منذ لحظة اعتلائه سدة البابوية، رسم البابا الراحل، فرنسيس لنفسه صورة البابا القريب من معاناة الشعوب، الساعي إلى السلام في عالم تمزقه الحروب، ففي إحدى خطبه الأخيرة قبل وفاته، وصف فرنسيس ما يحدث في غزة من عدوان إسرائيلي بأنه «إبادة جماعية» ينبغي أن تخضع للتحقيق والمساءلة. وفي دلالة على كراهية إسرائيل لفرنسيس على مواقفه المناهضة لسياستها، اختزلت تل أبيب تمثليها الدبوماسي على سفيرها لدى الفاتيكان، يارون سيدمان، الذي يشغل منصب سفيرها منذ سبتمبر الماضي، ليحضر لحضور جنازة البابا فرنسيس السبت المقبل، رغم إعتزام معظم الدول الكبرى إرسال رؤساء دول أو حكومات أو أفرادا من العائلة المالكة. كذلك لم يخفي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يقود ائتلافا يميني متطرفا من الأحزاب الدينية والقومية، حقده تجاه البابا الراحل، حيث لم يعلق على وفاته. وبحسب وكالة «رويترز»، فإن قرار الإبقاء على التمثيل عند أدنى مستوى هو علامة على مدى تدهور علاقات إسرائيل مع الفاتيكان منذ بدء الحرب على غزة في عام 2023. وفي خطوة دلت على ارتباك الاحتلال إزاء وفاة البابا فرنسيس، الذي ناهض حربها على القطاع المحاصر، حذفت الحكومة الإسرائيلية منشور على وسائل التواصل الاجتماعي تم تقديم التعازي فيه بوفاة البابا. فبعد وقت قصير من إعلان وفاة البابا فرنسيس الإثنين الماضي، نشر حساب «@Israel» المُوثّق الذي تستخدمه الحكومة على منصة «إكس» رسالةً جاء فيها: «ارقد بسلام، البابا فرنسيس،- رحم الله ذكراه»، مع إدراج صورةً للبابا، وهو يزور حائط البراق في مدينة القدسالمحتلة. وفي وقت لاحق، حُذف المنشور دون إبداء أي تفسير، فيما نقلت صحيفة «جيروزالم بوست» الإسرائيلية عن مسؤولين في وزارة الخارجية قولهم إنه نُشر عن طريق الخطأ». بدورها، قصرت السفارة الإسرائيلية لدى الفاتيكان رد فعلها على وسائل التواصل الاجتماعي على وفاة البابا على إعادة نشر رسالة تعزية للمسيحيين في الأراضي المقدسة وحول العالم من قبل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، الذي وصف فرانسيس بأنه «رجل يتمتع بإيمان عميق ورحمة لا حدود لها». تصاعد التوترات بين الجانبين بعد اندلاع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة، مارس سفير إسرائيل لدى الفاتيكان حينها، رافائيل شوتز، الضغوط على أمانة دولة الفاتيكان مرارا وتكرارا في أواخر عام 2023 وطوال عام 2024، مطالبا البابا بأن يكون أكثر حزما في إدانته لحركة حماس. وفي العام الماضي، وبعد أن قال وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال، بيترو بارولين إن رد إسرائيل على هجوم حماس كان «غير متناسب»، أصدرت السفارة الإسرائيلية بيانا وصفت فيه تعليقاته بأنها «مؤسفة». وفي وقت لاحق، خففت السفارة من انتقاداتها، مشيرة إلى خطأ في الترجمة، لكن العلاقات ظلت متوترة. في نوفمبرالماضي، اقترح البابا فرنسيس، أن يدرس المجتمع الدولي ما إذا كانت الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة تشكل إبادة جماعية، وذلك في بعض من انتقاداته الأكثر صراحة حتى الآن لسلوك إسرائيل في حربها مع حماس. وفي ينايرالماضي، وصف البابا الوضع الإنساني في غزة بأنه «مخز»، مما أثار انتقادات من الحاخام الرئيسي في روما، ريكاردو دي سيجني، الذي اتهم البابا ب«السخط الانتقائي». في مارس الماضي، ورغم وضعه الصحي، أطل البابا من نافذة المستشفى الذي يُعالج فيه بروما، مطالبًا بوقف القصف الإسرائيلي على غزة، قائلا: «ليُسكت صوت السلاح، فقد تعب الأبرياء من الموت». وفي آخر رسائله العامة، بمناسبة عيد الفصح، فيما بدا آخر مناشدة له للسلام في الشرق الأوسط قبل وفاته بساعات قليلة، وجّه البابا نداءً طالب فيه ب«وقف فوري لإطلاق النار في غزة». ودعا إلى وقف المأساة الإنسانية في القطاع، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، مؤكدا تضامنه مع «الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء». مواقف سابقة ففي مايو 2014، قام البابا بزيارة إلى الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، ليترجل فجأة عند جدار الفصل العنصري، واصفا إياه بأنه «جدار الألم»، فيما بدت تحدّى لسلطات الاحتلال والتي حاولت تخطيط الزيارة بحيث لا يقترب من الجدار. وفي لقاءاته المتكررة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، دعا فرنسيس إلى وقف الاستيطان، ووصف الحصار الإسرائيلي على غزة بأنه «مشين»، وفي عام 2015 اعترف دبلوماسيا بدولة فلسطين.