«الثقب الأسود» تحت كوبرى المنصورية.. الفتحات الخرسانية تتحول لوكر للخارجين عن القانون (معايشة)

«إحنا كنا بنعدى من هنا ونبص للثقوب تحت الكوبرى ونخاف، كأن فيه عالم تاني مستخبى في الضلمة».. هكذا يصف أحد سكان شارع ترعة المنصورية بالهرم في الجيزة، المشهد الذي طالما أقلق الأهالى قبل أن تتدخل الشرطة لسد ما أطلقوا عليه «الثقب الأسود».
القصة الكاملة ل«الثقب الأسود» في الهرم
تحت كوبرى ترعة المنصورية، لم تكن الفتحات ال 4 مجرد فراغات خرسانية، بل تحولت مع الوقت إلى مأوى لعشرات الأشخاص، بينهم أطفال ونساء وشباب، استُغل بعضهم في أعمال التسول، قبل أن تكشف فيديوهات متداولة على مواقع التواصل حجم ما يجرى في ذلك المكان وتدفع أجهزة الأمن للتحرك.
كان المشهد تحت الكوبرى أقرب إلى كهفٍ يلجأ إليه العناصر الخارجة عن القانون ليلًا، «تيشيرتات ممزقة، ملابس مرمية، بقايا طعام وعبوات فارغة»، كلها كانت دلائل على أن المكان لم يكن خاليًا كما يوحى ظلامه، وفق ما رصدت «المصرى اليوم»، ويقول أحد السكان: «أنفاسنا كانت بتتقطع وإحنا بنبص جوه الثقوب دى.. حسينا إن فيه حياة كاملة مستخبية هنا».
تحت الكوبرى، التقت «المصرى اليوم» بأحد أصحاب الجراجات الملاصقة للفتحات- رفض نشر اسمه- بدا الرجل مترددًا في البداية، لكنه كشف أنه يستأجر المكان منذ سنوات، يوضح: «أنا مأجر جراج ومغسلة، ومن 3 سنين عملت تفاهم معاهم.. هما ما بيحترموش غير القوة، محدش يقدر يقرب منهم».
ورغم محاولته حماية رزقه، فإن قصص السرقات لم تتوقف، يشير بيده إلى السيارات المارة على الكوبرى قائلًا: «ناس كتير اتسرقت موبايلاتها وفلوسها، كانوا بيطلعوا بالليل يقفلوا على العربيات».
«الداخلية» تُعلن القبض على 20 متهمًا في «الثقب الأسود»
بين المارة في الشارع، وقفت سيدة «عجوز»، تقترب من أصحاب المحال التجارية حيث اعتادت الجلوس واستجداء الناس، وتكرر جملة واحدة: «ابنى اتقبض عليه في الحملة».
كانت دموعها تنهمر، بينما تحكي أن ولدها كان يقضى معظم يومه في تلك الفتحات، يعود أحيانًا بفتات نقود من التسول، ويختفى أحيانًا أخرى لأيام.
بالقرب منها، يحكى أحد التجار أن «الأرباب بتوع السوابق» كما يسميهم، كانوا يتجمعون مع الأطفال في المكان ليلًا: «النهار كله تسول.. وبالليل بيرجعوا للثقب».
مع انتشار مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعى، أطلق مدونون اسم «الثقب الأسود» على المكان، الفيديوهات أظهرت أطفالاً ونساءً وشبابًا يدخلون ويخرجون بشكل متكرر من الفتحات، وسط تكهنات عن طبيعة ما يجرى هناك.
لم يطل الأمر حتى تحركت الشرطة، خلال ساعات، طوقت القوات المكان، وأعلنت القبض على 20 شخصًا ل 7 منهم معلومات جنائية من ضمنهم 8 سيدات و5 أطفال، وبحوزة 9 أشخاص 9 قطع أسلحة بيضاء، قالت وزارة الداخلية إنهم استُغلوا في التسول وبيع السلع البسيطة بشكل إلحاحى في شوارع عدة بالقاهرة والجيزة.
في موقع الثقوب، كان أحمد جمعة، عامل بحى الهرم، يتابع أعمال الردم، يروى ل«المصرى اليوم»: «الناس كلمونا يشتكوا من الثقب الأسود والعيال اللى مستخبية فيه، نزلنا مع رئيس مباحث الهرم، المقدم مصطفى الدكر، لقينا مناظر بشعة».
«دخلت جوه المكان لقيت مناظر تبكى.. هدوم مرمية، أطفال صغيرة نايمة في الضلمة، وست كانت سايبة عيل صغير مرمى على الأرض»، يقول «جمعة»، وهو يسترجع اللحظة التي بدأ فيها ردم الثقوب تحت الكوبرى، ويضيف: «إحنا قعدنا أكتر من 8 ساعات نحط طوب ورمل وأسمنت علشان نسد الفتحات دى، وكله كان علشان الناس تبقى في أمان، بعد ما وصل لنا يمكن 100 شكوى عن سرقات وتحرش وتلفونات اتخطفِت من المارة».
بعد القبض على المتهمين، تحرك محافظ الجيزة، المهندس عادل النجار، وأصدر توجيهات عاجلة بسد الثقوب نهائيًا، حضرت سيارات محملة بالطوب والرمل والأسمنت، وتحت إشراف أمنى جرى غلق الفتحات ال 4، 2 منهما كانتا صغيرتين، بينما اتسمت الأخريين بالاتساع والعمق.
وقف الأهالى يتابعون المشهد بارتياح، أحد المارة علق وهو يلتقط صورًا بهاتفه: «أخيراً هننام مرتاحين.. الكوبرى بقى أمان»، إذ كانت هناك أم تمسك بيد طفلها على الرصيف المقابل للكوبرى، تتابع أعمال السد، مرددةً: «النهارده بس حسيت إن ابنى يقدر يعدى الشارع من غير ما أخاف عليه»، ثم ابتسمت بخجل وأردفت: «المكان ده كان واخد أولادنا.. دلوقتى اترد لنا».
تحريات الشرطة أكدت أن الأطفال ال5 الذين جرى ضبطهم كانوا معرضين للخطر بسبب دفعهم للتسول وبيع البضائع في الشوارع، بعضهم لم يتجاوز العاشرة من عمره.
أحد سكان المنطقة يروى بحزن: «كان في عيل صغير بيقف عند الإشارة يمد إيده، ولما نسأله بيروح فين بالليل، يقول (بنام تحت الكوبرى مع إخواتى)».
في المقابل، أشار مصدر أمنى إلى أنه تم تسليم الأطفال إلى أهاليهم بعد أخذ التعهد اللازم بحسن رعايتهم، بينما أودع من تعذر الوصول لذويه بإحدى دور الرعاية.