مصر تلغي رحلاتها الجوية مع 4 دول في المنطقة    صافرات الإنذار تدوى فى أنحاء إسرائيل وسط وابل من الصواريخ الباليستية الإيرانية    خيارات إيران للرد على الضربات الإسرائيلية    إعلام إسرائيلي: اندلاع حريق قرب مقر وزارة الدفاع في تل أبيب    إسرائيل تعلن بدء الهجوم الإيراني وتحذر مواطنيها    ميسي يتطلع لقيادة إنتر ميامي لتحقيق إنجاز مونديالي    السيطرة على حريق محدود بمحطة تقوية الإذاعة في بطرة دون خسائر بشرية    من العراق.. إلهام شاهين: ننتظر فتح المجال الجوي للعودة إلى مصر    وزارة الصحة: نجاح فريق طبى بمستشفى الخانكة في إجراء جراحة نادرة لطفلة رضيعة    غرفة عمليات مركزية بالدقهلية للتعامل مع حريق بمنطقة خالية داخل مركز إرسال بطره    «لو طلبوا كنا هنوافق».. بيراميدز يكشف مفاجأة بشأن انتقال إبراهيم عادل إلى الأهلي    أول صور من حفل زفاف شقيقة الفنانة مايان السيد    مسؤول إسرائيلى: هجوم إيرانى وشيك على وسط إسرائيل    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    الأحد.. قصور الثقافة تطلق برنامج مصر جميلة المجاني لاكتشاف المواهب بأسوان    منافس جديد لصلاح.. تفاصيل عقد فيرتز مع ليفربول    حقيقة تقرير أيمن الرمادي عن المستبعدين في الزمالك    تفاصيل مران الأهلي.. وفاة نجم المصري.. كابوس يقلق فيفا.. الزمالك يفاوض نجم الأردن| نشرة الرياضة ½ اليوم    رسالة ماجستير فى كينيا تناقش مفهوم الخطايا عند المسلمين والمسيحيين.. بعض الخطايا لا نتغاضى عن الاعتراف بها.. ويحب على الجميع مواجهتها    هل زيارة المريض واجبة أم مستحبة؟.. عالم أزهرى يجيب "فيديو"    مانشستر سيتي يخفض أسعار تذاكر مبارياته في الموسم الجديد    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا السبت 13-6-2025    "حلال فيك" ل تامر حسني تتخطي ال 7 مليون مشاهدة فى أقل من أسبوع    ميناء الإسكندرية يستقبل أولى رحلات "WAN HAI" وسفينة "MAERSK HONG KONG" في إنجاز مزدوج    يوفنتوس يجدد عقد مدربه إيجور تيودور حتى 2027    وداع قاسٍ من الربيع.. إنذار جوي بشأن حالة الطقس الأسبوع المقبل ب القاهرة والمحافظات    للوقاية من ضربات الشمس..توزيع أكثر من 5 آلاف مظلة على الحجاج بالمدينة    وزيرة التخطيط تبحث مع سفير بريطانيا تنويع آليات التمويل للقطاع الخاص    100% لثلاثة طلاب.. ننشر أسماء أوائل الإعدادية الأزهرية في أسيوط    هجوم إسرائيلي يستهدف "مطار مهرآباد" في طهران    4 أبراج تهتم بمظهرها.. هل أنت منهم؟    دموع على الكوشة انتهت بتعهد.. النيابة تُخلي سبيل والدي عروسين الشرقية    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو لهو طفل بمنتصف أحد المحاور بالمقطم    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    «على مدار اليوم».. جدول مواعيد رحلات قطارات المنيا- القاهرة اليوم الجمعة 13 يونيه 2025    بعد استهداف "نطنز" الإيرانية.. بيان عاجل لهيئة الرقابة النووية المصرية    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    رحلة تعريفية لوفد من المدونين والمؤثرين الأمريكيين بالمقصد المصري    القاصد يهنئ محافظة المنوفية بعيدها القومي    خاص| سلوى محمد علي: انفصال بشرى فاجأني وأنهت العلاقة بشياكة    إزالة 8 حالات تعدي على الأراضي الزراعية بالشرقية    الطيران المدني: المجال الجوي آمن.. ورفع درجة الاستعداد القصوى    وكيل تعليم شمال سيناء يعقد اجتماعًا موسعًا مع رؤساء لجان الثانوية العامة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    إنفوجراف| إسرائيل تدمر «عقول إيران» النووية.. من هم؟    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 137 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    ضبط صاحب مخبز بالمحلة الكبرى استولى على 16 جوال دقيق مدعم وباعها بالسوق السوداء    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    كوكا: ميسي يكلم الكرة.. ولا أحب اللعب في هذا المركز    كأس العالم للأندية - الأهلي يواصل تحضيراته لمواجهة إنتر ميامي    الدولار الأمريكي يرتفع متأثرا بالضربة الإسرائيلية على إيران    رئيس الوزراء: نتابع الموقف أولا بأول وتنسيق بين البنك المركزي والمالية لزيادة مخزون السلع    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الجمعة 13-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    نتيناهو: نحن في لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل وبدأنا عملية «شعب كالأسد» لإحباط المشروع النووي الإيراني    موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025.. عطلة رسمية للقطاعين العام والخاص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أنيل شيلين» المسؤولة السابقة في «الخارجية الأمريكية» ل«المصري اليوم»: لابد من فرض حظر جوي فوق غزة لوقف الإبادة الجماعية .. حوارات مستقبل الشرق الأوسط (الحلقة السابعة والعشرون)
نشر في المصري اليوم يوم 12 - 06 - 2025

وسط عالم يموج بالتحولات السياسية والاقتصادية، وفى ظل الصراعات المتزايدة التى تهز منطقة الشرق الأوسط، التى تعيش واقعًا معقدًا، بعد أكثر من عام على حرب الإبادة فى قطاع غزة دونما آفاق واضحة لإنهائها، مع تمدد النزاع إلى جنوب لبنان، ووصول أصدائه إلى اليمن والعراق، ثم إيران، نطرح فى سلسلتنا «مستقبل الشرق الأوسط» مسارات منطقتنا، عبر حوارات مع نخبة من الساسة والمنظرين والمفكرين والدبلوماسيين الحاليين والسابقين من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لتقديم رؤاهم مستندين إلى تجارب الماضى ودروس الحاضر، لنستشرف معًا الطريق
نحو المستقبل.
وانطلاقًا من جذور الصراع العربى الإسرائيلى، مرورًا بالتدخلات الإقليمية وصعود بعض القوى الجديدة كالفواعل من غير الدول، وتعقد المشهد العربى، نفتح معًا أبواب نقاش مستنير حول الدروس المستفادة من التاريخ وتأثيرها على مستقبل منطقتنا؛ لطرح رؤى وأفكار لاستشراف الغد والدور الحاسم الذى يمكن أن تلعبه الدول العربية إذا ما أعادت إحياء روابط تاريخية فى محيطها والدفع نحو استقرار مستدام وتحقيق مصالحها.
تنقسم محاور النقاش إلى جزأين، الأول أسئلة سبعة ثابتة، اعتمدناها بناء على طلب كثير من القراء، تتمركز حول مستقبل المنطقة، أما الثانى فيتضمن أسئلة تتجه نحو مساحات تتناسب مع خلفية الضيف صاحب الحوار، كى يضيف لنا أبعادا أخرى حول الرؤية التى تنتهى إليها الحوارات وصولا إلى كيف يمكن أن يكون للمنطقة مشروعها الخاص، بعيدا عن أى مخططات تستهدفها؟.
أكدت أن الحل فى غزة يبدأ بانخراط العرب فى ضغط سياسى ودبلوماسى فورى لتفعيل قرار «الاتحاد من أجل السلام» الذى صُمم للالتفاف على مجلس الأمن حال فشله فى حماية السلم الدولى، مشددة على ضرورة فرض العرب حظرًا جويًا فوق قطاع غزة لإجبار إسرائيل على وقف الإبادة.
«أنيل شيلين»، المسؤولة السابقة فى «الخارجية الأمريكية»، الأستاذ بجامعة جورج تاون ومعهد كوينسى ومعهد بيكر بجامعة رايس، فى حوارها ل«المصرى اليوم»، اعتبرت أن العرب لاتزال أمامهم فرصة لبذل مزيد من الجهد للتصدى لأمريكا وإلا ستنزلق المنطقة لمزيد من الصراعات.
عبّرت «شيلين»، التى شغلت منصب مسؤولة مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل (DRL) فى «الخارجية الأمريكية»، والمستقيلة من منصبها اعتراضًا على الدعم الأمريكى لإبادة غزة، عن استيائها من سيطرة اللوبيات الداعمة لإسرائيل على صناعة القرار فى الداخل الأمريكى، مؤكدة أن العالم أصبح أكثر وحشية، وأن التواطؤ الدولى مع إسرائيل يُمهّد لمزيد من الدم.
فى تشخيصها لوضع المنطقة اعتبرت أن الحل لحفظ مستقبل المنطقة هو تحالف شرق أوسطى يضم العرب، ومعهم تركيا وإيران، فى مواجهة أمريكا، مشددة على وجوب تبنّى العرب نسخة جديدة من القومية تتناسب مع الواقع الجيوسياسى الجديد؛ لأن هذا سيجعل الشرق الأوسط أقوى بكثير من أى دولة بمفردها. واعتبرت أن أمريكا أفشلت مشاريع القومية العربية لأن الرئيس المصرى الأسبق جمال عبدالناصر هدد قوتها بانخراطه فى «عدم الانحياز».
فى هذا الحوار، نناقش مع «شيلين» فرص العرب فى قلب موازين القوى، وتحولات الرأى العام الأمريكى تجاه إسرائيل، وكيف يمكن صياغة شرق أوسط جديد يقف فى مواجهة الانحياز الغربى ويمنح شعوب المنطقة أملاً فى العدالة والسيادة. وإلى نص الحوار:
■ مصطلح الشرق الأوسط هو تعبير جغرافى استعمارى لكنه صار المصطلح السائد للحديث عن المنطقة التى تضم الدول العربية وإيران وتركيا ودولًا أخرى، وعانت المنطقة على مدار التاريخ من صراعات على خلفيات متعددة، تجذرت من مخططات الاستعمار حتى باتت بقعة ملتهبة دائمًا على خريطة العالم.. برأيكِ، كيف ترين واقع المنطقة وأثر التاريخ فى هذا الأمر؟
- بالطبع لايزال الشرق الأوسط يعانى من آثار الاستعمار الغربى، بل لايزال جزء كبير مما يُسمى «الجنوب العالمى»، الذى يُمثل إلى حد كبير الأماكن التى استعمرتها أوروبا سابقًا، يعانى من إرث الاستعمار.
فى منطقتكم على وجه الخصوص، شُكّلت هذه الحدود وهذه الحكومات فى معظم البلدان العربية فى المقام الأول لاستخراج الموارد التى تعود أرباحها بالنفع على «النُّخب» المشكلة تلك بدلًا من السكان، فى حين يظل هدف الأجهزة الأمنية والجيش هو الحفاظ على هذا الوضع من خلال السيطرة على الشعب بدلًا من الدفاع عنه وعن إرادته.
وقد رسّخت المركزية المستمرة للوقود الأحفورى فى الاقتصاد العالمى هذه الديناميكيات فى أغلب بلدان الشرق الأوسط،، حتى فى البلدان التى تفتقر إلى احتياطيات نفطية كبيرة.
برأيى، بمجرد أن يتخلى العالم عن الوقود الأحفورى ويختفى الجيش الأمريكى من المنطقة، ستزداد فرص تقليل الصراعات وتحسين الحوكمة فى الشرق الأوسط.
■ برز مصطلح «الشرق الأوسط» فى كتابات الأمريكى ألفريد ماهان عام 1902 قبل أن تتحدث كونداليزا رايس عن «الشرق الأوسط الجديد»، وهو ما يتردد بقوة حاليًّا فى ظل الحرب الإسرائيلية على غزة والصراع مع إيران.. كيف ترين ذلك المخطط، خاصة بعد فوز «ترامب» وصعود قوى اليمين فى الولايات المتحدة؟
- يفضل البعض مصطلح «SWANA» أو «جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا». لا أعتقد أن مصطلح «الشرق الأوسط» أو أى مصطلح آخر له أهمية خاصة عندما يتعلق الأمر بالحقائق الجيوسياسية؛ فبشكل عام، فإن التركيز المفرط على الكلمات المستخدمة قد يُشتت الانتباه عن قضايا أكثر أهمية، ويُؤدى إلى انقسام الراغبين فى معالجتها. المشكلة أن الاستعمار باقٍ وآثاره باقية، وهذا بغض النظر عن المصطلحات.
كما واصلت الولايات المتحدة فى عهد بايدن، الذى أبقى رشاوى من اللوبى الصهيونى، تواصل الآن فى عهد «ترامب» دعمها غير المشروط لإسرائيل دون قيد أو شرط وتمدها بمليارات الدولارات تحت اسم «المساعدات الأمنية والحماية السياسية» عبر الأمم المتحدة.
ليس ذلك فحسب بل إنها تعاقب من يتصدى لإسرائيل وجرائمها، وتفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية وجنوب إفريقيا التى رفعت الدعوى أمام محكمة العدل الدولية.
للأسف، لايزال النظام الدولى منحازًا لصالح القوة العظمى العالمية، التى تواصل (عدم مساءلة دولة مارقة كإسرائيل) وتعينها على جرائمها بحق بقية العالم.
■ برأيكِ ماذا تفعل القوى الإقليمية الكبيرة فى المنطقة إزاء هذه المخططات، وبالتحديد مصر والسعودية بوصفهما الدولتين الكبيرتين فى المنطقة؟
- على القاهرة والرياض اتخاذ موقف صارم من سياسات الولايات المتحدة، وإسرائيل فى المنطقة. وأظن أن القاهرة والرياض تحديدًا أمام مسؤولية تاريخية الآن، وهما بالطبع مسؤولتان أمام الرأى العام محليًا ودوليًا.
لذلك تقع على عاتق المصريين والسعوديين مسؤولية التصدى لسياسات الولايات المتحدة، لتوضيح أنهم سيواجهون ثمنًا باهظًا إذا استمر قادتهم فى السماح لإسرائيل والولايات المتحدة بمواصلة قتل وتجويع الفلسطينيين.
■ يغيب أىّ مشروع عربى موحد تجاه ما يخطط للمنطقة، خاصة مستهدفات التوسع الإسرائيلى التى ظهرت واضحة فى غزة ولبنان وسوريا، والحديث عن نية ضم أراضٍ أخرى على الخريطة العربية، وهو التوجه الذى ترجمه ترامب عند حديثه عن إسرائيل الصغيرة التى يجب أن تتمدد.. كيف يصوغ العرب مشروعهم المواجه لهذه المخططات؟
- ترامب ونتنياهو لا يفهمان إلا لغة القوة، ولذلك على الدول العربية أن توضح أنها لن تقف مكتوفة الأيدى وتسمح بمصادرة أراضيها، هذا سيحدث حال استمروا فى صمتهم. كان ينبغى على الدول العربية أن تتحد خلف لبنان وسوريا عندما استولت إسرائيل على أجزاء من أراضيهما، لكن ذلك لم يحدث لذا واصلت إسرائيل مخططاتها، وستواصل أطماعها حال استمر هذا الصمت العربى.
■ على مدار التاريخ تلعب مصر أدوارًا رئيسية فى المنطقة.. كيف يمكن لها أن تمارسها رغم التحديات المحيطة بهذه الأدوار والاستهداف الدائم لها؟
- نعم لعبت مصر أدوارًا تاريخية، لكن ليس واضحًا لى كيف يُمكن لمصر فى هذا السياق المتشابك والمعقد داخليًا وخارجيًا إعادة تأكيد دورها التاريخى.
■ كيف تستفيد المنطقة العربية من تجاذبات القوى الكبرى وأحاديث التعددية القطبية العالمية؟ وكيف تلعب دورًا لصالحها فى هذا التنافس الدولى، ولا تكون مقدراتها فى يد قوة واحدة أضرت بها واستنزفت ثرواتها طوال عقود؟
- مع تزايد تعدد الأقطاب فى العالم، وتراجع القوة النسبية للولايات المتحدة، ستكون الدول التى تنجح فى التنسيق فى تكتلات فعّالة أقوى من تلك التى لا تفعل ذلك. وبالمناسبة تُظهر بلدان الاتحاد الأوروبى رغبتها فى ذلك. فرغم أن الكثيرين يرون أن مشروع القومية العربية فشل لأنه لم يكن قابلًا للتطبيق، إلا أنه فشل أيضًا لأن قادة مثل عبدالناصر هددوا قوة الولايات المتحدة، التى كانت فى ذلك الوقت متصاعدة، بمعنى آخر أمريكا أفشلت القومية العربية لأن عبدالناصر هدد قوتها.
فى رأيى أن تبنى نسخة جديدة من القومية العربية، تتناسب مع الواقع الجيوسياسى الجديد، سيجعل الشرق الأوسط أقوى بكثير من أى دولة بمفردها.
وفى هذا السياق، ينبغى على الشرق الأوسط أن يتحمل مسؤولية أمنه، وألا يعتمد على الولايات المتحدة. فقد نجحت الولايات المتحدة نجاحًا باهرًا فى التلاعب بدول الشرق الأوسط، وهى خدعة نجحت أيضًا مع الإمبراطورية البريطانية. فى حين أن الحل يكمن فى شرق أوسط موحد، يضم تركيا وإيران، بالإضافة إلى الدول العربية، وسيكون هذا أمرًا بالغ الأهمية.
■ لو قُدر لكِ أن ترسمى صورة المستقبل لهذه المنطقة فى ظل الصراعات الحالية والمخاطر المحيطة بها، كيف ترين هذه السيناريوهات تفصيلًا؟
- لو كنتُ مسؤولًا أو حاكمًا عربيًا لطالبتُ المجتمع الدولى برعاية قرار «الاتحاد من أجل السلام» فى الأمم المتحدة، والذى صُمم للالتفاف على مجلس الأمن الدولى حال فشله فى حماية السلام العالمى. وبذلك، سأفرض على الفور انطلاقًا من هذا القرار عقوبات عالمية على إسرائيل والولايات المتحدة، وحظرًا على توريد الأسلحة ومقاطعة البلدين، وأُنشئ بموجب القرار ذاته قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة لوقف الإبادة الجماعية فى غزة، بالإضافة إلى فرض منطقة حظر جوى فوق القطاع بأكمله. هذا بالإضافة إلى الضغط لمحاكمة القادة الإسرائيليين والأمريكيين بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى لاهاى، بمن فيهم بايدن وبلينكن وماكجورك، بالإضافة إلى نتنياهو وجالانت وسموتريتش وبن غفير. وكما هو الحال عند تأسيس كوسوفو أو ناميبيا، ستحافظ قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على الأمن خلال قيام دولة فلسطين على حدود عام 1967، والتى ستتمكن تدريجيًا من تولى زمام أمورها.
غزة تموت جوعًا للشهر العشرين، فى ظل صمت دولى فاضح رغم تحركات الشعوب.. هل تعتقدين أن أمريكا مسؤولة عن هذا الانهيار الأخلاقى؟
- بالطبع، لقد عمل اللوبى الإسرائيلى لعقود على الاستيلاء على المؤسسات السياسية والثقافية فى الولايات المتحدة. وقد نجحوا فى مساواة أى انتقاد مشروع للأعمال غير القانونية وغير الأخلاقية لدولة إسرائيل بمعاداة السامية، على الرغم من انضمام العديد من اليهود فى الولايات المتحدة وأوروبا إلى الاحتجاجات والحركات المنتقدة لإسرائيل، وأظن أن فساد المنظومة الحاكمة مسؤول بالفعل عما وصلت إليه غزة.
أضف إلى ذلك أن وجود جو بايدن- الذى تلقى ملايين الدولارات من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) وفروع أخرى من اللوبى الإسرائيلى طوال مسيرته المهنية الطويلة- فى البيت الأبيض بعد 7 أكتوبر كان يعنى أن الولايات المتحدة ستظل تدعم إسرائيل مهما فعلت. اللوبى الصهيونى نجح فى تقنين الرشاوى السياسية، وقد اعتاد بقية العالم على الأهوال المتدفقة من غزة والتطبيع مع إبادتها، ربما كانت هناك فرصة أكبر لأن تفرض الولايات المتحدة خطوطها الحمراء فعليًا على إسرائيل لولا ذلك.
■ بشكل شخصى وبعد استقالتكِ من «الخارجية الأمريكية» بسبب إبادة غزة.. ما هو شعوركِ حيال فشل العالم فى إيقافها لما يقرب من 20 شهرًا؟
- أبكى كل يوم تقريبًا، وأعلم أن كثيرين غيرى حول العالم يبكون من مرارة ما يشهده القطاع من وحشية أيضًا. أشعر بالعجز التام عن وقف الإبادة الجماعية، لكننى أحاول أيضًا حث الآخرين على مواصلة النشر على وسائل التواصل الاجتماعى، والاتصال بأعضاء الكونجرس، والتحدث إلى أصدقائهم وعائلاتهم، حتى لا يُسمَح لمن لا ينتبهون بالانزلاق إلى حالة من الرضا التام، وحتى لا تصبح الإبادة الجماعية أمرًا طبيعيًا. لا يجب تطبيع الإبادة، ولا أعرف كيف يمكن للمجتمع البشرى أن يحافظ على إنسانيته بعد أن شهد هذه الإبادة وعجز عن إيقافها لأكثر من 600 يوم، العالم بات وحشيًا، ولو لم تتوقف الإبادة سيزداد وحشية.
■ هل تعتقدين أن استقالتكِ من «الخارجية الأمريكية» كانت رسالة فعالة ولها تأثير، أم أن المال السياسى واللوبى الصهيونى أقوى من تأثيرها؟
- أخبرنى بعض الأمريكيين أن استقالتى من «الخارجية الأمريكية» أثرت فيهم وأن لها تأثيرًا إيجابيًا لرفض الوحشية الإسرائيلية والدعم الأمريكى لها، وهو أمرٌ لطيفٌ جدًا منهم. ومع ذلك، أرى أن الاستقالة لم يكن لها أى تأثير فعلى على أرض الواقع لأنها لم تؤدِ إلى وقف المذبحة، وبالتالى كانت بالفعل غير فعّالة.
■ إلى أى مدى يلعب اليهود الأمريكيون المناهضون للصهيونية دورًا فى دعم الحقوق الفلسطينية؟ وكيف يمكن البناء على ذلك فى مواجهة نفوذ الصهيونية المسيحية واليهودية على حد سواء؟
- كان لليهود الأمريكيين المناهضين للصهيونية دور حاسم فى الجهود المبذولة لمواجهة وحشية إسرائيل بمن فيهم أشخاص مثل ليلى جرينبرج، وكول وهاريسون مان، وهما يهوديان أمريكيان استقالا من منصبيهما احتجاجًا على دعم أمريكا إبادة غزة، وقد كشفت أفلام أمريكية بينها فيلم «إسرائيلية» مدى انتشار الدعاية الإعلامية المضللة فى المجتمع اليهودى الأمريكى. أتمنى أن يتحدث المزيد من اليهود الأمريكيين عن رفضهم للوحشية الإسرائيلية وأظن أنه يمكن البناء على ذلك لاحقًا.
■ كيف تُفسرين احتجاز السلطات الإسرائيلية لركاب السفينة «مادلين»؟
- إن جهود ترامب لمعاقبة التعبيرات الداعمة لفلسطين، ومعاقبة الجامعات التى تُنظم وتقود مثل هذه الاحتجاجات الرافضة للإبادة ساهمت فى تمادى إسرائيل، وهذا بعكس استبداديته الشاملة. ومع ذلك، فهو لا يبنى إلا على ما بدأه بايدن: فقد ساوت إدارة بايدن التعبيرات الداعمة لفلسطين بمعاداة السامية، وشجعت الجامعات على قمع التجمعات الطلابية بوحشية العام الماضى، والآن يواصل ترامب هذا النهج.
أما فيما يتعلق بمهاجمة الاحتلال الإسرائيلى السفينة «مادلين» فى مياه ليست إسرائيلية، فهذا الصعود غير القانونى على متن السفينة «مادلين» واختطاف طاقمها جريمة تضاف لسجل الجرائم الإسرائيلية. وأعتقد أن جيش الاحتلال الإسرائيلى اكتفى باختطاف طاقم «مادلين» بدلًا من قتلهم بسبب الاهتمام الإعلامى والشعبى الكبير الذى حظيت به رحلتهم، ولولا ذلك لقتلهم بدم بارد، لكن الاهتمام العالمى الذى حظيت به السفينة لاسيما بسبب وجود جريتا ثونبرج حمى الطاقم من القتل.
■ يعتقد البعض أن المال الصهيونى بات يسيطر على العالم وليس أمريكا فقط.. ما تعليقك؟
- بالطبع رأس المال يسيطر على العالم، لكن بعضه صهيونى، والكثير منه يأتى من شركات قوية وكبرى تستفيد من الحرب وتأجيج النزاعات ومعظم هذه الشركات فى الولايات المتحدة.
ستتجاوز الميزانية العسكرية الأمريكية تريليون دولار هذا العام. أنا أكثر قلقًا بشأن تأثير أولئك الذين يستفيدون من الموت ويتاجرون فى الدماء مثل الصهاينة، وبالمناسبة الصهيونية المسيحية تتمتع بنفوذ هائل فى الولايات المتحدة يفوق الصهيونية اليهودية، وهذا مؤسف جدًا.
■ كيف تُقيّمين سياسات ترامب تجاه المنطقة العربية والشرق الأوسط، وهل تتوقعين أنها تحظى أمريكيًا بدعم شعبى؟
- نهج ترامب الذى أدى إلى إشعال العديد من الحروب التى لا نهاية لها وغير الضرورية فى الشرق الأوسط أرهق الأمريكيين. أظن أنه بالتفاوض مع إيران وموافقته على وقف إطلاق النار مع الحوثيين، أثبت ولو نسبيًا استعداده لتحدى رغبات إسرائيل، التى طالبت الولايات المتحدة بشنّ حرب على إيران ومواصلة قتال الحوثيين نيابةً عنها. ومع ذلك، فإن ترامب لم يُمارس حتى الآن أى ضغط حقيقى لإلزام إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات إلى غزة أو بوقف القصف الإسرائيلى؛ وفى هذا السياق لا يعكس نهج ترامب موقف غالبية الأمريكيين، الذين يُطالب 76٪ منهم بوقف إطلاق النار فى غزة، وفقًا لاستطلاع رأى حديث.
■ يتمسك البعض بحل الدولتين، ويؤيد البعض الآخر حل الدولة الواحدة، ما هى رؤيتكِ لحل الصراع العربى- الإسرائيلى إن كان هناك أمل فى إيجاد حل؟
- أعلم أن الكثيرين ممن ناضلوا من أجل حل الدولتين يشعرون الآن بخيبة أمل من هذا المفهوم فى ظل الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل، وعلى الرغم من ذلك إلا أننى لا أعرف كيف يمكن لأى شخص أن يجرؤ على مطالبة الفلسطينيين بالعيش جنبًا إلى جنب مع الإسرائيليين بعد هذه الإبادة الجماعية. وعلى الرغم من أن حل الدولتين ليس مثاليًا إلا أن الحق فى دولة مستقلة دائمًا كان هدفًا للعديد من الفلسطينيين، إضافة إلى كونه الهدف المعلن للقانون الدولى، لذا أعتقد أن حل الدولتين رغم صعوبة تنفيذه يظل السيناريو الأكثر واقعية.
■ هل تتمادى إسرائيل وتوسع نطاق الحرب فى ظل الموقف العربى وتمادى أمريكا فى مدها بالدعم؟
- التاريخ يقول إنه فى الماضى لم تتوقف أى من الحكومات التى تمارس الإبادة الجماعية إلا عندما تدخلت دول أخرى لوقفها. أعتقد أن المجتمع الدولى يجب أن يتفق على أن سلوك إسرائيل قد تم التسامح معه لفترة طويلة جدًا، وأنهم سيتدخلون برعاية الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام التابعة لها لوقف الإبادة الجماعية.
مع أننى أعلم أن العديد من الدول تخشى أن يكون هذا الأمر صعبًا بدون دعم الولايات المتحدة، إلا أنه إذا تضافر العالم بأسره ضد إسرائيل والولايات المتحدة فسيكون أكثر قوة. لأنه لو لم يحدث ذلك فستنزلق المنطقة لمزيد من النزاعات غير محمودة العواقب.
■ طموحات اليمين المتطرف فى إسرائيل للتوسع على حساب الأراضى العربية.. كيف تنظرين لها؟
- ازداد اليمين المتطرف الإسرائيلى قوةً، لأنه لم يواجه أى عواقب على العنف الذى مارسه ضد الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية. لقد تمادوا لأنهم لم يجدوا رادعًا. هؤلاء لا يفهمون سوى لغة العنف، لذا يجب كبح جماحهم بالقوة، ويفضل أن يكون ذلك من خلال تحالف دولى لوقف أفعالهم، وعلى العرب الضغط نحو ذلك وإلا فإن القادم أسوأ.
■ كيف تنظرين إلى مقاطع الفيديو المُنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعى التى تُروج لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث؟
- ترويج الصهاينة لهدم المسجد الأقصى استفزاز. فالصور ومقاطع الفيديو المُولّدة بالذكاء الاصطناعى، بشكل عام، ليست مصادفة، إنها تحمل رسائل جادة.
■ كيف يمكن للمنطقة العربية أن تتحرر من الابتزاز الأمريكى فى مجال الطاقة؟ وهل يكفى التعاون مع قوى مثل الصين وروسيا لتغيير قواعد اللعبة؟
- فى تقديرى، يتمحور دور الولايات المتحدة فى المنطقة حول الحفاظ على الهيمنة العسكرية لذاتها أكثر من اهتمامها بالنفط. تمتلك الولايات المتحدة حوالى 750 قاعدة عسكرية فى جميع أنحاء العالم، ويقع العديد منها فى مناطق خالية من النفط.
حتى لو اختفى النفط سترغب الولايات المتحدة فى الحفاظ على سيطرتها العسكرية فى الشرق الأوسط. ويعود ذلك جزئيًا إلى علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل، وجزئيًا إلى المخاوف الأمريكية من أن تفرض روسيا أو الصين سيطرتهما على المنطقة، على الرغم من أن أيًا منهما لم تُبدِ ميلًا مماثلًا لتغيير النظام أو الهيمنة العسكرية كالولايات المتحدة. لذا، فى حين أن الشراكة مع روسيا والصين تُتيح للدول العربية وسيلةً لتظهر للولايات المتحدة أن لديها خيارات أخرى، طالما أن التفوق العسكرى لايزال الهدف الأسمى لأمريكا، فمن غير المرجح أن يتغير دور أمريكا فى المنطقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.