«بلتشلي».. قصة حديقة عجلت بإنهاء الحرب العالمية الثانية واستضافت القمة الأولى للذكاء الاصطناعي

في محاولة جديدة من المحاولات التي يبذلها العالم أجمع لوضع ضوابط ل«الذكاء الاصطناعي» لضمان نشره وتطويره بطريقة آمنة، وكذلك الحد من مخاطره في ظل توسع استخدامه بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وقعت عددًا من الدول أول إعلان عالمي بشأن سلامة الذكاء الاصطناعي.
ووقعت أمس الأربعاء 28 حكومة بينها الولايات المتحدة والصين، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، على ما يسمى ب «إعلان بلتشلي»، في اليوم الأول من القمة العالمية الأولى لسلامة الذكاء الاصطناعي، التي تستضيافها الحكومة البريطانية اليوم وأمس.
إعلان بلتشلي
مع كشف الستار عن «الإعلان» الذي سُمى باسم المقر الذي انعقد به «بلتشلي بارك»، أرجع هذا الحدث العديد من الأشخاص إلى أحداث الحرب العالمية الثانية، عندما اتُخذت «حديقة بلتشلي» (بلتشلي بارك) مكانًا لتحليل وفك العديد من الشفرات السرية لدول المحور وأشهرها الشفرة السرية من «آلة إنجما» الألمانية، الأمر الذي ساعد الحلفاء (وهم 50 دولة منهم فرنسا وبولندا وبريطانيا) على الانتصار والتعجيل بحسم المعركة وانتهاءها بعد 6 سنوات.
وتُعتبر «بلتشلي بارك»، مؤسسة تشفير تابعة للحكومة البريطانية كانت تعمل خلال الحرب العالمية الثانية، واكتسبت أهميتها التاريخية في مجال علوم الكمبيوتر والابتكار، لدورها كمركز رئيسي لآلة إنجما، لفك الرموز في الحرب العالمية الثانية، إذ كانت الحديقة هي المكان الذي قام فيه عالم الرياضيات آلان تورينج وغيره من عملاء مشروع «آلترا انتجليجنس» لفك رموز ورسائل الأعداء السرية، وأبرزها تلك التي تم تشفيرها باستخدام آلات التشفير الألمانية «إنجما» و«توني».
فمنذ عام 1941 فصاعدًا، ركز خبراء بلتشلي على فك الرموز التي تستخدمها الغواصات الألمانية في المحيط الأطلسي، وفي مارس 1941، عندما تم الاستيلاء على سفينة الصيد الألمانية المسلحة «كريبس» قبالة النرويج مع آلات إنجما، تمكن الحلفاء أخيرًا من قراءة كود إنجما البحري الألماني، واكتشاف المكان الذي كان يتم اصطياد سفنهم.
آلة إنجما
يذكر أن «آلة إنجما» هي جهاز تشفير تم تطويره واستُخدم في أوائل القرن العشرين إلى منتصفه، بهدف حماية الاتصالات التجارية والدبلوماسية والعسكرية، وتم استغلاله على نطاق واسع من قبل ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، في جميع فروع الجيش الألماني.
واعتقد الألمان، أن استخدام «آلة إنجما» ستمكنهم من التواصل بشكل آمن في ظل عدم معرفة الإعدادات الدقيقة للآلة، لذلك كان من المستحيل فك الشفرة، وهذا ما حدث عكسه تمامًا عندما أُنشأ قسم أبحاث إنجما في إنجلترا مع احتمال نشوب حرب، فعمل مجموعة من علماء الرياضيات والتشفير، الذين طوروا آلة معقدة تسمى «القنبلة»، لفك تشفير الرسائل المشفرة، ليتم كسر رسائل «إنجما» الأولى خلال الحرب في يناير 1940.
بلتشلي بارك
وبالعودة مرة أخرى ل «بلتشلي بارك»، يجب معرفة أنها كانت تقع في باكينجهامشير بإنجلترا، على بعد حوالي 80 كم شمال غرب لندن، بالقرب من خط السكة الحديد الذي يخدم جامعتي أكسفورد وكامبريدج، وهي عبارة عن قصر فيكتوري يحيطه 58 فدانًا من الأراضي، استحوذت عليها الحكومة البريطانية في عام 1938 وجعلتها محطة تابعة لمدرسة الكود والشفرات الحكومية.
وفي بداية الحرب العالمية الثانية في عام 1939، بلغ عدد العاملين في المحطة 200 عاملا، وبحلول أواخر عام 1944، تم الاستحواذ عليها، وبعدها بلغ عدد الموظفين حوالي 9000 موظفا، وكان من بين الذين تم تعيينهم خبراء في حل الألغاز المتقاطعة والشطرنج، بالإضافة إلى علماء الرياضيات والعلماء، وكان حوالي ثلاثة أرباع العمال من النساء.
ولتسهيل عملهم، تم تصميم وبناء المعدات، وأبرزها الآلات الكهروميكانيكية الضخمة لتحليل الشفرات والتي تسمى «القنابل»، وفي وقت لاحق وتحديدًا في شهر يناير 1944، ظهر مبكرا الحاسوب «كولوسوس».
تم بناء العشرات من المباني الخشبية الملحقة بالقصر، وكانت تسمى أكواخًا، ثم ما لبثوا أن أقاموا ببناء مباني جديدة أخرى من الكتل الأسمنتية، وتم ترقيمها بالحروف والأرقام، ليشهد كوخ 8 فك شفرة الألمان في سرية تامة بموجب أمر قضائي، ولم يتم رفعه حتى بعد انتهاء الحرب، ليخرج إلى النور بعد نشر مذكرات «السر الفائق»، ويتعرف العالم على ما تم تحقيقه في «بليتشلي بارك» خلال الحرب العالمية الثانية.
«بلتشلي بارك» والقمة العالمة الأولى لسلامة الذكاء الاصطناعي
وعن أسباب وقع الاختيار على «بليتشي بارك» لإقامة جلسات القمة العالمية الأولى حول سلامة الذكاء الاصطناعي، برر ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، ذلك في تصريحات سابقة قائلًا: «تعتبر المملكة المتحدة منذ وقت طويل موطنًا لتقنيات المستقبل التحويلية، بالتالي لا يوجد مكان أفضل من «بلِتشلي بارك» لاستضافة أول قمة عالمية على الإطلاق لسلامة الذكاء الاصطناعي خلال شهر نوفمبر المقبل».