يا أبتاه لا تغفر لهم..!

إنّ هول مجزرة «غزة» يطرح أكثر من سؤال حول خلفياتها؛ أسبابها، وتوقيتها. إن سكان الشرق هم الأصل والحضارة والتاريخ والأرض والحاضر والمستقبل. ضاعت القيم الإنسانية مع اغتيال الأرواح البريئة التى صعدت لربها، وبقيت دماؤها تدين العدالة الدولية الكلامية وإدانتها الجوفاء، ومرتكبى الجرائم المحميين ببعض الدول، وانتهاكاتهم الصارخة للقانون والاتفاقات وحقوق الإنسان.
والمجتمع الدولى حائر أمام الانفلات الإسرائيلى طالما هناك حكام أشرار يساعدون ويحرضون على الإبادة الجماعية نظاما ظل لا يحترم منذ احتلاله فلسطين أى اتفاق. ما جرى وما يجرى للشعب الفلسطينى يدمى القلوب ويقشعر له البدن، ويقض مضجع الإنسانية. مشاهد اعتداءات وحشية حتى الحيوانات المفترسة لا تفعلها. هؤلاء المجرمون عشاق الدماء والموت أولاد هيرودس قاتل أطفال بيت لحم. وقعت المجازر، والكل من المغرب إلى المشرق، صامت لم نسمع سوى عبارات الاستنكار.
إن هول المجازر يفرغ فلسطين من أهلها ملح الأرض على يد البربر وقطاع الطريق. عندما تعانون من قسوة عدوّكم لا تغضبوا، لقد مر السيد المسيح بنفس التجربة.. حوكم وجلد وصلب، تم اغتياله وقتله بحربة فى جنبه، ولأنه متسامح وغفور، جاء قوله: «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون».. لكن ابن مريم مازال ماضياً فى طريق الآلام، ناصراً للمظلومين، رافضاً أن تكون أرض فلسطين لفئة ضالة تلذذت بدمائه الطاهرة.
.. الآن السؤال، مع تزامن القرارين القضائيين الدوليين للمحكمتين الدوليتين (ICC) و(ICJ)، والعالم موحدًا يدين إسرائيل، باستثناء ثلاث دول أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيونى: هل ستحترم إسرائيل القرارات الدولية وتنفذها، أم ستتبع ما تعتقد به وعبّر عنه المتطرف إيتمار بن غفير وزير الأمن القومى الإسرائيلى، الذى قال إن «مستقبل إسرائيل يقرره الصهاينة وحدهم دون بقية البشر» وعليه سننتظر قرار محكمة العدل الدولية بعد الخامس والعشرين من شهر يونيو «حزيران»، حين تنتهى فترة الإنذار المحددة؟.
أما الاحتلال فله تصنيف آخر عبّر عنه الإرهابى بن غفير، إذ قال إن «مستقبل إسرائيل يقرره الصهاينة وحدهم دون بقية البشر» والذين سماهم «الأغيار». أى أن فى العالم جنسين من البشر: الصهاينة والأغيار (بقية الإنسانية). أما أنا فأسأل الله أن يكون القرار للمحكمة وليس للمفاوضات مع العدو الذى لم يحترم منذ احتلاله أى اتفاق، والذى يصرّ على أسلوب التفاوض لكلّ خلاف (بدلا من الشرعية الدولية) كى يفرض شروطه ويحنث بوعوده.
أضف إلى ذلك أن التفاوض قد يستغرق شهورًا أو سنوات كما أعلن «جولدمان بن غوريون، ابن مؤسس إسرائيل، والأب الروحى للإسرائيليين دافيد بن غوريون إذ قال: «سنفاوض.. ونستمر نفاوض».
ًًفالغرض من الحرب على غزّة ليس تدمير سلطة «حماس» أو استرجاع الرهائن وحسب، بل محو قطاع غزّة من الخارطة، فى أفق ترجمة مشروع أمريكى/ إسرائيلى، يكون منطلقه إقامة قناة بن جوريون لربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر ميناء إيلات.
ألم تقل لنا الكتب السماوية احترزوا من «الفريسيين» (حزب سياسى دينى برز خلال القرن الأول داخل المجتمع اليهودى فى فلسطين، يتبعون مذهًبا دينياً متشدداً، وسننا شفهية استنبطوها).. وها هم انتشروا فى كل مكان.. يقتلون ويهددون والعالم صامت أخرس. دعونا نهب فى وجه الظلم، ولا نسكت على قهر أو غدر لأن العالم كله صَمتَ، صارخين: يا أبانا لا تغفر لهم.