لا أتمنى أن تتحول مذبحة استاد بورسعيد يوماً بعد يوم إلى مجرد مشهد جنائزى حزين فى حياة المصريين وتاريخهم المعجون بالمآسى والمواجع والدموع.. وإنما أتمناها نقطة فاصلة بين زمن وزمن.. بين فكر وفكر.. بين حياة حالية، بكل ما فيها من خطايا وفساد، وحياة جديدة، نتقاسم كلنا مهمة وأمل تأسيسها بقواعد صحيحة وثابتة وعادلة.. وأعرف أن ذلك أبداً لن يحدث إن تعاملنا مع تلك المذبحة بالأسلوب نفسه الذى تعاملنا به مع كل الكوارث والآلام التى حاصرتنا كل أيامنا وأسابيعنا الماضية. الجريمة واضحة والجناة مجهولون.. المتهمون معروفون والمحاكمات بلا نهاية، ثم تأتى المطالب بضرورة نسيان الذى جرى لأنه لا طائل من التوقف أمامه، وضرورة الالتفات للقادم بمنتهى التسامح والغفران.. ودائماً يراهن الذين يطلبون ذلك على أن الناس ستنسى ما جرى وتتجاوزه تحت وطأة الحياة، كل يوم بمطالبها ومخاوفها واحتياجاتها.. ويحدث ذلك بالفعل انتظاراً لمذبحة أو كارثة جديدة.. ولهذا أرى ضرورة التدخل لكسر تلك الدائرة الشيطانية لتدمير كل شىء.. ولهذا أؤيد الاتفاق الذى جرى أمس الأول بين الأهلى والزمالك واللجنة الأوليمبية المصرية على مواصلة تجميد النشاط الرياضى فى مصر حتى منتصف شهر مارس المقبل.. ويرى مسؤولو الهيئات الرياضية الثلاث الكبرى فى مصر أنها فترة زمنية كافية أمام الجهات الأمنية لتحديد كل الجناة الحقيقيين والفعليين الذين ارتكبوا مذبحة استاد بورسعيد ومطاردتهم والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة.. فالناس بعيدا عن شاشات التليفزيون ودوائر الإعلام والسياسة والصخب لديهم قناعة واحدة وواضحة بأن الجناة ليسوا هم سكان ليمان طرة أو فلول الحزب الوطنى وأى أشباح آخرين، إنما هم مجرمون من بعض مشجعى المصرى وساعدهم أو سمح لهم مجرمون آخرون من رجال أمن بورسعيد.. ولهذا يرفض الناس فى الشوارع والمكاتب وفى بيوت شهداء المذبحة أى محاولة لتسييس القضية وتمييعها أو حتى استغلالها فى حروب أخرى بين مختلف تيارات لا علاقة لها بالأمر.. ويرى هؤلاء الكثيرون أيضاً أن استئناف النشاط الرياضى، أو الكروى تحديدا، قبل القبض على الجناة وبدء محاكمتهم سيعنى إغلاق ملف المذبحة وبدء جرجرة الناس لسباق الكرة والهدف والنقطة والمفاجآت وأخطاء الحكام، وسرعان ما تذوب المواجع وتندمل الجروح ويبدأ الجميع رحلة النسيان، ووقتها لن يستطيع أحد أن يلوم شبابا كثيرين سيفقدون ثقتهم بأى شىء واحترامهم لأى أحد ويبدأون رحلة الثأر والقصاص بأيديهم.. وإذا كان هناك من سيبقى ينادى بضرورة استئناف النشاط الكروى بدعوى أن الحياة يجب أن تستمر واحتراما لمن يتكسبون رزقهم من نشاط الكرة ومبارياتها، فالأولى بهؤلاء أن يضغطوا للقبض على الجناة ومحاكمتهم أولا، فالحياة بهذا الشكل لا معنى أو قيمة أو جدوى لاستمرارها، ووجع هؤلاء البسطاء الذين يتكسبون الرزق من كرة القدم يجب أن يكون داعيا لسرعة القصاص والخلاص وليس مبررا لترك الجناة المجرمين أحرارا وطلقاء رغم أيديهم المغموسة بدم عشرات الأبرياء والضحايا.. وإذا كان الأهلى والزمالك قد افتتحا هذا الطريق الداعى للعدالة أولاً قبل اللعب، فأنا واثق من أن أندية أخرى كثيرة ستنضم للناديين الكبيرين فى طلب العدالة والحياة الآمنة قبل الالتفات لحقوق الرعاة وعقود لاعبين وإعلاميين.. كما أظن أيضا أن اتحادات رياضية كثيرة لن تقبل استئناف نشاطها قبل إغلاق ملف مذبحة الكرة فى بورسعيد بشكل عادل وواضح يرد الحقوق لأصحابها وينزع الحرية والشرف ممن أحالوا ملعب الكرة إلى ساحة إعدام لوجوه وأحلام وبيوت، ثم إننا يجب أن نكف ونعتزل سياسة أنصاف الطرق والحلول.. لا نكمل طريقا حتى آخره.. ولا نحافظ على وعد أو نحترم قرارا أو نلتزم بأى اتفاق، وسرعان ما نتراجع فى كل مرة تحت أى لافتة أو واجهة.. كما أنه يجب أيضا استغلال هذا التوقف لمراجعة أشياء كثيرة، مثل «التعصب الكروى» الذى يوشك الآن أن يموت وليس من مصلحة أحد إعادته للحياة من جديد.. ومثل النظام الأساسى لاتحاد الكرة وإعادة بنائه من جديد بفكر ولوائح ووجوه جديدة أيضاً. [email protected]