قبل اليوم بنحو 20 عامًا، بالتحديد في عام 2004، كان جهاز الشاباك يلعب لعبته المعتادة بالعمل على تجنيد فلسطينين من داخل غزة لتنفيذ عمليات تستهدف قادة المقاومة، وبالفعل نجح في الوصول إلى أحد أفراد كتائب القسام، وبعد إحكام قبضتهم عليه وإغرائه بالمال والأمان، وافق الأخير على أن يعمل لصالح الشاباك، وبدأ بالفعل في تسريب معلومات عن الأنفاق ومسارات بعضها. ما كان من «القسامي» إلا أن أخبر قائده فوزي أبوقرع، بما حدث معه، ليشرف الأخير على عملية استدراج واستهداف وحدة من الشاباك للتعرف أكثر على النفق وتقييم خطورته. النفق المزمع الكشف عنه كان يقع في شرق مدينة غزة، وبالفعل تم إعلام ضابط الشاباك بالوقت المناسب لزيارة النفق، في الوقت ذاته كانت كتائب القسام نجحت في تفخيخ النفق الواقع بين حاجز «كارني» ومستوطنة «ناحل عوز» بما يقرب من طن ونصف من المفتجرات، وتركت خلفها الاستشهاديان مؤمن رجب وأدهم حجيلة لاستدراج الوحدة العسكرية التابعة للشاباك وتفجير النفق بهما. أعادت واقعة اغتيال وأسر عدد من جنود الاحتلال داخل أحد الأنفاق في قطاع غزة من قبل كتائب المقاومة الفلسطينية إلى الذاكرة العمليات النوعية التي نجحت فيها كتائب المقاومة في إلحاق الأذى بضباط الشاباك، فضلا عن هدم أسطورة جهاز الأمن الأقوى في الشرق الأوسط، بل أحد أقوى أجهزة الاستخبارات عالميا. محطات فشل ما بعد هجوم 7 أكتوبر على مدار 7 عقود، نجح الموساد «جهاز المخابرات في دولة الاحتلال» في تصدير انطباع أنه أحد أقوى 10 أجهزة حول العالم- ثبت مع الأيام خطأ تلك المقولة – لم تضيع إسرائيل فرصة أن تصنع صورة ذهنية مضخمة عن إمكانيات جهاز الاستخبارات الإسرائيلي ومدى ضلوعه بالعديد من الدول ودوائر صنع القرار في الحكومات، فضلا عن حضوره الراسخ في العالم من حولنا وقدرته على التخطيط والتنفيذ دون أن يترك خلفه أثرًا يذكر. حتى جاء يوم 7 أكتوبر الماضي، عندما نجحت المقاومة من اختراق إسرائيل وتنفيذ عملية نوعية في الداخل الإسرائيلي والإجهاز على ما يقرب من عشرة ضباط من جهاز الشاباك، فضلا عن حصولهم على أسرى، الأمر كله كان مفاجئ ومثل ضربة قوية لدولة إسرائيل وأجهزتها الاستخباراتية. قبل الهجوم بفترة ليست بسيطة، جاء التقرير الدوري للأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، للتأكيد على أن كتائب المقاومة لا تمتلك القدرة على شن هجوم واسع تجاه إسرائيل. قيمة هجوم 7 أكتوبر أكبر من النتائج الميدانية، ولكن قيمته الأكبر في هز صورة الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية وقدراتها الخارقة في تقويض حركات المقاومة. الفشل في الوصول إلى قيادات حماس فور وقوع هجوم 7 أكتوبر، رفعت إسرائيل ممثلة في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شعارا واحدا هو «القضاء الكامل على حماس»، والانتهاء من قادتها عن بكرة أبيها، وعلى مدار ما يقرب من 230 يوما من الغزو البربري والدمار الشامل على قطاع غزة، إذ وصل عدد الشهداء جراء العدوان الإسرائيلي إلى 35984 شهيد و80643 اصابة. على الرغم من عدد الوفيات الضخم وحالة الدمار التي لحقت بالقطاع، إلا أن الموساد والشاباك وأمان وهي أجهزة الاستخبارات الثلاثة للكيان الإسرائيلي، لم تنجح في تحقيق الوعد الذي أطلقه نتنياهو وهو القضاء على حماس وقادتها. الفشل في الوصول للأسرى كان الهدف الأكبر الذي تقود خلاله إسرائيل حرب مدمرة في قطاع غزة، هو العمل على عودة الأسرى إلى عائلاتهم، وهو ما أعتبره «نتنياهو» السبب الجوهري لاستمرار الحرب، لاحقا ثبت خطأ نتنياهو وانكشفت نواياه بوضوح، إذ رفض كافة محاولات الاتفاق حول صيغة لعودة الأسرى إلى عائلاتهم لوقف شلالات الدم. وحتى كتابة هذه الكلمات، أي مرور ما يزيد عن 230 يوما على الحرب، لم ينجح نتنياهو حكومته وأجهزته الاستخباراتية في إعادة أي من الأسرى عن طريق القوة. أسر جنود جديدة خلال الحرب على الرغم من أن السبب الرئيس لخوض إسرائيل حربها ضد غزة هو عودة الأسرى إلى عائلاتهم، لكن يبدو أن كتائب المقاومة أكثر مكرا من الكيان الصهيوني بالرغم من القدرات الضخمة والدعم الكبير من الدول الغربية. وفي ظهور مفاجئ، أعلن المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام – الذراع العسكري لحركة حماس – أبوعبيدة نجاحهم في تنفيذ عملية أسر جديدة لجنود إسرائيليين في قطاع غزة. وقال أبوعبيدة: «نفذنا عملية مركبة واستدرجنا قوة صهيونية لأحد الأنفاق وأوقعناهم جميعًا بين قتيل وجريح وأسير»، ليؤكد على الفشل المستمر من الأجهزة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، جاءت تلك العملية النوعية للتأكيد على ضعف وهشاشة النظام الامني والعسكري الإسرائيلي في مواجهة مجموعة متفرقة من كتائب المقاومة يعملون تحت الأرض وفي ظروف ضاغطة. إعلامي مصري يتحول لمطلوب في إسرائيل لعل تلك الحادثة خير دليل على الأسطورة الهزلية التي صنعتها إسرائيل عن أجهزتها الاستخباراتية، إذ نشر جهاز الشاباك صورة للإعلامي وعضو مجلس الشعب، محمد شبانة، واصفا إياه ب«قائد لواء رفح» في كتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة «حماس»، زاعما على نجاحه في تصفيته ضمن عدد كبير من القادة التابعين لحركات المقاومة، وهو ما أثار موجة سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. يوم تلو الآخر، تنكشف الخديعة الكبرى للكيان الصهيوني وقدراته الخارقة، ويسقط في سلسلة من الهزائم والاخفاقات التي أضرت بصورته التي عمل لعقود من الزمن على بنائها وتكوينها في العقل اجلمعي العالمي بكونه أحد أقوى أجهزة الاستخبارات حول العالم.