وحدها التى لم يفسدها المجد».