في مشهد يعكس حالة الانقسام الذي وصل له الإسرائيليون، اقتحم أنصار اليمين المتطرف الإسرائيلي معتقل سدي تيمان، ثم قاعدة بيت ليد العسكرية، على إثر اعتقال جنود احتياط نكلوا بأسير فلسطيني واعتدوا عليه جنسيًا، إذ اعتبر اليمين أن مرتكبي الحادث بمثابة الأبطال، منددين باحتجازهم، في حين ندد المسؤولون في الجيش والمعارضة بالخطوة، وعلى إثر ذلك، سحب الجيش الإسرائيلي قوات من الضفة الغربيةالمحتلة، إلى جانب استدعاء ثلاث كتائب كانت تستعد للقتال في غزة، من أجل حماية المعسكر وقاعدة بيت ليد. في هذا السياق، قال الدكتور طارق فهمي، الخبير في دراسات الأمن القومي والشؤون الإسرائيلية، إن الموضوع شائك ويعكس حالة من الفوضى تعيشها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن الانتقادات جاءت بسبب اقتحام مقر عسكري، وهو ما انعكس على تصريحات المسؤولين العسكريين ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والذين اعتبروا الأحداث أمرا يمس سمعة الجيش الإسرائيلي ولابد من التحقيق فيه. وأشار «فهمي» ل«المصري اليوم» إلى أن الكشف عن هذا الحادث قام به عرب 48، ومنظمة «السلام الآن» الإسرائيلية، إلى جانب منظمات حقوق المواطن في إسرائيل وغيرها، لافتا إلى أن الحادث تم في منطقة بئر السبع، في صحراء النقب، والتي لا تخضع إلى تفتيشات. وتابع أن هناك هجوم على المؤسسة العسكرية، بالرغم من دفاع وزراء اليمين والمستوطنين عن الجنود المتهمين وبأن الجيش يتمتع بمهنية، معتبرا أن هذا الأمر يعكس مدى الأرهاب والتطرف داخل المؤسسة العسكرية والجيش. وعبر عن اعتقاده بأن هناك استهداف داخل الجيش الإسرائيلي، من وجود الخلاف داخل المستوى العسكري فيما يتعلق بمشكلة «الحريديم»، وحالات الاستقالة التي تمت في الفترة الأخيرة، إلى جانب التعيينات الجديدة التي نفذها وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت وليس رئيس الحكومة أو رئيس هيئة الأركان، مما يعكس حالة الفوضى التي تعم المؤسسة العسكرية. وكانت صحيفة «هآرتس» اعتبرت أن إسرائيل تمر بمرحلة متقدمة من التفكك تحت حكم نتنياهو، معتبرة أن الواقعتين تعكسان ما سمته «تعفن» مستمرا ينخر جسد الدولة. وقالت إن أولى حلقات التعفن بدأت بامتناع عدد من هؤلاء الجنود عن الاستجابة لأوامر التسليم، فقد تحصنوا في المكان ورشوا وحدة التحقيق الجنائي العسكري بغاز الفلفل، وذلك يشير إلى اختلال النظم العسكرية. وأضافت الصحيفة أن من بين المحتجين الذين اقتحموا «سدي تيمان» عضو في الكنيست ووزير التراث عميحاي إلياهو الذي سُمع وهو يردد «الموت للإرهابيين»، مما يعكس تصرف أعضاء اليمين المتطرف كأفراد مليشيا. وبحسب الصحيفة، رغم أن «هليفي» عبر عن دعمه للمدعية العامة العسكرية ولوزارة الدفاع، فإن نتنياهو تأخر مدة ساعتين في إدانة الحادث، في خطوة تعكس تأييده الضمني لليمين المتطرف. واعتبرت الصحيفة الإسرائيلية إن ماسمتها «دولة نتنياهو فقدت السيطرة على اليمين المتطرف، ومن يزرع الفوضى يجنيها»، مشيرة إلى أنه إذا لم يوقف هؤلاء عند حدهم فإن الأمر سينتهي بتفكيك إسرائيل. وكانت الشرطة العسكرية الإسرائيلية قد اقتحمت معسكر سدي تيمان بعد أن أعلن المتحدث العسكري فتح تحقيق للاشتباه في تنكيل خطير بأحد الأسرى، وأوقفت الشرطة العسكرية 9 من أصل 10 جنود مشتبه بهم في انتهاك جنسي لأحد المعتقلين الفلسطينيين. وعلى خلفية ذلك، اندلعت صدامات بين عناصر الشرطة العسكرية وقوات من وحدة جنود الاحتياط المشتبه في تعذيبهم الأسرى بعد أن حاولوا منع توقيف الجنود للتحقيق معهم. واقتحم نحو 200 ناشط يميني مقر المحكمة العسكرية داخل قاعدة بيت ليد، حيث تم نقل ال9 جنود الاحتياط الذين تم احتجازهم، أمس الاول الاثنين لاستجوابهم بشبهة إساءة معاملة معتقل فلسطيني بشكل خطير في معتقل سدي تيمان (في النقب). وأوضحت الصحيفة «هآرتس» أن من بين المتظاهرين جنودا ملثمين ومسلحين، يحمل بعضهم شعار «القوة 100» على زيهم العسكري، وهي الوحدة المسؤولة عن حراسة المعتقلين في معسكر سدي تيمان. وأشارت إلى أن عددا من أعضاء الكنيست من بينهم تالي جوتليف (الليكود)، ويتسحاق كرويزركانوا بين المتظاهرين، كما شارك في الاقتحام عضو الكنيست، ليمور سون هار مليخ. وتباينت ردود الفعل الإسرئيلي حول الحدثتين، حيث أدان جالانت بشدة الواقعتين، وقال في خطاب لنتنياهو إن الاحتجاجات تمثل «تهديدًا خطيرًا على أمن الدولة»، مطالبًا إياه باتخاذ «إجراء حاسم ضد أعضاء الائتلاف المتورطين في الاضطرابات». من جانبه، قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، «إننا اليوم لسنا على حافة الهاوية، بل نحن في الهاوية»، مشيرا إلى أن ما يجري يمثل خطرا وجوديا على إسرائيل، وإنه تم اليوم تجاوز جميع الخطوط الحمراء. بدوره، قال رئيس حزب العمل الإسرائيلي إن على الشرطة التدخل فهي ليست شرطة حزب فاشي، على رأسه وزير يدعم الانقلاب على القانون، معتبرا أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير يعرّض إسرائيل ومواطنيها وأمنها للخطر. لكن وزراء ومسؤولين إسرائيليين دافعوا عن هؤلاء الجنود المعتدين، ومن بينهم وزير الطاقة الإسرائيلي من حزب الليكود، إيلي كوهين الذي قال في منشور على منصة إكس: «علينا جميعا أن نحتضنهم ونحييهم، وليس بالتأكيد أن نستجوبهم ونذلهم»، فيما قال بن غفير في بيان أن «مشهد ضباط الشرطة العسكرية وهم يأتون لاعتقال أفضل أبطالنا في سدي تيمان ليس أقل من مخزٍ». وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إن مشهد وصول عناصر من الشرطة العسكرية «لاعتقال أبطال في معسكر سدي تيمان بالنقب مخجل جدا». وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية الإسرائيلية من الليكود، يولي أدلشتاين، عبر منصة إكس، «لن أستسلم لمشهد اليوم في قاعدة سدي تيمان، الوضع الذي تقوم فيه الشرطة العسكرية الملثمة بمداهمة قاعدة للجيش الإسرائيلي أمر غير مقبول، ولن أسمح بحدوث ذلك مجددا». ونشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الشهر الماضي نقلًا عن أحد الأطباء في سجن سدي تيمان، أن عمليات بتر ساقين أُجريت لسجينين بسبب إصابات ناجمة عن تقييدهما بالأصفاد، ولم تتمكن بي بي سي من التحقق من تلك المزاعم بشكل مستقل.