فى 22 أبريل 2025، شهدت منطقة باهالجام السياحية فى كشمير حادثًا دمويًا مروعًا، حيث استهدف هجوم مسلح سائحين مدنيين، ما أسفر عن مقتل 26 شخصًا فى أعنف اعتداء على المدنيين فى الإقليم منذ عقدين. وقع الهجوم فى لحظة حرجة، وسط أجواء من الهدوء النسبى التى كانت الحكومة الهندية تروج لها كدليل على استتباب الأمن فى الإقليم بعد التعديلات الدستورية فى عام 2019. وقد جاء الهجوم ليقلب المشهد الأمنى والسياسى رأسًا على عقب، حيث أعاد التأكيد على هشاشة الوضع فى كشمير رغم الادعاءات الرسمية بالاستقرار. وفى أعقاب الحادث، سارعت الحكومة الهندية إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات التصعيدية، كان أبرزها تعليق اتفاقية مياه نهر السند، وطرد مستشارين عسكريين من السفارة الباكستانية، متهمة باكستان بتقديم دعم عبر الحدود للجماعات المسلحة المتورطة فى الهجوم. وفى خطوة مماثلة، ردت باكستان بإغلاق مجالها الجوى أمام شركات الطيران الهندية، معبرة عن رفضها التام للاتهامات الهندية، معتبرة إياها محاولة لتحويل الأنظار عن الإخفاقات الأمنية الداخلية فى الهند. بينما استمرت الهندوباكستان فى تبادل التصعيد الكلامى، برزت تحركات دبلوماسية لاحتواء الأزمة، كان أبرزها جهود الوساطة التى قادتها السعودية من خلال اتصالات مكثفة مع الجانبين، ساعية إلى دفعهما نحو التهدئة. ومن جانبها، عرضت إيران دورها كوسيط، مستفيدة من الروابط الحضارية والتاريخية التى تجمعها مع كل من الهندوباكستان. ورغم هذه التحركات الدولية، يظل خطر التصعيد العسكرى قائمًا، خاصة مع استمرار التوترات بين الجارتين النوويتين. وفى هذا السياق المتوتر، تتزايد المخاوف من أن يؤدى التصعيد الحالى إلى انزلاق الجارتين النوويتين إلى مواجهة مفتوحة، وهو ما سيُعقد التحديات الأمنية فى المنطقة. كل هذه الأمور، تستدعى استكشاف جذور التصعيد وأبعاده المستقبلية، بالإضافة إلى فرص الوساطة الدولية الفعّالة التى قد تسهم فى تجنب مزيد من التصعيد. جذور الأزمة والتصعيد الجديد رغم مرور أكثر من سبعة عقود على تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، تظل كشمير واحدة من أخطر بؤر النزاع الإقليمى. فقد نشأ النزاع مع انسحاب الاستعمار البريطانى، حين أُلحقت ولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة بالهند رغم اعتراض باكستان، ما أدى إلى اندلاع أول حرب بين البلدين. ومنذ ذلك الحين، ظلت كشمير مسرحًا لدورات متكررة من العنف والتوتر، أبرزها حروب 1947-1948، و1965، ونزاع كارجيل عام 1999، فضلًا عن انتفاضات داخلية أبرزها انتفاضة 1989 التى حولت الإقليم إلى بؤرة صراع مسلح. كما ظلت المساعى الدبلوماسية متعثرة، رغم اتفاقات مثل «اتفاق شيملا» عام 1972، بسبب تعقيدات الهوية، وحسابات الأمن القومى، والتدخلات الإقليمية. واليوم، يعيد هجوم باهالجام تسليط الضوء على هذه الجراح المفتوحة، ويهدد بإعادة إشعال صراع يتجاوز حدود كشمير ليطال أمن جنوب آسيا بأكمله. تشير تفاصيل الهجوم إلى تخطيط محكم ونطاق تنفيذ واسع، الأمر الذى دفع نيودلهى إلى اتهام جماعات مسلحة يُعتقد أنها تنشط بدعم كبير عبر الحدود، وهو اتهام تكرر فى أزمات سابقة. على خلفية ذلك، أعلنت الهند تعليق اتفاقية مياه السند كخطوة رمزية كبرى، وطردت مستشارين عسكريين من البعثة الباكستانية فى دلهى، ووضعت قواتها فى حالة تأهب قصوى. هذه الإجراءات تعكس تحولًا نحو التصعيد الشامل، مدفوعًا بضغوط داخلية لإظهار الحزم، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المحلية فى الهند. فى المقابل، بادرت باكستان إلى نفى أى صلة لها بالهجوم، واتهمت الهند ب«تسييس المأساة لتحقيق مكاسب سياسية»، محذرةً من أن أى عمل عدائى سيواجه برد «حازم ومتناسب». فى السياق ذاته، أعلنت باكستان إعادة تقييم العلاقات الثنائية مع الهند، وفرضت قيودًا مؤقتة على حركة الطيران الهندى فى أجوائها، وبهذه الخطوة تشير إلى أن إسلام آباد مستعدة لاستخدام أدوات تصعيد دبلوماسية واقتصادية تدريجية دون الانجرار إلى مواجهة عسكرية مباشرة. أسباب التصعيد الحالي فى أعقاب الهجوم الذى وقع فى باهالجام فى 22 أبريل 2025، ظهرت مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية التى أسهمت فى تصعيد الأزمة بين الهندوباكستان. على الصعيد الداخلى فى الهند، كان الهجوم بمثابة ضربة قوية لحكومة رئيس الوزراء «ناريندرا مودى»، التى كانت تسعى إلى تسويق فترة «الاستقرار الأمنى» بعد تعديل الوضع الدستورى فى كشمير عام 2019. ولم تكن هذه التصريحات فى واقع الأمر سوى مجرد ترويج إعلامي؛ إذ تزايدت الهجمات الإرهابية فى الإقليم مع تعزيز الحكومة الهندية من إجراءاتها الأمنية. هذه الأزمة الأمنية جاءت فى توقيت حساس، حيث تقترب الانتخابات المحلية فى الهند، مما يضع مزيدًا من الضغوط على الحكومة لتظهر قوتها وحسمها تجاه الأمن القومى. فى باكستان، تلعب السياسة الداخلية دورًا محوريًا فى ردود الفعل على الاتهامات الهندية. حيث تواجه الحكومة الباكستانية تحديات كبيرة على صعيد الأمن الداخلى والاقتصاد، ما يجعل الهجوم فى كشمير فرصة لتعزيز مشاعر القومية والدفاع عن السيادة الوطنية وذلك فى وقت حساس يشهد فيه الشعب الباكستانى ضغوطًا اقتصادية واجتماعية. إضافة إلى ذلك، يسهم وجود جماعات مسلحة داخل باكستان -وقد تكون نشطة فى كشمير- فى تعقيد الوضع بشكل أكبر. فبعض الأطراف داخل الحكومة تعتبر هذه الجماعات أداة للضغط على الهند، مما يضيف بعدًا جديدًا للأزمة ويجعل التعامل معها أكثر تعقيدًا. وتعد الجماعات المسلحة فى كشمير جزءًا أساسيًا من المعادلة الأمنية؛ ففى الوقت الذى تتبادل فيه الهندوباكستان الاتهامات حول دعم هذه الجماعات، فإن الوضع على الأرض يعكس مستوى من التصعيد المنظم من قبل جماعات عابرة للحدود. وهذه الجماعات تستغل التوترات بين الدولتين لزيادة الأنشطة الإرهابية، وهو ما يُسهم فى تعقيد عملية السلام فى الإقليم. كما تواصل التنظيمات المسلحة عملها فى كشمير رغم السياسات الأمنية الصارمة التى تفرضها الهند، ووجود هذه الجماعات عامل محورى فى تفاقم التوترات بين الدولتين. الحسابات الإقليمية وفرص الوساطة يأتى التصعيد الأخير فى سياق تفاعلات أوسع فى المنطقة. فكل من الهند، وباكستان، والصينوإيران، تعد أطرافًا فاعلة فى التوازنات الإقليمية. وبينما تسعى الهند للحفاظ على صورة قوية على الصعيد الدولى كداعم للاستقرار فى المنطقة، تواجه تحديات متزايدة من الصين، التى تدعم باكستان بشكل غير مباشر من خلال تحالفاتها الاقتصادية والعسكرية. من ناحية أخرى، تسعى إيران إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع كلا البلدين، لكن تدخلها فى النزاع قد يثير حساسيات إقليمية. فى ضوء التصعيد الأخير، تجددت جهود الوساطة الدولية لاحتواء الأزمة، حيث برزت تحركات دبلوماسية لعدد من الأطراف الإقليمية والدولية. أولًا، لعبت السعودية التى تحظى بعلاقات قوية مع كل من نيودلهى وإسلام آباد دورًا محوريًا فى الضغط على الهندوباكستان من أجل التهدئة. كما استخدمت نفوذها لتسويق آفاق السلام، مستندة إلى شبكة علاقاتها مع الدولتين، وذلك من خلال الاتصالات الدبلوماسية المتواصلة لوزير الخارجية السعودى، كما حاولت السعودية تقديم نفسها كوسيط محايد يمكنه التفاوض على تهدئة الصراع. من ناحية أخرى، عرضت إيران وساطة أخرى، حيث ترى فى كشمير نزاعًا يتداخل مع "الروابط الحضارية" بين الهندوباكستان. وبينما تملك إيران علاقات تاريخية وثقافية مع باكستان، فإنها فى الوقت نفسه تحاول الحفاظ على قنوات اتصال مع الهند. ووفقًا لذلك، عرضت إيران التوسط من خلال توفير منصة حوار مستقلة بين الطرفين. ورغم بعض التحديات المرتبطة بالمنطقة، فإن الدور الإيرانى يمكن أن يضيف بُعدًا إقليميًا ويدفع نحو الحوار الشامل. التحديات أمام جهود الوساطة رغم التحركات الدبلوماسية، فإن هناك تحديات كبيرة تواجه جهود الوساطة الدولية فى أزمة كشمير. أول هذه التحديات هو انعدام الثقة بين الهندوباكستان، حيث لا يزال كل طرف يشكك فى نوايا الآخر، خاصة فى ظل التاريخ الطويل من الصراعات والتصعيدات العسكرية. وهذا الواقع يعزز من صعوبة أى جهود وساطة، إذ يصعب على كل طرف قبول اقتراحات تأتى من طرف آخر يُعتبره خصمًا تاريخيًا. ثانيًا، تلعب التداخلات الإقليمية دورًا حاسمًا فى تعقيد الوضع؛ إذ إن الهندوباكستان ليستا فقط طرفين فى الصراع، بل يتداخل الصراع مع مصالح قوى إقليمية أخرى مثل الصينوإيران، حيث يضع كل طرف مصالحه السياسية والاقتصادية على رأس أولوياته. وبينما تدعم الصينباكستان، تسعى الهند إلى موازنة هذه العلاقات مع الصين فى إطار علاقات ثنائية متصاعدة. إضافة إلى ذلك، تُعقد حسابات السياسة الداخلية فى الهندوباكستان أى تقدم فى مسار الوساطة. فى باكستان، على سبيل المثال، يُمثل أى تنازل تجاه الهند خسارة سياسية، مما يجعل القيادة الباكستانية مترددة فى تقديم أى تنازلات. أما فى الهند، فإن حكومة "مودي" تجد نفسها تحت ضغط من القوى السياسية القومية التى قد ترفض أى تسوية مع باكستان. سيناريوهات تطور الأزمة تتعدد السيناريوهات التى قد تتطور إليها الأزمة فى كشمير ومنها: السيناريو الأول: التصعيد العسكرى المحدود، الذى قد يتخذ شكل ضربات متبادلة بين القوات الهنديةوالباكستانية فى منطقة كشمير، دون أن يتجاوز ذلك إلى حرب شاملة. هذا السيناريو قد يستمر لفترة قصيرة؛ إذ تسعى كل من الهندوباكستان إلى توجيه رسائل ردع دون الانجرار إلى مواجهة كاملة. السيناريو الثانى: الانزلاق نحو مواجهة أوسع، وهو السيناريو الأكثر تهديدًا فى ظل وجود الجماعات المسلحة فى الإقليم، وارتفاع حدة الاتهامات المتبادلة بين الجانبين. لذا فإن اندلاع مواجهات عسكرية موسعة قد يؤدى إلى حرب مفتوحة بين الدولتين النوويتين، وهو ما سيكون له تأثيرات كارثية على الأمن الإقليمى والدولى. السيناريو الثالث: احتواء تدريجى عبر الوساطات الدولية، وهو الأكثر ترجيحًا فى هذه اللحظة؛ نظرًا للتحركات الدبلوماسية الجارية، بما فى ذلك التدخلات من السعودية وإيران، لذا يُمكن أن تشهد الأزمة ضغطًا دوليًا حاسمًا لخفض التوترات، وتفعيل مسارات دبلوماسية تهدف إلى تهدئة الموقف. إضافة لذلك قد تكون الوساطات الدولية الطريق الوحيد لتجنب التصعيد العسكرى الكامل، خاصة فى ظل الإدراك المشترك للمخاطر المرتبطة بأى صراع مفتوح بين الهندوباكستان. فى الختام، يظل التصعيد الأخير فى كشمير تذكيرًا صارخًا بعمق التوترات المتجذرة فى النزاع بين الهندوباكستان، والتى تمتد لعقود طويلة. بينما تبدو فرص الوساطة الدولية، خاصة من قبل السعودية وإيران، فرصة لإنهاء التصعيد، فإن الأفق يبقى مشوبًا بالتحديات السياسية والإقليمية المعقدة. فى ظل التوترات المتزايدة والمخاوف من تصعيد عسكرى واسع، تظل الدبلوماسية هى الخيار الأكثر حكمة لضمان تجنب حرب مفتوحة بين دولتين نوويتين. إلا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية حقيقية من كلا الجانبين، إلى جانب دعم قوى من المجتمع الدولى لتسهيل التوصل إلى حل سلمى يضمن استقرار المنطقة ويمنع انزلاقها إلى دوامة جديدة من العنف. * باحث بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية ينشر بالتعاون مع المرصد المصري