عصر مختلف عاشه سكان حي الزهراء في عين شمس بالقاهرة، أمس، حيث امتزجت فرحة الأطفال الخارجين من مسجد محمد أغا بعد صلاة العصر بحزنٍ لم يكن في الحسبان، لحظات قليلة فصلت بين احتفائهم بقرب عيد الفطر المبارك، وبين اشتعال النيران داخل المسجد التاريخي، الذي ظل شامخًا لأكثر من 6 قرون. حريق مسجد محمد أغا في عين شمس إسلام محمد عطية، أحد شهود العيان، وقف أمام المسجد المحترق صباح اليوم التالي، يراقب الدخان المتصاعد من بين الحوائط التي فقدت لونها الأصلي، كان يتحدث وكأن المشهد لا يزال يحدث أمامه، يحكي عن انقطاع التيار الكهربائي الذي سبق الحريق بثوانٍ، عن المولد الذي اشتغل تلقائيًا، وعن الشرارة التي دوّت في المكان، كأنها جرس إنذار لم ينتبه له أحد في البداية. لم يستغرق الأمر طويلًا حتى أدرك المتواجدون داخل المسجد أن هناك شيئًا خاطئًا يحدث، الدخان بدأ يزحف بسرعة، ورائحة الحريق غطّت المكان، حين اقتربوا من الغرفة التي تضم المولد الكهربائي، كانت النيران قد سبقتهم إليها، كل ما بداخلها اشتعل دفعة واحدة، وكأن النار كانت تنتظر هذه اللحظة منذ زمن. «النار كانت أسرع من كل شيء» «عطية» لم يكن وحده، كثيرون كانوا هناك، يراقبون بذهول كيف تحولت الغرفة الصغيرة إلى بؤرة من اللهب، تمتد بسرعة في أنحاء المسجد. محمود جابر، أحد كبار السنّ الذين اعتادوا أداء الصلاة هناك، كان يجلس بالقرب من المدخل وقتها، يتذكر كيف بدأ الناس في الاندفاع إلى الخارج، البعض كان يصرخ، والبعض الآخر لم يجد إلا الصمت تعبيرًا عن الصدمة. «النار كانت أسرع من كل شيء، أسرع من استيعابنا، أسرع من محاولتنا نطفيها، أسرع من أي رد فعل.. في ثواني كانت ماسكة في كل حاجة جوه»، قالها وهو ينظر إلى بقايا الرخام المتفحم. ذلك الرخام الذي كان يغطي الجدران، لم يصمد كثيرًا أمام ألسنة اللهب، بدأ يتآكل ويسقط، ليكشف عن الطوب الأحمر تحته، في مشهد لم يره أحد هنا من قبل، في وقت قليل، كان نصف المسجد يفقد معالمه، يتحول إلى كتلة من السواد، يتحدث «عطية» ل«المصري اليوم» عن الخسائر جراء الحريق. «المسجد بيوتنا كلنا» خارج المسجد، كان المشهد مختلفًا لكنه لم يكن أقل قسوة، أهالي المنطقة تجمعوا في الشوارع المحيطة، بعضهم كان يحاول المساعدة بإحضار مياه أو أدوات بدائية لإخماد الحريق، لكن الحقيقة كانت واضحة للجميع: النيران أقوى من أي محاولات يدوية. أم «أيمن»، التي اعتادت الصلاة في مصلى السيدات منذ سنوات، كانت واقفة على الرصيف المقابل، تمسح دموعها بطرف خمارها، وتراقب ألسنة اللهب التي تلتهم المكان الذي احتضنها في لحظات ضعفها وقوتها. «المسجد بيوتنا كلنا.. هنا ربينا عيالنا، وهنا لجأنا لما ضاقت الدنيا بينا.. أنا شايفة النار بس مش مصدقة، مش مصدقة إنه بيولع»، كانت كلماتها متقطعة، تخرج بين أنفاس متلاحقة، وكأنها تحاول أن تواسي نفسها. ساعتان من الصراع مع النيران بعد دقائق، وصلت سيارات الإطفاء، وبدأ رجال الدفاع المدني في محاولاتهم للسيطرة على الحريق، المهمة لم تكن سهلة، فالنيران كانت قد انتشرت بالفعل، والتعامل معها كان يحتاج إلى دقة حتى لا تمتد إلى الطابق الأول حيث العيادة الخيرية. ساعتان استغرقتهما عملية الإطفاء، كانت خلالهما أعين الأهالي لا تفارق المشهد، بعضهم كان يدعو، وبعضهم كان يحاول تقديم أي مساعدة، وآخرون اكتفوا بالمراقبة في صمت. في النهاية، نجح رجال الإطفاء في السيطرة على النيران، لكن المسجد لم يعد كما كان، نصفه أصبح مدمّرًا بالكامل، الفرش احترق، التكييفات تحولت إلى هياكل سوداء، المراوح لم تعد موجودة، وحتى الجدران فقدت لونها وملمسها، يقول «عطية». «إحنا اللي هنبنيه من جديد» مع أول ضوء للصباح، بدأت الحياة تعود تدريجيًا إلى الحي، لكن المسجد ظل شاهدًا على ما حدث، لم يمر وقت طويل حتى بدأت الدعوات لجمع التبرعات من أجل ترميمه. الأهالي لم يقبلوا فكرة أن يبقى مكانهم المقدس بهذا الشكل، وبدأت المبادرات من كل اتجاه. اللجنة الهندسية التابعة لوزارة الأوقاف مقرر وصولها إلى الماكن لإجراء المعاينة، وبدأت أجهزة الأمن تحقيقاتها، لم يستغرق الأمر طويلًا حتى خرجت النتيجة الأولية: لا شبهة جنائية في الحريق. تلك الكلمات كانت مطمئنة للبعض، لكنها لم تكن كافية لتعويض الخسائر التي لحقت بالمسجد، كان هناك شعور عام بأن الحريق لم يكن مجرد حادثة، بل خسارة شخصية لكل فرد في المنطقة. «عطية»، الذي وقف منذ الأمس يراقب ما يحدث، كان صوته أكثر حسمًا هذه المرة وهو يقول: «إحنا اللي هنبنيه من جديد.. المسجد عمره ما كان جدران وسقف بس، ده الروح اللي فيه هي اللي بتجمعنا، والروح دي عمرها ما اتحرقت». حريق مسجد محمد أغا في عين شمس «هنصلي فين صلاة العيد؟» ورغم كل شيء، ظل سؤال الأطفال هو الأكثر إلحاحًا في صباح اليوم التالي: «هنصلي فين صلاة العيد؟». اقرأ أيضًا: «طلع حديدة من عربيته».. شاهدة بواقعة الفردوس: «الأب حطم زجاج السيارة قبل ضرب السائق مجددًا» «سبّ وبلطجة وإتلاف».. شاهدة تروي تفاصيل الاعتداء على سائق الفردوس «الست قعدت تشتمه بألفاظ خارجة».. نص شهادة مشرفة باص في التعدي على «سائق الفردوس»