أحمد عصام يتابع سير العملية الانتخابية بمسقط رأسه بالفيوم    الوطنية للانتخابات: غلق اللجان وانتهاء التصويت في التاسعة ولا يجوز تمديده    رئيس الوزراء: صناعة السيارات أصبحت أولوية قصوى لدى مصر    «متبقيات المبيدات»: تحليل أكثر من 18 ألف عينة خلال أكتوبر الماضي لخدمة الصادرات الزراعية    بحضور "الشوربجي" وقيادات المؤسسات الصحفية القومية.. الفريق أسامة ربيع في ندوة ب "الوطنية للصحافة": لا بديل لقناة السويس    إعلام إسرائيلي: المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي يعتزم الاستقالة    «تعثر الشرع أثناء دخوله للبيت الأبيض».. حقيقة الصورة المتداولة    الاتحاد الأوروبي يخطط لإنشاء وحدة استخباراتية جديدة لمواجهة التهديدات العالمية المتصاعدة    كاف يخطر الزمالك بموعد مباراتي زيسكو وكايزر تشيفز في بالكونفدرالية    دويدار يهاجم زيزو بعد واقعة السوبر: «ما فعله إهانة للجميع»    ليفربول يبدأ مفاوضات تجديد عقد إبراهيما كوناتي    الجيش الملكي يعلن موعد مباراته أمام الأهلي بدوري أبطال إفريقيا    تخفيض النفقة وقبول الاستئناف.. قرار جديد بشأن أبناء الفنان أحمد عز وزينة    جريمة تهز شبرا الخيمة.. شاب يطلق النار على والدته وينهي حياتها    وفاة نجل نائب حلايب وشلاتين وابن شقيقته في حادث مروع    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    حادث مأساوي في البحر الأحمر يودي بحياة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    مهرجان القاهرة يعلن القائمة النهائية لأفلام البانوراما الدولية في دورته ال46    أكاديمية الأزهر تعقد ندوة مسائل الفقه التراثي الافتراضية في العصر الحديث    بعد أزمة صحية حادة.. محمد محمود عبد العزيز يدعم زوجته برسالة مؤثرة    وزارة الصحة تُطلق خطة استدامة القضاء على الالتهاب الكبدي الفيروسي 2025-2030    تعيين أحمد راغب نائبًا لرئيس الاتحاد الرياضي للجامعات والمعاهد العليا    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    انتخابات مجلس النواب 2025.. «عمليات العدل»: رصدنا بعض المخالفات في اليوم الثاني من التوصيت    الهلال السعودي يقترب من تمديد عقدي روبن نيفيز وكوليبالي    غضب بعد إزالة 100 ألف شجرة من غابات الأمازون لتسهيل حركة ضيوف قمة المناخ    تقنيات جديدة.. المخرج محمد حمدي يكشف تفاصيل ومفاجآت حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي ال46| خاص    مفوضية الانتخابات العراقية: 24% نسبة المشاركة حتى منتصف النهار    «هيستدرجوك لحد ما يعرفوا سرك».. 4 أبراج فضولية بطبعها    بسبب الإقبال الكبير.. «التعليم» تعلن ضوابط تنظيم الرحلات المدرسية إلى المتحف المصري الكبير والمواقع الأثرية    «رجال يد الأهلي» يواصل الاستعداد للسوبر المصري    وزير الصحة يبحث مع «مالتي كير فارما» الإيطالية و«هيئة الدواء» و«جيبتو فارما» سبل التعاون في علاج الأمراض النادرة    الأزهر للفتوي: إخفاء عيوب السلع أكلٌ للمال بالباطل.. وللمشتري رد السلعة أو خصم قيمة العيب    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    علي ماهر: فخور بانضمام سباعي سيراميكا للمنتخبات الوطنية    دار الافتاء توضح كيفية حساب الزكاة على المال المستثمر في الأسهم في البورصة    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    شاب ينهي حياة والدته بطلق ناري في الوجة بشبرالخيمة    الرئيس السيسي يوجه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي    «سنة و50 يومًا» يحتاجها زائر المتحف المصري الكبير لمشاهدة كل القطع الأثرية المعروضة (تحليل بيانات)    تايوان تجلى أكثر من 3 آلاف شخص مع اقتراب الإعصار فونج وونج    البورصة المصرية تخسر 2.8 مليار جنيه بختام تعاملات الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    إدارة التعليم بمكة المكرمة تطلق مسابقة القرآن الكريم لعام 1447ه    رئيس مياه القناة يتابع سير العمل بمحطات وشبكات صرف الأمطار    الجيش السودانى يتقدم نحو دارفور والدعم السريع يحشد للهجوم على بابنوسة    بعد غياب سنوات طويلة.. توروب يُعيد القوة الفنية للجبهة اليُمنى في الأهلي    وفد من جامعة الدول العربية يتفقد لجان انتخابات مجلس النواب بالإسكندرية    «رحل الجسد وبقي الأثر».. 21 عامًا على رحيل ياسر عرفات (بروفايل)    محافظ الإسكندرية: انتخابات النواب 2025 تسير بانضباط وتنظيم كامل في يومها الثاني    "البوابة نيوز" تهنئ الزميل محمد نبيل بمناسبة زفاف شقيقه.. صور    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    وزير الصحة يبحث مع نظيره الهندي تبادل الخبرات في صناعة الأدوية وتوسيع الاستثمارات الطبية المصرية - الهندية    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراع حول جمهورية 25 يناير
نشر في المصري اليوم يوم 25 - 01 - 2012


مر عام على اندلاع ثورة 25 يناير، فأين نقف الآن؟
الثورة في ظني تعيش مفارقة، بل وتناقضًا، بين ما أنجزته من هدم وما تكافح من أجله من بناء. فصحيح أنها نجحت بسهولة نسبية في إسقاط «جمهورية يوليو» كنظام للحكم توارثناه على مدى ستين عامًا، لكن الصراع لايزال ضاريًا حول شكل ومضمون «جمهورية يناير» التي من المفترض أن تحل محل الجمهورية البائدة.
جمهورية يوليو
مثَّل انتصار جمال عبد الناصر في أزمة مارس 1954 البداية الحقيقية ل«جمهورية يوليو»، وبالرغم من الاختلافات الكبيرة في التوجهات السياسية والاقتصادية، الخارجية والداخلية، للرؤساء الذين تتابعوا علينا في ظل تلك الجمهورية، فإن ما جمعهم جميعًا، كديكتاتوريين أصلاء، كان بناء وإتقان نظام للهيمنة الطبقية يقوم على مصادرة ثم تصفية أي تعبير سياسي مستقل عن الاحتقانات الاجتماعية، الفئوية، الإثنية أو الطائفية، التي لم يكن هناك شك في وجودها في مجتمع طبقي قهري كالذي عشنا في ظله، مع تنويعات، على مدى العقود الفائتة.
وقد واجهت «جمهورية يوليو» على مدى عمرها أزمات وصدمات، بدءًا من هزيمة 1967 الكاسحة، ومرورًا بانتفاضات الطلاب والعمال في 1968 و1971-72، والانتفاضة الشعبية في 1977، واغتيال السادات في 1981، وتمرد جنود الأمن المركزي في 1986، وانتهاءً بالمواجهات الدامية بين النظام والإسلاميين في السنوات من 1992 إلى 1997. لكنها، أقصد الجمهورية، نجحت في امتصاص الصدمات وتعديل المسارات بما مكنها من الاستمرار، بل وأحيانا تجديد الحياة وتمتين الجذور.
على أن السنوات العشر الأخيرة من عمر تلك الجمهورية، على الأقل، شهدت تحولات نوعية، بعد أن أخذ أساسها الاجتماعي يتآكل حتى إن التناقض بين النظام السياسي والمجتمع بأسره بات صارخًا.
ينسى كثيرون أن الثورات تندلع ليس فقط عندما تستفحل التناقضات بين النظام والطبقة الحاكمة وجماهير الشعب، ولكن أيضا عندما تشتعل الصراعات بين أجنحة الطبقة الحاكمة ذاتها، وعلى ذلك، كان واحدًا من أبعاد الأزمة التي مهدت ليناير 2011 هو تناقض نظام مبارك- الطبعة الأخيرة من جمهورية يوليو- مع قاعدته الطبقية ذاتها.
نمت في ظل مبارك طبقة رأسمالية جديدة مرتبطة عضويًا بالنظام السياسي، اتسع نشاط تلك الطبقة وامتد إلى حد أنها أصبحت مسيطرة على مفاصل الاقتصاد ثم بدأت، بالذات عبر مشروع التوريث، في بسط هيمنتها السياسية. الدلالة الرئيسية للتوريث لم تكن في تحول الجمهورية إلى ملكية وراثية، رغم أهمية هذه النقطة، ولكن في صعود النفوذ السياسي لطبقة البيزنيس الجديدة.
المشكلة في هذا الصعود كانت ذات شقين، الأول هو أن الطبيعة الزبائنية للرأسمالية الجديدة في مصر عنت أن حفنة صغيرة فقط من الرأسماليين نجحت، عبر علاقاتها برجال الدولة ورموز النظام، في حصد ثمرة السياسات الليبرالية الجديدة الشرسة التي تم اتباعها، ففي مقابل أحمد عز وأحمد المغربي، كان هناك عشرات، وربما مئات، من الرأسماليين يشعرون بالحقد والضيق لأنهم مستبعدون من حفلة النهب.
الشق الثاني يتعلق مباشرة بالجيش، وأنا هنا أعني الشريحة القيادية في القوات المسلحة وعلى رأسها الأعضاء الحاليين في المجلس الأعلى، ذلك أن إحدى النتائج الجانبية لصعود رجال البيزنيس كان، إلى جانب تهميش الحرس القديم في النظام الحاكم وبيرقراطية الدولة، تهميش الجيش كفاعل رئيسي، حتى ولو غير معلن، في السياسة المصرية.
صحيح أن الجيش حافظ على هيمنته الاقتصادية على نسبة هائلة من الاقتصاد المصري، وصحيح أن بزنسة نشاط الجيش الاقتصادي ظلت تسير على قدم وساق، لكن الدور السياسي-السيادي للجيش تقلص وأصبح مجرد متفرج على "عيال بشورت ومعاهم فلوس" يحددون مصير البلاد والعباد.
هكذا أصبحت جمهورية يوليو، على يد نظام مبارك، متناقضة حتى مع أركان رئيسية في الطبقة الحاكمة وأجنحة شديدة الجوهرية في جهاز الدولة. هذا في وقت كانت السياسات المطبقة، سواء الاقتصادية أو الخارجية، تغذي أعمق التناقضات بين الحكام والمحكومين وبين رجال النظام والمعارضين، إذ رأينا آثار السياسية الليبرالية الجديدة التي أدت إلى صعود أوسع حركة عمالية واجتماعية شهدتها مصر منذ الأربعينيات، ورأينا كذلك كيف أن انهيار عملية السلام، الذي نتج عن توحش الإمبريالية الجديدة وعربدتها في المنطقة، قد وضع النظام المصري في خانة العدو الأول للحركة الشعبية والجماهيرية.
الصراع على «جمهورية يناير»
إذن، فقد اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير تعبيرًا عن تناقضات مركبة وكثيرة، سواء داخل الطبقة الحاكمة أو بينها وبين الجماهير، والأكيد أن الطبقة الحاكمة بأكملها، خاصة تلك الأجنحة التي كانت متضررة من نظام يوليو في طبعته المباركية، لا تسعى إلى ترميم النظام الساقط بالمعنى السياسي الضيق، هم يعلمون أنه من غير الممكن الآن استعادة الحكم الديكتاتوري التقليدي، هم متأكدون أن شكلًا ما من أشكال الديمقراطية على النمط الغربي لا مفر منه في مصر بعد 25 يناير.
المعركة الحقيقية لهؤلاء، وعلى رأسهم الجيش، هي الحفاظ على المضمون برغم تغيير الشكل، أو بحسب التعبير الشائع «صب الخمر القديم في أقنية جديدة»، وفي ظني أن جوهر تلك المعركة وعنوانها الرئيسي، في المرحلة الراهنة، هو «الديمقراطية من أعلى في مقابل الديمقراطية من أسفل»، بتعبير آخر: لسان حال أصحاب الثروة والسلطة يقول: «لم تعد الديكتاتورية التقليدية ممكنة، وليس أمامنا إلا الانخراط في لعبة الانتخابات النزيهة وتداول السلطة، لكن علينا أن نصمم نظامًا ديمقراطيًا يجعل هذا التداول آمنًا ومقتصرًا على القوى العاقلة الفاهمة للتراتبية السائدة والمصالح المهيمنة والساعية للحفاظ عليها، وعلينا، والحال هكذا، أن نمنع ديمقراطية الشارع من فرض سيطرتها على ديمقراطية الصندوق».
وفي مواجهة المسعى الشرس للطبقة الحاكمة وأنصارها وإصلاحييها لحصر 25 يناير في مجرد صندوق نظيف، نجد أن ثورة يناير مازالت تناضل بشراسة ضد من يريدون للديمقراطية (من أعلى) أن تكون شكلًا جديدًا لحكم نفس المصالح والقوى.
والحقيقة أن المغزى الأساسي لاستمرار حركة الشارع في كل مصنع وحي حتى لحظتنا هذه هو تحطيم الحلم البرجوازي- الإصلاحي بعودة الأمور إلى طبيعتها بحيث «نقرر نحن المحترمون المنتخبون ما الذي يمكن عمله لإرضاء الشعب».
البرجوازية لا تطيق سياسة الشارع لأنها، بالضرورة، تهديد لجوهر فكرة الهيمنة الطبقية، فلو كانت الجماهير هي من يقرر، بشكل مباشر، ما الذي يمكن عمله ومتى وبأي وسيلة، فكيف إذن تصمد أدوات السيطرة الطبقية القائمة على أن هناك حفنة من المؤهلين هم وحدهم القادرون على تحديد مصير المجتمع؟
لكن الثورة في أعمق معانيها تمثل تحطيمًا لهذا الصنم بالذات، وبهذا المعنى، فإن أساس استمرارية الثورة يعني، حتى قبل تحقيق هذا المطلب أو ذاك من مطالبها، استمرار الحركة في الشارع حتى يتم تفكيك مفاصل النظام (السياسي والاقتصادي والاجتماعي) القديم من أسفل. لن تنتصر الثورة بتوكيل «بعض الناس» بتحقيق أهدافها، حتى لو كانوا منتخبين في أكثر الانتخابات نزاهة في التاريخ.
المعضلة هنا أن استمرار حركة الجماهير واستمرار ثقتها بنفسها تحتاج، هي ذاتها، إلى توفر عوامل ذاتية وموضوعية كثيرة بعضها نفتقده بشده، لكن هذا شأن آخر يحتاج إلى مناقشة منفصلة.
الآن علينا أن نواصل كفاحنا، وليكن شعارنا في ذكرى مرور عام على 25 يناير: ثورتنا مستمرة في المصنع والحقل والجامعة والشارع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.