يوم الأحد الماضى وفى مداخلة تليفونية مع الزميلة منى الشاذلى فى برنامج العاشرة مساء، والذى كان موضوعه ظهور السيدة العذراء، تطرقت إلى حكاية مشابهة من حكايات التعلق بالوهم نتيجة الاحتقان الطائفى، وهى حكاية بوستر أشجار الغابة الألمانية التى تلتف على شكل لفظ الجلالة، والتى منعت الشرطة الألمانية المواطنين من الوصول إليها حتى لا يدخلوا فى دين الإسلام!!، هكذا كتب تحت الصورة التى كانت قد انتشرت فى مصر انتشار النار فى الهشيم، ووزعت منها ملايين النسخ، ولم يسأل أى مواطن مصرى نفسه وقتها هل هذه الصورة حقيقية أم مرسومة؟، بالرغم من أن أى طفل لديه قدر ضئيل من المنطق والفطرة السليمة يعرف أنها مرسومة!!، لم نسأل لأننا كمسلمين مصريين محبطون نريد أن نصدق هذا الوهم، كما أراد الأخوة المسيحيون المصريون أن يصدقوا ظهور العذراء لانتشالهم من جو القهر والإحباط، إنه تعطيل الحواس والكذب على الذات طلباً للمعجزة وانتظاراً للخوارق فى زمن معجزاته وخوارقه الحقيقية هى العلم والمنهج العلمى فى التفكير. قصة الغابة الألمانية قصة تجمع بين الكوميديا والتراجيديا، بدأت بأستاذ فارماكولوجى فى كلية صيدلة المنصورة اسمه سيد الخضرى، وقد صحح اسمه لى تليفونياً الشاعر محمد رمضان فقد أخطأت وذكرت أنه إبراهيم الخضرى، المهم جمع الخضرى بين العلم والفن، وكانت هوايته أن يرسم لوحات يجعل فيها الطبيعة تتحدث بالكلمات، كان شغوفاً برسم لفظ الجلالة والبسملة وآيات القرآن على هيئة فروع أشجار ملتفة، ويوقع على أرضية اللوحة المكسوة بالحشائش بكلمة «الخضرى»، تسربت بالصدفة إحدى هذه اللوحات لدار نشر إسلامية شهيرة فلمعت الفكرة فى ذهن صاحب الدار فاخترع هذه الأكذوبة ولفق هذه القصة الوهمية، واكتسح البوستر بر مصر من الإسكندرية حتى أسوان، من محال عصير القصب وباعة المناديل الورقية فى الإشارات حتى محال التحف والأنتيكات فى الأحياء الراقية، وحصدت الدار الملايين من بيع هذه اللوحة واللعب على وتر تنامى تيار التأسلم السياسى، وتأجج هستيريا الاحتقان الطائفى المختلط بمشاعر الدونية والحقد تجاه الغرب، قرر الخضرى رفع قضية على الدار بعد أن حاول أن يقنع الناس بأنه صاحب اللوحة الحقيقى، خاصة أن دار النشر فى زحمة عملية النصب نسيت أن تحذف توقيع الخضرى من على أرضية اللوحة، رجمه الأصدقاء قبل الأعداء بتهمة الكفر والتخريف ولم يصدقه حتى جيرانه الذين شاهدوه حين رسم اللوحة، وصار مثل عاطف الأشمونى مؤلف الجنة البائسة!، فقد كان الجميع يعيش نشوة وأورجازم الانتصار الدينى على ألمانيا الكافرة الصليبية!، ساومته الدار برشوة تتجاوز المليون جنيه فرفض التنازل عن القضية، انفجر منزله فى المنصورة فى ظروف غامضة واحترق بالكامل، أنقذته العناية الإلهية بعدم تواجده هناك وقتها، ولكنه بعد فترة توفى مقهوراً بجلطة، رحل بعدها عن دنيانا وهو لا يفهم، وهو أستاذ علم الأدوية، هل هناك دواء لعلاج هذا العصاب الدينى الذى تعانى منه مصر؟، والشفاء من الازدواجية الدينية التى تجعل أهلها يمارسون التدين الشكلى ويهتمون بالطقوس وينسون الضمير الذى كان فجر ظهوره فى مصر القديمة