الحروب والنزاعات بين الهندوباكستان لعنة لا تنام وجرح يرفض أن يندمل، ويعود اقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين ليتصدر المشهد العالمي بهجوم إرهابي دامٍ راح ضحيته 25 هنديًا ومواطن نيبالي، وهو الهجوم الأشد منذ سلسلة الهجمات الارهابية التي راح ضحيتها العشرات في بومباي في عام 2011. وبينما أعلنت جماعة مسلحة تُدعى "مقاومة كشمير" مسؤوليتها عن الهجوم، زاعمة أن الضحايا لم يكونوا مجرد سياح، بل عناصر على صلة بأجهزة الأمن الهندية، متوعدة بتكثيف عملياتها ضد ما وصفته ب"التغيير الديموجرافي" الناتج عن توطين آلاف "الغرباء" في المنطقة. أصابع الاتهام كانت جاهزة في الهند لتشير إلى أن الهجوم في كشمير تم ترتيبه بعلم من باكستان، والأجهزة الأمنية الهندية تتهم هذه الجماعة بأنها واجهة لمجموعات باكستانية مثل "لشكر طيبة" و"حزب المجاهدين"، والهند الغاضبة والمحترقة بالرغبة في الثأر، لم تنتظر طويلًا في تصريحاتها فرئيس الوزراء ناريندرا مودي أدان الهجوم بشدة، متوعدًا ب"ردّ غير مسبوق"، معتبرًا أن "الصمت على الإرهاب خيانة لدماء الشهداء". باكستان لم تنف الاتهامات الهندية فقط بل وصفتها ب"الاستفزازية وغير المسؤولة"، متهمةً الهند باستغلال الحادث سياسيًا، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات المحلية في عدة ولايات هندية، والخارجية الباكستانية أعلنت في تصريح استعدادها للتعاون في أي تحقيق دولي مستقل، محذّرة من "مغامرات عسكرية قد تُشعل المنطقة بأسرها". وردود الفعل الدولية على الهجوم الأخير وما تبعه من اتهامات متبادلة بين الهندوباكستان كانت متباينة، ودعت الولاياتالمتحدة إلى "ضبط النفس وتجنب التصعيد"، بينما عبّرت الصين – الحليف التقليدي لإسلام أباد – عن "قلق عميق" ودعت إلى العودة إلى الحوار. أما روسيا، فبادرت بعرض وساطة بين الطرفين، في محاولة لتفادي انزلاق جديد قد يُربك المشهد الدولي المأزوم أصلًا بسبب الحروب الأخرى، والاتحاد الأوروبي بدوره عبّر عن تضامنه مع المدنيين ودعا إلى "معالجة الأسباب الجذرية للنزاع"، في إشارة غير مباشرة إلى ملف كشمير العالق في خضم النزاع منذ عقود. بموجب المعاهدة التي منحت الهند استقلالا عن بريطانيا في عام 1947، تم انفصال باكستان لتصبح دولة مستقلة انقسمت لاحقا لدولتين هما باكستان وبنجلاديش في واحد من أهم التغيرات الجيوسياسية في القرن العشرين والذي نتج عنه صراع معقد على مدى عقود، وكان الصراع محتدما في اقليم كشمير المتنازع عليه بين الهندوباكستان، واندلعت بسبله ثلاث حروب بين البلدين (1947، 1965، 1999)، إلى جانب آلاف المناوشات والاشتباكات الدامية على "خط المراقبة" الفاصل بينهما. حرب عام 1999 كانت الأخطر، إذ كادت أن تتطور إلى مواجهة نووية لولا تدخل واشنطن وموسكو في اللحظات الأخيرة. وبين تلك الحروب، جرت محاولات مصالحة عديدة. منها "إعلان لاهور" عام 1999، وقمة "أجرا" في عام 2004، لكن أي تقارب كان ينهار دومًا تحت وطأة هجوم مسلح أو خطاب قومي متشدد. سباق التسلح بين البلدين محموم ويتغذى باستمرار من الهواجس والتوترات الطائفية، والهندوباكستان ليستا فقط خصمين جغرافيين أو أيديولوجيين، بل هما أيضًا قوتان نوويتان، الهند أجرت أول اختبار نووي في 1974، وردت باكستان عليه في 1998 بسلسلة تفجيرات نووية، منذ ذلك الحين دخل البلدان في سباق تسلح خطير، شمل تطوير صواريخ باليستية، أنظمة ردع، وأسلحة تكتيكية. اليوم، تمتلك الهند ما يقارب 160 رأسًا نوويًا، فيما تمتلك باكستان حوالي 170 رأسًا، بحسب تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وقد خصصت كل دولة أكثر من 2٪ من ناتجها القومي للدفاع، مع إنفاق متزايد على تقنيات الحرب السيبرانية والطائرات بدون طيار، ما يجعل أي تصعيد – حتى لو كان محدودًا – مرشحًا للتدهور السريع. ومع عودة التوتر بين الهندوباكستان إلى نقطة الغليان، يظل كافة المتابعين للصراع المحتدم دوما بين البلدين يشغلهم تساؤلات عما اذا كانت الحرب وشيكة أم أن الحكمة ستعود؟ وهل تتدخل القوى الكبرى لاحتواء اللهيب؟ المشهد متأرجح، فالهند تُواجه ضغوطًا شعبية للردّ، وباكستان تُلوّح بخيارات الردع، لكن كلاهما يدرك أن كلفة الحرب أكبر من أن تُحتمل، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الداخلية التي يعانيها البلدان، من بطالة وتضخم وديون خارجية خانقة، اضافة الى مخاوف الرعب النووي التي تحكم توازن القوى بين البلدين، لكن تبقى شرارة الحرب دومًا ممكنة، فالهجوم الأخير جاء مفاجئًا، وقد يتكرر. وما بين الهندوباكستان يظل اقليم كشمير عالقا بين نارين والنزاع الدائر ليس فقط صراعًا جيوسياسيًا، بل مأساة إنسانية تتكرر منذ عقود، ففي خضم هذا التراشق يغفل المتصارعون عن الحقيقة الأهم وهي أن هناك أكثر من 13 مليون إنسان يعيشون في إقليم كشمير، نصفهم تقريبًا في الجانب الخاضع لباكستان، والنصف الآخر تحت الإدارة الهندية، الكشميريون وأغلبهم من المسلمين، يُعانون من انعدام الثقة في الجانبين، ويعيشون واقعًا يوميًا مشبعًا بالخوف، والقيود الأمنية، وغياب التنمية. ومنذ إلغاء الهند الوضع الخاص للإقليم عام 2019، تصاعدت سياسات العزل والرقابة، مع حظر الإنترنت لفترات طويلة، واعتقالات بالجملة، ما زاد من حدة الاحتقان، وفي المقابل لم تقدم باكستان نموذجًا مثاليًا للحريات في مناطق كشمير الخاضعة لها، بل شهدت هي الأخرى تهميشًا سياسيًا واقتصاديًا واضحًا، ويظل اقليم كشمير ساحة للصراع رغم ان ما يحتاجه هو العدالة وان يصبح موطنا لناس عاديين، يسعون لحياة كريمة، وإلى أن يدرك الطرفان – ومعهما العالم – أن كشمير تحتاج إلى تسوية عادلة لا إلى تأجيج للحرب والتوترات، ستظل على فوهة بركان، لا يخمد. تفاقم أزمة إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين بعد الهجوم الإرهابى