بين مقترح وآخر مضاد، تتعثر الخيارات المطروحة للتوصل إلى اتفاق حول هدنة غزة، وتتشابك التعقيدات أمام المساعى الهادفة لإنهاء هذه الحرب المأساوية بعد نحو 18 شهرًا من القتل والخراب والتدمير، من دون أن تلوح فى الأفق أى بادرة أو إرادة حقيقية لوضع حد لها. من المؤكد أن الوسطاء يفعلون ما بوسعهم لتقريب وجهات النظر وجسر الهوة بين مواقف الأطراف المتصارعة، لكن رغبة هؤلاء الوسطاء تصطدم بحسابات هذه الأطراف التى تتعدى النصوص الواردة فى المقترحات إلى ما يعتبرونه تهديدًا وجوديًّا بالنسبة لهم، ناهيك عن الحسابات الشخصية، وبالتالى تتعدد المقترحات والمقترحات المضادة وفقًا لمصالح وأهداف كل طرف. ومن هنا يمكن ربط الضغوط والمناورات التى يمارسها كل طرف بالأهداف النهائية التى يسعى لتحقيقها، والتى حولت أهل غزة إلى ميدان اختبار لها، على حساب دمائهم وتجويعهم وتشريدهم وحرمانهم من كل مقومات الحياة فى ظل صمت دولى مريب. من البديهى أن تحاول المقترحات التى يتم طرحها التوفيق بين خيارات متناقضة، وقد نجحت هنا نسبيًّا فى حالتين سابقتين، حين كانت تتعلق باتفاقات جزئية، أو تم اجتزاؤها، لكنها تتعثر اليوم لأنها باتت تصطدم بالاستحقاقات الكبرى أو ما يسمى اليوم التالى، فهناك الجانب الإسرائيلى بزعامة نتنياهو الذى يعتقد أن موازين القوى الراهنة تمكنه من تحقيق أهداف الحرب واستعادة الرهائن وإنهاء حكم «حماس» والفصائل الفلسطينية الأخرى ونزع سلاحها. وهو يدرك أن الفشل فى تحقيق تلك الأهداف سيكلفه انهيار ائتلافه الحكومى، وربما يؤدى به إلى السجن، على خلفية قضايا الفساد أو بسبب مسؤوليته عن الإخفاق فى منع هجوم 7 أكتوبر. وبالمقابل، يواجه الطرف الفلسطينى استحقاقًا أكثر خطورة، يتعلق ليس فقط بمصير الفصائل المسلحة وسلاحها، وإنما بمصير قطاع غزة، والخطط الموضوعة لتهجير سكانه، وانعكاس ذلك على القضية الفلسطينية برمتها. وبالتالى فقد بات الطرف الفلسطينى يتمسك بمقترح «الصفقة الشاملة» القائم على إطلاق سراح كل الرهائن دفعة واحدة، مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين يتفق على عددهم، وانسحاب الجيش الإسرائيلى وإنهاء الحرب. بهذا المعنى، ثمة افتراق واضح فى المقترحات والأهداف، وهو ما يَشِى بصعوبة مهمة الوسطاء، وأيضًا صعوبة المرحلة المقبلة التى يشوبها الكثير من التصعيد العسكرى والتلويح بالضم وتحويل قطاع غزة إلى معازل متفرقة، مع أن هذا الخيار ثبت فشله، طوال الأشهر الماضية. أيًّا كانت المقترحات المطروحة، فإن خيار الحرب يعنى استمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار فى المنطقة، وهو ما لا تريده الولاياتالمتحدة، حيث تشير التقارير إلى أن واشنطن منحت نتنياهو مهلة محدودة لاستعادة الرهائن وتحقيق الأهداف، لا تتجاوز نهاية الشهر الحالى، أى قبل زيارة ترامب إلى المنطقة. وهناك أيضًا مَن يرى أن مقترح «الصفقة الشاملة» يتقاطع مع ما تطالب به واشنطن، وبالتالى قد يجد نتنياهو نفسه مضطرًّا للرضوخ أمام الضغوط الأمريكية والقيام بتنفيذ هذه الصفقة بكل بنودها.