فاجأت ترشيحات الأوسكار لعام 2025 الكثيرين وربما سببت صدمة للبعض ومنهم النجمة الأمريكية أنجلينا جولى التى كان اسمها يتردد بقوة كواحدة من الممثلات المرشحات لجائزة أوسكار أفضل ممثلة عن دور رئيسى بعد أدائها المتميز فى فيلم «ماريا» Maria للمخرج التشيلى بابلو لارين؛ ولم يحصل الفيلم إلا على ترشيح واحد لأفضل تصوير سينمائى، وذلك على الرغم من أن «ماريا» الذى عرض للمرة الأولى فى مهرجان فينسيا السينمائى الدولى فى دورته 81 ونافس على جائزة «الأسد الذهبى» كأفضل فيلم فى المهرجان، حظى بإشادة نقدية كبيرة، وظل الجمهور بعد عرض الفيلم يصفق لمدة ثمان دقائق مستمرة، تقديرًا لأنجلينا جولى التى يقال إنها بكت تأثرا بهذا الاحتفاء الكبير من الجمهور والنقاد. عدم ظهور اسم أنجلينا جولى وسط المرشحات لجوائز الأوسكار كان مثار اهتمام الصحافة الفنية فى الولاياتالمتحدة والتى نقل أغلبها ما نشره موقع pagesix حول إصابة أنجلينا جولى بالحزن الشديد وأرجع أحد المصادر للموقع أن عدم ظهور اسم النجمة الأمريكية ربما يكون مرتبطا بطلاقها من براد بيت، وادعى المصدر أن هوليوود بدت فى صف براد وقال«لم يكن أحد ليعارض براد ويمنح أنجلينا صوتا.. الناس يحبون براد فى هوليوود». أعادت هذه الواقعة الجدل حول معايير الترشيحات لجوائز الأوسكار، وما يثار حول تجاهل بعض الأفلام أو الممثلين بسبب الحسابات الخاصة، ورغم ذلك يظل فيلم «ماريا» واحدًا من الأفلام التى قدمت فيها أنجلينا جولى أداء شديد التميز. الأسبوع الأخير على عكس أغلب أفلام السير الذاتية التى تحاول تقديم رؤية شاملة عن الشخصية وإبراز أهم المواقف والمحطات فى حياتها، يأتى فيلم «ماريا» ليركز على الأيام السبعة الأخيرة فى حياة ماريا كالاس مغنية الأوبرا الأشهر فى العالم والتى توفيت بعد إصابتها بأزمة قلبية بسبب إدمانها العقاقير المهدئة، وتدور أحداث الفيلم فى باريس عام 1977 حيث أصبحت تعيش ماريا كالاس بصحبة خادميها فروتشيو «بيير فرانسيسكو» وبرونا «ألبا روروشر» اللذان يجاهدان طوال الوقت فى التعامل مع شخصية ماريا المتقلبة، ومحاولة السيطرة على تعاطيها المهدئات دون الرجوع للطبيب؛ فالمغنية الشهيرة التى توقفت عن الغناء منذ عدة سنوات وفقد صوتها قوته وبريقه الخاص تعانى من هلاوس بسبب تأثير الأدوية، ورغبة شديدة فى الرجوع للغناء والوقوف على المسرح مرة أخرى. حالة الهلوسة التى كانت تفقد ماريا القدرة على التفرقة بين ما هو حقيقى وما هو متخيل، كانت المدخل الذى قدم المخرج من خلاله قصة حياتها، وذلك من خلال شخصية ماندراكس «كودى سميت ماكفى» صانع الأفلام الوثائقية الذى تصطحبه ماريا معها فى شوارع باريس لتحكى له عن لحظات وقوفها العظيمة على المسرح، وعلاقتها بأمها التى كانت تجبرها على الغناء أمام القادة الألمان مقابل المال خلال فترة احتلال النازية لليونان، ثم علاقتها المعقدة بأرسطو أوناسيس (هالوك بيلجينر) رجل الأعمال الثرى الشهير، والذى بهره صوتها ودخل فى علاقة غرامية معها على الرغم من أنها كانت متزوجة وقت تعرفه بها من رجل الأعمال الإيطالى جيوفانى باتيستا مينيجينى، لكنها انفصلت عنه وظلت فى علاقة مع أوناسيس حتى تركها وتزوج فى أكتوبر 1968من جاكلين كيندى أرملة الرئيس الأمريكى الأسبق جون كيندى بعد اغتياله. هلوسة ماريا كانت طاغية على الفيلم، كانت الشخصيات فى بعض المشاهد تسأل ماريا إذا كان ما تحكيه حقيقى أم من خيالها، حتى ماريا نفسها أصبحت فى مرحلة لا تفرق بين الحقيقة والخيال وهو ما ظهر فى نظرتها الخائفة وإمساكها يد شقيقتها وهى تخبرها أنها تريد أن تتأكد من أنها حقيقة، وهو ما انعكس على المشاهد الذى أتصور فى نهاية الفيلم- الذى تصل مدته إلى ساعتين- لن يكون لديه رؤية محددة المشاهد التى دارت فى خيال ماريا والحقيقة. أنجلينا وتعلم الغناء تبرع أنجلينا جولى فى أداء الأدوار المحملة بالكثير من المشاعر المعقدة والحزينة، وهو ما يبدو يتفق مع طبيعتها الشخصية خاصة فى السنوات الأخيرة، وكان واضحا فى فيلم By the Sea «عند البحر» الذى كتبته وأخرجته عام 2015 وهو آخر فيلم جمعها بزوجها السابق براد بت قبل انفصالهما. وفى «ماريا» لم يظهر أداء أنجلينا البارع والمحمل بالكثير من المشاعر فى المشاهد الغنائية-وهى كثيرة فى الفيلم- والتى قدمت فيها مطابقة لحركة الشفاه لأغنيات ماريا كالاس وهى المشاهد التى تعلمت لمدة سبعة أشهر الغناء الأوبرالى حتى تستطيع تأديتها بشكل صحيح، لكن أيضا فى مشاهد الأداء غير الغنائى والتى ظهر فيها المزاج المتقلب لماريا والمشاعر المتضاربة التى كانت تستيقظ بها كل يوم ما بين الرغبة فى الموت ثم التحول للأمل فى العودة للغناء مرة أخرى، والوقوف على المسرح، وبين الخوف من الجمهور والصحافة والرغبة فى الظهور أمامهم واستقبال تملقهم لها أو إعجابهم بصوتها، أيضا على المستوى الشكلى لعبت نحافة أنجلينا جولى بشكل واضح فى السنوات الأخيرة مقاربة شكلية لحالة النحافة التى عانت منها ماريا فى سنواتها الأخيرة بعد أن كانت تمتنع لأيام عن تناول الطعام. مالت ألوان الفيلم إلى الإضاءة الدافئة التى تناسب فترة السبعينيات، وفى مشاهد المسرح تنوعت بين لقطات الأبيض والأسود لمنح الإحساس بأنها مشاهد داخل ذاكرة ماريا، أو الإضاءة الخافتة والتى تعكس الحالة النفسية السيئة التى تمر بها وعدم قدرتها السيطرة على حنجرتها. كما استخدم المخرج فى بداية الفيلم لقطات الشريط السينمائى والتى كانت منتشرة فى فترة السبعينيات أيضا، وتظهر فيها مشاهد لأنجلينا بالأبيض والأسود على خشبة المسرح وهى اللقطات التى عادلها المخرج فى نهاية الفيلم بعرض النسخ الأصلية للأفلام التى ظهرت فيها ماريا كالاس على المسرح خلال حفلاتها أو بصحية أوناسيس فى حفلات خاصة. أسئلة بدون إجابات لم يقدم فيلم ماريا إجابة عن كثير من الأسئلة حول حياة مغنية الأوبرا ماريا كالاس وهو الأسلوب الذى يعتمده المخرج بابلو لارين فى التعامل مع السير الذاتية والتى سبق وقدمها فى أفلام «سبنسر» Spencer عن السنوات الأخيرة فى حياة الأميرة ديانا وهو الفيلم الذى رشحت عنه كرستين ستيوارت لأوسكار أفضل ممثلة عن دور ديانا عام 2022، وأيضا فيلم «جاكى» Jackie عام 2016 عن حياة جاكلين كيندى فى السنوات التى تلت اغتيال الرئيس الأمريكى كيندى ورشح الفيلم ل 3 جوائز أوسكار كان منها أفضل ممثلة لنتالى بورتمان عن دور جاكلين كيندى. كما أن بعض المشاهد لم يكن سياقها مفهومًا ومنها مشهد لقاء ماريا مع الرئيس الأميركى كيندى، فلم يكن مفهوما سبب رغبته فى لقائها ولا الطريقة التى ألمحت بها إلى وجود علاقة غرامية تجمع بين أوناسيس وزوجته جاكلين، كذلك التلميح بأنها حاولت الإنجاب عدة مرات خلال علاقتها بأوناسيس لكنه كان السبب فى إجهاضها، كذلك لم يقدم الفيلم إجابة عن السبب وراء توقف ماريا عن الغناء خلال علاقتها مع أوناسيس على الرغم من أنه أحبها بسبب صوتها، ولماذا ظل على علاقة بها حتى بعد زواجه من جاكلين؟ وهى الأسئلة التى تركها الفيلم معلقة بدون إجابة.