«أولها غزة».. «سي إن إن»: 3 اختبارات ستكشف هل ترامب زعيم حقيقي أم مجرد متسلط؟

على أنغام مزمار القربة، استُقبل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في أحد القصور الإسكتلندية التابعة لعائلته لممارسة رياضة الجولف، حيث حلّ ضيف شرف على رقعة من المملكة المتحدة تُمثّل موطن والدته، بهذه المقدمة بدأت شبكة «سي إن إن» تقريرها المعنون ب«غزة وأوكرانيا ستظهران هل ترامب زعيم حقيقي أم مجرد متسلط».
ترامب آخر ملك لاسكتلندا.. وستارمر ممثل ثانوي
بدا ستارمر في اسكتلندا خلال اجتماعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكأنه مجرد«ممثل ثانوي» في مشهد البطولة، بينما كان ترامب يعقد مؤتمرًا صحفيًا وصفته ال «سي إن إن» الأمريكية، بأنه «محيرًا للعقل»، خاض خلاله في مواضيع غريبة تتراوح بين كراهيته لطاقة الرياح وشكواه من إطارات نوافذ قاعة رقصه، مرورًا بتعليقاته على قلعة وندسور.
ووفقًا ل «سي إن إن» اختُتم ترامب يومه، ب«عرض فاضح» جديد للقوة الأمريكية، حين أقلّ رئيس الوزراء البريطاني جوًا في طائرة الرئاسة إلى نادٍ حصري آخر يملكه ترامب، ليؤكد سيطرته في استعراض رمزي واضح.
وفي اليوم السابق، كانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين قد وصلت إلى نفس الموقع، تيرنبيري، لاستعراض صفقة تجارية أثارت جدلًا واسعًا داخل الاتحاد الأوروبي، ووصفت من قِبل البعض بأنها تنازل غير مبرر.
وأوضحت الشبكة الأمريكية، أن ما جرى في هذه العاصمة المؤقتة الجديدة للسياسة العالمية في جنوب غرب إسكتلندا كان بمثابة درس عملي في كيفية استخدام ترامب لشخصيته التي لا تقهر وإحساسه المستمر بضعف الآخرين لفرض قوته الشخصية وتحقيق انتصارات كبيرة لنفسه.
انتصارات متلاحقة ولكن لصالح من؟
قالت «سي إن إن» إنه وبعد 6 أشهر من بدء ولايته الثانية، يبدو أن ترامب يحقق مكاسب على جبهات متعددة، فقد أعاد تشكيل نظام التجارة الحرة العالمي، وشنّ هجمات عسكرية باستخدام قاذفات الشبح التي استهدفت برنامج إيران النووي، وانتزع وعودًا من حلفائه في الناتو(حلف شمال الأطلسي) بزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير.
على الصعيد المحلي، فرض ترامب هيمنته على الكونجرس، وأخضعه للتنمر، بحسب «السي إن إن»، وأعاد تشكيل السياسات الجامعية، ووجّه النظام القضائي ضد خصومه، وأغلق فعليًا الحدود أمام المهاجرين غير النظاميين.
هذه «الانتصارات» التي لم يُفلح الرئيس الأمريكي، بتحقيقها في ولايته الأولى أصبحت الآن واقعًا يتماشى مع شعار «نجعل أمريكا عظيمة مجددًا»، لدرجة أنه سيحقق من الفوز أبلغه، لدرجة أنهم سيتعبون من الفوز والانتصارات، بحسب «سي إن إن».
لكن تبقى الأسئلة قائمة: هل هذه الانتصارات في صالح الولايات المتحدة أم في مصلحة ترامب الشخصية؟ وهل ممارساته القسرية تُعزز هيبة بلاده أم تعكس قسوة رجل يسعى لتكريس ذاته فقط؟ وما الثمن الذي ستدفعه واشنطن مستقبلًا مقابل هذه المكاسب اللحظية؟، كل هذه الأسئلة عرضتها ال «سي إن إن» لتكشف بها هل فعلًا ترامب زعيم حقيقي أم مجرد رجل متسلط.
3 اختبارات حقيقية لقوة ترامب
أوضحت «سي إن إن» أنه إذا كان ترامب حقا قوة عالمية مهيمنة، فإن الدليل على ذلك سوف يأتي من خلال تعامله مع 3 قضايا حاسمة تم تسليط الضوء عليها خلال رحلته إلى اسكتلندا: المجاعة المؤلمة في غزة، والحرب في أوكرانيا، والتجارة.
وأشارت إلى أن أول اختبار واجهه ترامب خلال جولته في اسكتلندا كان الأزمة الإنسانية في غزة، فبعد مشاهد مروعة لأطفال يعانون من الجوع، ناقض ترامب تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي يزعم فيها عدم وجود مجاعة، وقال: «علينا أن نطعم الأطفال»، متعهدًا بإنشاء مراكز توزيع غذاء، غير أن تفاصيل التنفيذ كانت غائبة، لا سيما أن توزيع المساعدات وسط نيران الحرب يُعرّض المدنيين للموت.
وذكرت «سي إن إن» أن تصريحات ترامب قد تكون نابعة من تأثير إنساني فعلي، كما حدث بعد مشاهد الأسلحة الكيميائية في سوريا عام 2017، أو ربما هي محاولة سياسية لتفادي تحمّل واشنطن مسؤولية الكارثة.
الاختبار الثاني وفقًا للشبكة الأمريكية، سيأتي عبر أوكرانيا، فقد أعرب ترامب عن إحباطه من رفض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لعروض السلام، محددًا مهلة قصيرة لإنهاء الحرب، وإذا قرر ترامب فرض عقوبات جدية على روسيا، حتى ولو كانت مؤلمة لحلفائه التجاريين مثل الصين والهند، فسيكون ذلك مؤشرًا على تحول استراتيجي حقيقي.
وأكدت «سي إن إن» أن التحرك القوي ضد بوتين من ترامب في الأيام المقبلة، والذي قد يرتد أيضًا ضد الرئيس الصيني، شي جين بينج، حتى ضد المصالح السياسية الخاصة لترامب، من شأنه أن يُظهِر أن الرئيس مستعد ليس فقط للهيمنة على الأوروبيين، بل وأيضًا للوقوف في وجه أكثر الزعماء قسوة.
وأشارت إلى أن الفشل في اتخاذ مثل هذا الإجراء من شأنه أن يمنح الشرعية لمنتقدين يرون أن انزعاج ترامب من بوتتن لا يتعلق بمحنة أوكرانيا بقدر ما يتعلق بالحرج الناجم عن إحباط حملة الرئيس للحصول على جائزة نوبل للسلام.
أما الاختبار الثالث فكان في مجال التجارة، حيث أُعلن عن إطار اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، وصفه ترامب بأنه «أعظم اتفاق على الإطلاق»، لكن هذا الاتفاق بدا هشًا ومفتقرًا للتفاصيل، ولم يتضمن تنازلات أوروبية واضحة بشأن اللحوم المعالجة بالهرمونات أو تنظيم شركات التكنولوجيا الأمريكية.
حلفاء حذرون
قد يبدو أن ترامب يحقق انتصارات، لكن الأوروبيين يلعبون على المدى الطويل، فالاتحاد الأوروبي فضّل التنازل المؤقت على الدخول في حرب تجارية قد تضر بالاقتصاد العالمي، بينما يبدو أن بعض التغييرات في موقف ترامب تجاه غزة وأوكرانيا جاءت بالتزامن مع تنازلات الاتحاد في ملف التجارة.
وأوضحت «سي إن إن» أن ستارمر اتبع نهجًا مشابهًا، إذ فضّل كسب ودّ ترامب عبر تنازلات محسوبة، أثمرت عن إعفاءات جمركية أفضل من تلك التي حصل عليها الاتحاد الأوروبي.
استنزاف القوة الناعمة وعزلة أمريكا
بحسب «سي إن إن» فإن كوري شاك، مسؤولة السياسة الخارجية السابقة في إدارة بوش، قالت إن فريق ترامب يعمل على التعجيل بمستقبل «تختار فيه البلدان الخروج من النظام الدولي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة أو بناء نظام جديد معادٍ للمصالح الأمريكية».
وأضافت «شاك» أن ترامب ينتصر، نعم، ولكن الثمن قد يكون مكانة أمريكا العالمية، وتحالفاتها التاريخية، واستقرار الاقتصاد العالمي، وعلى المدى البعيد، قد تجد الولايات المتحدة نفسها في عزلة تُذكّر بعوالم ما قبل القيادة الأمريكية للنظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية.