يقدم الرئيس الأمريكى ترامب خدمة جليلة لإيران من حيث لا يدرى، عندما يدعوها إلى الاستسلام الكامل غير المشروط أمام هجمات إسرائيل. فهو بدعوته غير المحسوبة، يحول المعركة معها من حرب مع نظام المرشد خامنئى إلى حرب مع الإيرانيين أنفسهم، ويخلق من كل مواطن إيرانى مرشدًا آخر، وينقل المواجهة من مواجهة مع الحكومة إلى مواجهة مع الشعب. إن أى متابع لمراحل مشروع تخصيب اليورانيوم فى إيران، يعرف أن نظام الملالى الذى يجلس خامنئى على رأسه، قد نجح فى تحويل مشروع التخصيب من مشروع يقتنع به النظام الحاكم ويسعى لتحقيقه، إلى مشروع قومى يراه كل إيرانى مشروعه الخاص، ويتحمس له كما يتحمس لأمر شخصى يخصه ويخص أسرته، ويدافع عنه كما يدافع عن شىء يملكه ويحوزه بين يديه. ولم يكن من الممكن لنظام المرشد أن ينتقل بالتخصيب من مرحلة إلى مرحلة أخرى متقدمة، ما لم يكن قد أغرى الإيرانيين بالمشروع، وجعلهم يقفون إلى جواره، ويضحون فى سبيل أن يتم، ويصبرون إلى أن يكون له وجود. وبهذا المعنى، تصبح دعوة الاستسلام دعوة موجهة فى الحقيقة إلى الإيرانيين فى عمومهم، لا إلى الحكومة، أو الحرس الثورى، أو الجيش فى البلاد. ومن شأن دعوة كهذه أن تزيد الناس فى إيران التفافًا حول نظام المرشد، ليس دفاعًا عنه فى حد ذاته، ولكن دفاعًا عن برنامج نووى يعملون عليه مشروعًا قوميًا من عشرات السنين. ولا تعرف كيف ينتقل ترامب من وقت قريب كان يتحدث فيه عن أنه يريد إيران مزدهرة وناجحة، إلى وقت آخر يدعوها فيه إلى الاستسلام؟.. هل إلى هذا الحد وصل به الحال إلى أن يقول الشيء وعكسه خلال أيام وأسابيع، لا خلال شهور ولا سنوات؟.. لقد عشنا نعرف أن الولاياتالمتحدة لا تجيد فهم الشعوب فى العالم، وتتعامل معها كأنها أشياء جامدة بلا حس ولا عقل ولا مشاعر، ولكننا لم نكن نعرف أن عدم الفهم وصل إلى حد دعوة شعب من مئة مليون تقريبًا إلى الاستسلام! بخلاف أخطاء، وربما خطايا نظام المرشد، فإن الإيرانيين شعب صاحب حضارة ممتدة فى عمق التاريخ، وقد كانوا ذات يوم أصحاب إمبراطورية تفوق فى زمانها قوة أمريكا الحالية، ولا يليق بالتالى أن يكون التعامل معهم على هذه الدرجة من الاستخفاف.