توقع اتحاد شركات التأمين المصرية أن يظل العالم عرضة لتوترات سياسية ومناطق نزاع متكررة، خاصة فى ظل التنافس على الموارد الطبيعية، والتحولات المناخية، والهجرات الجماعية. وبالتالى، فإن صناعة التأمين ستظل فى حالة تأقلم دائم مع تلك التغيرات، سواء من خلال منتجات تأمين جديدة، أو آليات تسعير مرنة، أو تعزيز التعاون الدولى فى مجال إعادة التأمين. أوصى الاتحاد فى دراسة حديثة بإعادة تصميم نماذج التسعير والاستهداف الاكتوارى لتشمل المتغيرات الجيوسياسية، والتحول إلى تنويع مصادر إعادة التأمين من خلال شركات إقليمية أو تحالفات مع معيدى تأمين فى آسيا وأمريكا الجنوبية. كما أوصى بتعزيز الاستثمار فى التكنولوجيا لإتاحة نماذج تقييم مخاطر أكثر مرونة وسرعة التفاعل مع الأحداث العالمية، والتوسع فى تأمين مخاطر التوريد، وتأمين المخاطر السياسية، خصوصًا للمصدرين والمستوردين الذين يتعاملون مع أسواق عالية المخاطر، وكذا تطوير منتجات جديدة تتماشى مع المخاطر الجيوسياسية مثل تأمين اضطرابات النقل أو تأمين سلسلة الإمداد الدولية، بالإضافة إلى تفعيل دور صناديق الطوارئ والاحتياطات الفنية بما يتناسب مع اتساع نطاق المخاطر. وحسب الدراسة، تتأثر صناعة التأمين بالأوضاع الجيوسياسية من عدة جوانب، منها زيادة معدلات المخاطر التى تؤدى التوترات السياسية إلى تغيرات فى التوقعات المتعلقة بالخسائر، مما يؤدى إلى ارتفاع الأقساط وزيادة الحذر فى الاكتتاب. وتغير شروط إعادة التأمين فى حالات النزاعات أو العقوبات الدولية، قد تفرض شركات إعادة التأمين شروطًا أكثر صرامة على الدول المعنية، وتعطل سلاسل الإمداد، حيث تؤثر الحروب أو العقوبات على النقل والتجارة العالمية، ما يرفع من قيمة التأمين البحرى والنقل، وكذا زيادة المطالبات فى حالات مثل الغزو أو الاحتلال أو العقوبات، قد ترتفع المطالبات بشكل مفاجئ، ما يؤدى إلى خسائر حادة لشركات التأمين، بالإضافة إلى صعوبة تسوية المطالبات عبر الحدود، إذ تتأثر قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها بسبب القيود المصرفية أو المالية الناتجة عن النزاعات. أبرز المخاطر الجيوسياسية المؤثرة فى العقد الحالى: - النزاع الإيرانى الإسرائيلى: أثر تأثيرًا مباشرًا على تأمين شحنات النفط والغاز، والتأمين على المصانع والمرافق النفطية. - النزاع فى بحر الصين الجنوبى: أدى إلى تهديد الملاحة والتجارة العالمية ورفع تكلفة التأمين البحرى فى آسيا. - الانقلابات فى أفريقيا وغرب الساحل: أثّرت على الاستثمارات الأجنبية، وخاصة فى قطاع التعدين والطاقة، ما ينعكس على تغطيات التأمين التجارى والاستثمارى. - العقوبات الغربية على روسيا وإيران وفنزويلا: تؤثر فى إمكانية التعاقد مع شركات إعادة تأمين غربية، وتحد من تدفقات المطالبات عبر الأنظمة المالية. النزاعات الدولية وتأثيرها على سلاسل الإمداد والتجارة العالمية تمثل النزاعات المسلحة والأزمات السياسية أحد أبرز العوامل التى تعطل حركة التجارة العالمية. وتؤدى هذه الاضطرابات إلى إغلاق ممرات بحرية أو برية حيوية، أو فرض قيود على صادرات وواردات بعض السلع، أو حتى تجميد الأصول والشركات. كل ذلك يتسبب فى اضطراب سلاسل الإمداد وزيادة تكاليف النقل، وهو ما يدفع إلى زيادة الطلب على التأمين، لا سيما التأمين البحرى والجوى وتأمين الشحنات. فعلى سبيل المثال، تسببت الحرب الروسية الأوكرانية التى اندلعت عام 2022 فى إغلاق العديد من الموانئ البحرية فى البحر الأسود، وأدت إلى تقليص حركة الشحن البحرى، وارتفاع تكاليف التأمين على السفن والشحنات العابرة لتلك المنطقة. كما أدى النزاع بين الجانبين الإيرانى والإسرائيلى إلى تعطل الكثير من الشحنات الجوية بسبب غلق المجال الجوى لأكثر من بلد، وأيضًا تفكير الجانب الإيرانى فى غلق مضيق هرمز، والذى يعد أحد أهم شرايين النفط فى العالم، ويربط الخليج العربى ببحر العرب، ويمر به قرابة 20 مليون برميل من النفط ومشتقاته يوميًا، وهو ما يمثل نحو خمس شحنات النفط العالمية، مما يجعل محاولة إغلاقه تؤثر على أسواق الطاقة. كما فرضت العديد من شركات التأمين العالمية حظرًا على تغطية المخاطر فى مناطق الصراع، أو رفعت أقساط التأمين بشكل كبير. وقد سبق أن تسببت التوترات الجيوسياسية فى مناطق مثل بحر الصين الجنوبى، والخليج العربى، وأفريقيا، فى تعطيل حركة الحاويات والبضائع، وأجبرت شركات الشحن على اتخاذ طرق أطول وأكثر تكلفة، ما أدى إلى زيادة الطلب على التأمين ضد القرصنة البحرية، والتأمين ضد مخاطر الحرب، والتأمين ضد الخسائر الناجمة عن التأخير. العقوبات الاقتصادية وتأثيرها على صناعة التأمين تشكل العقوبات الاقتصادية أداة رئيسية من أدوات السياسة الخارجية، وتستخدمها الدول الكبرى كوسيلة للضغط السياسى أو الاقتصادى على دول أخرى. إلا أن هذه العقوبات لا تتوقف عند حدود الدولة المستهدفة، بل تمتد آثارها لتشمل جميع الشركات والمؤسسات العاملة معها، بما فى ذلك شركات التأمين وإعادة التأمين. حين تُفرض عقوبات على دولة ما، فإن شركات التأمين التى كانت توفر تغطيات لأصول أو عمليات فى تلك الدولة تجد نفسها أمام خيارين كلاهما صعب: فإما التوقف الفورى عن تقديم الخدمة وتعريض نفسها لخسائر قانونية وتعويضات، أو الاستمرار فى التغطية مع احتمال التعرض لغرامات مالية ضخمة من الجهات المنظمة الدولية، مثل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكى (OFAC). وقد تأثرت صناعة التأمين العالمية بالعقوبات المفروضة على روسيا وإيران وفنزويلا، حيث تراجعت تغطيات التأمين البحرى، وتأمين الطاقة، وحتى التأمين على التجارة الدولية. كذلك، فإن العقوبات المفروضة على البنوك فى تلك الدول تعرقل تسوية المطالبات التأمينية وتحويل الأموال، مما يضيف أعباء مالية على الشركات المؤمّنة ويقلل من كفاءتها التشغيلية. ارتفاع تكلفة إعادة التأمين نتيجة تصاعد المخاطر الجيوسياسية إعادة التأمين هى صمام الأمان الرئيسى لصناعة التأمين، إذ تتيح توزيع المخاطر على نطاق أوسع وتخفف من الصدمات الكبرى. غير أن الأوضاع الجيوسياسية الحالية دفعت شركات إعادة التأمين إلى إعادة النظر فى نماذجها التسعيرية، وإعادة تقييم مخاطرها عبر العالم، لا سيما فى المناطق التى تشهد تصعيدًا سياسيًا أو أمنيًا. وقد لاحظت الأسواق العالمية ارتفاعًا حادًا فى أسعار إعادة التأمين بعد أحداث مثل الغزو الروسى لأوكرانيا، والتوترات فى شرق أوروبا، والاضطرابات فى منطقة الخليج. يعود ذلك إلى عدة أسباب: - ارتفاع احتمالات وقوع خسائر جسيمة أو متكررة. - ازدياد المطالبات المرتبطة بمخاطر الحرب والعقوبات. - تعقيد إجراءات تسوية المطالبات فى ظل العقوبات المالية. - تراجع استعداد شركات الإعادة للدخول فى أسواق غير مستقرة سياسيًا. هذا الارتفاع فى أسعار إعادة التأمين ينعكس مباشرة على أسعار وثائق التأمين المقدمة للعملاء، ويؤدى إلى انكماش الطلب فى بعض التغطيات، أو إلى مطالبة العملاء بتقليل التغطيات، وهو ما يزيد من مستوى المخاطر غير المؤمن عليها فى الاقتصاد. تأثر بعض فروع التأمين بالصراعات المسلحة تأثرت الكثير من فروع التأمين بالأوضاع الجيوسياسية، نظرًا لاعتمادها المباشر على البيئة الجغرافية والسياسية للطرق والمسارات الدولية. وفى ظل النزاعات المسلحة، وتهديدات الإرهاب، والقرصنة البحرية، باتت شركات التأمين تواجه تحديات متزايدة فى تحديد مستويات الأخطار وتكاليف التغطية. على سبيل المثال، ارتفعت أسعار التأمين على السفن والطائرات العابرة للمجالات الجوية أو الممرات البحرية القريبة من مناطق النزاع، مثل مضيق هرمز، والبحر الأسود، وخليج عدن، ومضيق تايوان، وفى بعض الحالات، اضطرت شركات التأمين إلى إدراج «شرط الحرب» أو «استثناء الإرهاب»، أو فرضت زيادات كبيرة على الأقساط. تأثر التأمين البحرى بشكل خاص بالحرب الروسية الأوكرانية، حيث أوقفت العديد من الشركات تغطية السفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية، وفرضت قيودًا على تغطية الحمولات القادمة من روسيا. كما أن تصنيف مناطق الصراع كمناطق عالية المخاطر من قبل لجنة الحرب المشتركة (JWC) التابعة لسوق لويدز فى لندن أدى إلى ارتفاع غير مسبوق فى تكلفة التأمين على السفن والتأمين ضد الحرب. أما فى مجال تأمين الطيران، فإن المخاطر تشمل احتمال إسقاط الطائرات، أو تقييد المجال الجوى فى مناطق معينة، أو تعرض المطارات لأعمال عدائية. من الأمثلة الصارخة على ذلك إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية MH17 فوق شرق أوكرانيا عام 2014، والذى شكّل نقطة تحول فى تقييم شركات التأمين لمخاطر الطيران المدنى فى مناطق النزاع. أما فى مجال تأمين الطاقة، فقد ارتفعت المخاطر نتيجة لاستهداف المنشآت النفطية ومصافى التكرير وتهديد خطوط الأنابيب. وأدى ذلك إلى زيادة أسعار التأمين على الأصول البترولية فى مناطق الخطر (مثل الخليج وبحر قزوين)، وزيادة الطلب على التغطيات المتخصصة مثل تأمين الإرهاب، وتعطل الأعمال بسبب الحروب، بالإضافة إلى تطور نموذج التأمين السيادى فى بعض الدول لضمان أمن مواردها الاستراتيجية. وقد أبرز تقرير لوكالة رويترز توقعات بارتفاع أقساط التأمين بما يتراوح بين 3 إلى 8 دولارات إضافية لكل برميل نفط فى حال استهداف منشآت نفطية أو حصار المضائق، وأوضح المحللون أن «علاوة الحرب» ستبقى مرتفعة خلال الفترة المقبلة، وقد تتصاعد أكثر حال توسّع الصراع، لضمان تغطية مخاطر انقطاع الإمدادات أو الهجمات على السفن. وفى مجال تأمينات السفر، تؤثر النزاعات الجيوسياسية على تأمينات السفر. فقد أدت الحرب الإسرائيلية الإيرانية إلى إلغاء آلاف الرحلات الجوية فى الشرق الأوسط أو تغيير مساراتها، مما أدى إلى زيادة إلغاءات السفر، والذى انعكس سلبًا على تأمينات السفر. وفى حالة استمرار الحرب، ستضطر شركات التأمين إلى دفع تعويضات ضخمة بسبب إلغاءات السفر. تأثير المخاطر الجيوسياسية على نماذج التسعير والتقييم تقوم شركات التأمين باستخدام نماذج اكتوارية تعتمد على عوامل تاريخية وجغرافية واقتصادية. وفى ظل الأوضاع الجيوسياسية المضطربة، تلجأ هذه الشركات إلى: إدراج أقساط إضافية بسبب «الخطر الجيوسياسى». خفض التغطيات فى المناطق ذات المخاطر العالية. زيادة الاعتماد على تقارير المخاطر السياسية المقدمة من مؤسسات متخصصة مثل Marsh، Aon، وLloyd's. تطور التشريعات التأمينية لمواجهة المخاطر الجيوسياسية بدأت العديد من الهيئات الرقابية الوطنية والدولية فى تعديل الأطر القانونية المنظمة لسوق التأمين، ومنها: اشتراط وجود تغطيات خاصة للمخاطر السياسية. تشجيع شركات التأمين على تكوين احتياطات مالية لمواجهة الكوارث الجيوسياسية. التعاون مع جهات الأمن القومى لتقييم التهديدات المستجدة. تأثير الحروب على صناعة التأمين وإعادة التأمين لطالما اعتُبرت الحرب خطرًا يكاد يكون من المستحيل تأمينه؛ فاستبعاد الحرب قديمٌ بقدم صناعة التأمين نفسها. قد تتمكن الشركات والأفراد الذين يواجهون خطرًا معروفًا من شراء وثيقة تأمين منفصلة ضد مخاطر الحرب، وكما ثبت فى الاستجابة لحرب أوكرانيا، يمكن ترتيب تغطيات محددة من خلال التعاون بين القطاعات لدعم المرور الآمن للصادرات الحيوية وجهود الإغاثة. ويوفر التأمين الدعم ضد الخسائر المالية، كما توفر صناعة التأمين التوجيه والخبرة لمساعدة العملاء على فهم نقاط ضعفهم وتعزيز قدرتهم على الصمود. أمثلة لبعض النزاعات وانعكاسها على صناعة التأمين العالمية الحرب الروسية الأوكرانية (2022 – مستمرة) تُعدّ الحرب الروسية الأوكرانية من أبرز الأمثلة المعاصرة لتأثير الصراعات الجيوسياسية على التأمين العالمى. فقد أدى الغزو إلى: زيادة أسعار التأمين البحرى فى البحر الأسود بنسبة تجاوزت 400٪. انسحاب عدد من شركات التأمين من السوق الروسية والأوكرانية. فرض قيود على التغطية بسبب العقوبات المفروضة على روسيا. تعليق العمل ببعض وثائق التأمين التى تغطى التجارة الزراعية والطاقة. وقد واجهت شركات التأمين صعوبات فى تسوية المطالبات نتيجة تجميد الأصول الروسية وصعوبة التحويلات المالية. كما ارتفعت المطالبات المتعلقة بتأمين المصانع والممتلكات المتضررة من القصف، ما أثّر على نتائج أرباح شركات التأمين الأوروبية. التصعيد فى الشرق الأوسط (2023 – 2025) شهدت السنوات الأخيرة تصعيدًا متسارعًا فى الشرق الأوسط، خاصةً فى مناطق مثل اليمن، العراق، سوريا، وغزة، وفى الآونة الأخيرة الحرب الإيرانية الإسرائيلية، حيث انعكست هذه التوترات على أسواق التأمين عبر: - ارتفاع تكاليف التأمين البحرى والجوى فى الخليج العربى والبحر الأحمر. - زيادة أسعار التغطيات ضد الحرب والإرهاب. - مطالبات متكررة نتيجة قصف منشآت مدنية وصناعية. - عزوف شركات التأمين عن تقديم خدمات فى بعض المناطق. أدت هذه الأحداث إلى إضعاف ثقة المستثمرين، ودفعتهم لطلب تغطيات تأمينية أكثر مرونة، ما رفع الطلب على منتجات التأمين السياسى. التوتر فى بحر الصين الجنوبى (منذ نهاية القرن الماضى – حتى الآن) يمثل بحر الصين الجنوبى نقطة توتر استراتيجى بين الصين وعدد من الدول المجاورة، وعلى رأسها الفلبين، وفيتنام، وماليزيا، إضافة إلى التدخل الأمريكى المتكرر. ويمر عبر هذه المنطقة نحو 30٪ من التجارة البحرية العالمية. وقد دفعت التوترات العسكرية والمناورات المستمرة شركات التأمين إلى: - رفع أقساط التأمين على السفن التى تمر عبر المنطقة. - تصنيف بعض المياه كمناطق خطر عالية. - زيادة الطلب على التأمين ضد القرصنة والمصادرة البحرية. كما أبدت شركات الشحن قلقًا من تحول التوترات إلى نزاع مباشر، مما دفعها إلى طلب تغطيات تأمينية مرنة وسريعة التعديل. دور شركات التأمين العالمية فى تقييم المخاطر السياسية أدركت شركات التأمين العالمية أن التغير المستمر فى البيئة الجيوسياسية يتطلب أدوات أكثر تطورًا لتقييم الأخطار، ولذلك بدأت هذه الشركات فى توظيف محللين سياسيين وخبراء أمنيين وأنظمة ذكاء اصطناعى لرصد ومتابعة الأوضاع الجيوسياسية وتأثيرها المحتمل على الأسواق والعمليات. وتقوم شركات مثل ميونيخ رى وسويس رى وهيئة اللويدز بتحديث خرائط الأخطار بشكل دورى، وتصدر تقارير تقييمية عن المناطق الجغرافية الخطرة وتأثير العقوبات، وإمكانية اندلاع النزاعات، وكذلك تعتمد على شراكات مع مؤسسات بحثية وجيوسياسية مثل Eurasia Group وStratfor. وأطلقت بعض الشركات منتجات تأمينية متخصصة لتغطية المخاطر السياسية، وتشمل: - مصادرة أو تأميم الأصول. - تعطيل العمليات بسبب قرارات حكومية مفاجئة. - فرض قيود على تحويل الأرباح أو رأس المال. - أعمال الشغب والانقلابات السياسية. ويتم تسعير هذه الوثائق بناءً على معايير دقيقة تتعلق باستقرار النظام السياسى، ومؤشرات الحوكمة، والتاريخ الأمنى، والعلاقات الدولية للدولة المستهدفة. كيف تستجيب شركات التأمين للأزمات الجيوسياسية المفاجئة رغم استخدام أدوات تحليلية متقدمة، إلا أن الأزمات الجيوسياسية عادة ما تأتى فجأة، مما يتطلب استجابات مرنة وفورية. وتشمل أبرز الممارسات التى طورتها شركات التأمين فى هذا السياق: - تفعيل بنود الطوارئ فى الوثائق، مثل بنود تعليق التغطية أو مراجعة الأسعار تلقائيًا عند تصنيف منطقة معينة على أنها منطقة حرب أو نزاع. - الانسحاب المؤقت من الأسواق المتأثرة، كما حدث فى أوكرانيا وأفغانستان وسوريا، حيث اضطرت شركات تأمين دولية إلى تعليق أعمالها لحماية رؤوس أموالها. - إعادة التفاوض مع شركات إعادة التأمين، حيث تعمد شركات التأمين المباشر إلى التفاوض مع المعيدين لتحسين شروط التغطية أو إعادة ترتيب محفظة الأخطار. - زيادة التحوط عبر التأمينات المشتركة من خلال التحالف مع شركات أخرى لتقاسم المخاطر العالية أو التغطية ضمن مجمعات تأمين مشتركة. وقد باتت المرونة التنظيمية وسرعة الاستجابة من أهم مؤشرات كفاءة شركات التأمين فى بيئة مشبعة بالمخاطر السياسية. انعكاس التوترات الجيوسياسية على صناعة التأمين المصرية تشكّل الأوضاع الجيوسياسية ضغوطًا متعددة الأوجه على صناعة التأمين فى مصر، بدءًا من ارتفاع تكاليف إعادة التأمين، ومرورًا بتقلب أسعار الصرف وزيادة معدلات التضخم، وصولًا إلى تغيّر نية المستثمرين وتراجع قيمة المحافظ الاستثمارية. أ. التأثير على أسعار إعادة التأمين فى السوق المصرية تُعد شركات إعادة التأمين العالمية شريكًا رئيسيًا لسوق التأمين المصرى، نظرًا لأن الشركات المحلية تعتمد بشكل كبير على المعيدين العالميين لتغطية الأخطار الكبرى. وعندما تتأثر الأسواق العالمية بالأزمات الجيوسياسية، كما هو الحال مع الحرب الروسية الأوكرانية أو التوترات فى البحر الأحمر، تتجه شركات إعادة التأمين إلى: - رفع أسعار أقساط إعادة التأمين، مما يفرض أعباءً إضافية على شركات التأمين المصرية. - تقليص حدود التغطية أو فرض استثناءات لبعض المناطق أو القطاعات فى إعادة التأمين. - فرض شروط أكثر تشددًا مثل رفع نسب التحمل أو تقليص فترات الوثائق. وقد شهدت السوق المصرية بعد عام 2022 ارتفاعًا ملحوظًا فى أسعار اتفاقيات إعادة التأمين، خصوصًا فى قطاعات الطاقة والنقل البحرى والتأمين ضد الحريق. ب. التأثير على أسعار التأمين البحرى وتأمين الطيران يمثّل التأمين البحرى أحد أكثر الفروع تأثرًا بالأوضاع الجيوسياسية نظرًا لاعتماده على التجارة الدولية وخطوط الشحن. وقد تأثرت نتائج هذا الفرع بأحداث مثل: - التهديدات فى مضيق باب المندب وخليج عدن. - الألغام البحرية فى البحر الأسود. - العقوبات الاقتصادية على روسيا وإيران. وقد أدى تغيير خريطة الشحن البحرى إلى ارتفاع أقساط التأمين على السفن والبضائع فى مصر، حيث تعتمد التجارة الخارجية بشدة على المرور الآمن عبر قناة السويس، وقد أدى ذلك إلى: - رفع تكاليف التأمين على السفن والبضائع العابرة عبر القناة. - زيادة الطلب على تغطيات إضافية مثل أخطار الحرب والشغب والاضطرابات المدنية. - تغير سياسات الاكتتاب فى الشركات المصرية، إذ أصبحت أكثر حذرًا فى تسعير وثائق الشحن والاستيراد من مناطق النزاع. أما تأمين الطيران، فيثير جانب الطيران قلقًا أكبر لدى شركات التأمين بسبب الحرب الإسرائيلية الإيرانية، فقد قامت شركات الطيران بتعليق أو إلغاء رحلاتها فى الشرق الأوسط. الأثر على المسافرين وشركات التأمين سيمتد تأثير التهديدات الأمنية إلى المسافرين وشركات التأمين على حد سواء. فقد يواجه المسافرون تأجيلات أو إلغاءات متكررة للرحلات، إلى جانب ارتفاع فى أسعار التذاكر نتيجة زيادة تكاليف التشغيل والتأمين. كما قد تصبح بعض الوجهات غير متاحة للسفر، مما يقيّد خيارات السفر ويؤثر على حركة السياحة والأعمال. من جهة أخرى، ستُضطر شركات التأمين إلى إعادة تقييم نماذج تسعير المخاطر، وزيادة الاحتياطيات المخصصة لتغطية الحوادث المرتبطة بالنزاعات المسلحة أو الهجمات السيبرانية، وهو ما سينعكس على شروط التغطية وأسعارها. زيادة أقساط التأمين على الشحن والنقل - قد ترفع شركات التأمين المصرية أسعار تغطية مخاطر الحرب للسفن والطائرات المتجهة إلى مناطق النزاع. - قد تفرض شركات إعادة التأمين العالمية شروطًا أكثر صرامة، ما يزيد تكاليف التأمين المحلى. ارتفاع المطالبات التأمينية - قد تضطر شركات التأمين إلى دفع مطالبات كبيرة إذا تعرضت سفن أو بضائع مصرية لأضرار بسبب الصراع (مثل هجمات فى البحر الأحمر). - قد تظهر نزاعات حول ما إذا كانت الأضرار مشمولة فى وثيقة التأمين (خاصة مع وجود استثناءات لمخاطر الحرب). تعديل وثائق التأمين • بعض شركات التأمين قد تقلل التغطية للمخاطر المرتبطة بالمناطق الساخنة أو تطلب ضمانات إضافية. • قد تظهر حاجة إلى منتجات تأمينية جديدة لتغطية مخاطر مثل الهجمات السيبرانية أو تعطيل سلاسل التوريد. آثار الهجمات الإسرائيلية الإيرانية على سوق التأمين فى الشرق الأوسط وكالة بلومبرج 18 يونيو 2025: ارتفعت تكلفة التأمين على السفن المبحرة فى الخليج العربى، حيث أدت الهجمات بين إسرائيل وإيران إلى زيادة المخاطر التى تتعرض لها السفن فى المنطقة. تتقاضى شركات التأمين الآن 0.2٪ من قيمة السفينة للرحلات المتجهة إلى الخليج، ارتفاعًا من 0.125٪ قبل اندلاع الصراع، وفقًا لماركوس بيكر، الرئيس العالمى للشحن البحرى والخدمات اللوجستية فى مارش ماكلينان، إحدى كبرى شركات وساطة التأمين. وأضاف أن أسعار الرحلات المتجهة إلى البحر الأحمر ارتفعت أيضًا. كما ذكر أن مدة صلاحية الأسعار تقلصت إلى 24 ساعة بدلًا من 48 ساعة، وهو ما يعكس التقلبات فى السوق. وأضاف أن هناك زيادة حادة فى أسعار السفن التى ترسو فى إسرائيل، حيث تضاعفت الرسوم ثلاث مرات لتصل إلى 0.7٪ من تكلفة السفينة مقارنة ب 0.2٪.