لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    الأوقاف: التبرعات ممنوعة بالمساجد .. ورقابة على صناديق النذور | فيديو    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    فى ليلة شم النسيم.. إقبال كثيف على محلات بيع الفسيخ فى نبروه||صور    يمن الحماقي: لا توجد استراتيجية واضحة للصناعة في مصر.. وكل قطاع يعمل بمفرده    أستاذ اقتصاد: المقاطعة لعبة المستهلك فيها ضعيف ما لم يتم حمايته    استشهاد 9 فلسطينيين جراء قصف إسرائيلي على منزل في رفح    ردا على إطلاق صواريخ.. قصف إسرائيلي ضد 3 مواقع بريف درعا السوري    بوتين يحقق أمنية طفلة روسية ويهديها "كلب صغير"    لافروف: الغرب لا يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا    باحث: العلاقات بين السودان وتشاد تشهد حالة من التوتر    قبل معسكر الفراعنة.. «الجبلاية» يلبى طلبات الجهاز.. و«علام»: ندعم المنتخب للتأهيل للمونديال    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    خالد مرتجي يرد على مريم متولي: محدش كلمك ومش هترجعوا الأهلي.. فيديو    تعرف على نتيجة مشروع متطوعي وزارة الشباب والرياضة المقام بمطروح والمحافظات الفائزة    أفضل موبايل سامسونج للفئة المتوسطة بسعر مناسب    مصرع وإصابة 6 في حادث انقلاب تروسيكل بمطروح    بإمكانيات خارقة حتدهشك تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 4 Lite    سعرها صادم.. ريا أبي راشد بإطلالة جريئة في أحدث ظهور    الباشا.. صابر الرباعي يطرح برومو أغنيته الجديدة    مدير مكتبة الإسكندرية: الوثيقة لها نظام معين في العرض وليست متاحة للعامة    فلسطين تزين مسيرة سام مرسي قائد إيبسويتش تاون    موعد مباريات اليوم الإثنين 6 مايو 2024| إنفوجراف    طارق مجدي يدير مباراة الجيش والمصرى بالدوري    خبير تحكيمي: مستوى البنا في تراجع شديد.. وسموحة يستحق ركلة جزاء أمام الزمالك    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 3 من جنوده خلال هجوم عند معبر كرم أبو سالم    مصر في 24 ساعة|اعرف طقس شم النسيم وتعليق جديد من الصحة عن لقاح أسترازينيكا    الميزانية السعودية تحقق بالربع الأول العام إيرادات بلغت 293.4 مليار والعجز 12.4 مليار ريال    رياح قوية وسقوط أمطار .. الأرصاد تكشف توقعات طقس الغد على سواحل مطروح    أمطار خفيفة على المدن الساحلية بالبحيرة    كيف استعدت الإسكندرية لاستقبال الضيوف خلال إجازة شم النسيم؟.. "السياحة" توضح    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    3 قتلى و15 مصابًا جراء ضربات روسية في أوكرانيا    عمرو أديب: «مفيش جزء خامس من مسلسل المداح والسبب الزمالك» (فيديو)    أمين الفتوى: الله شرف مصر أن تكون سكنا وضريحا للسيدة زينب    نافس عمالقة ووصل بالأغنية السعودية للقمة.. تعرف على رحلة «فنان العرب» محمد عبده    نقابة البيطريين تحذر من تناول رأس وأحشاء الأسماك المملحة لهذا السبب    عضو الجمعية المصرية للمناعة يقدم نصائح طبية قبل شم النسيم (فيديو)    لدعم صحة القلب والتخلص من الحر.. 5 عصائر منعشة بمكونات متوفرة في مطبخك    حزب الله: استهدفنا مستوطنة مرغليوت الإسرائيلية بالأسلحة الصاروخية    منافسة بين آمال وأنغام وشيرين على أغنية نجاة.. ونبيل الحلفاوي يتدخل (فيديو)    فحص 482 حالة خلال قافلة طبية مجانية في الوادي الجديد    نائب سيناء: مدينة السيسي «ستكون صاعدة وواعدة» وستشهد مشاريع ضخمة    الوزير الفضلي يتفقّد مشاريع منظومة "البيئة" في الشرقية ويلتقي عددًا من المواطنين بالمنطقة    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى ذكرى مرور 50 عامًا على رحيل طه حسين .. فى «عزبة الكيلو» بمغاغة اختفى الأثر وداخل صفحات التاريخ «عاش العميد»

«من منا لا يحب العميد وكروانه»، جملة وردت على لسان إحدى شخصيات رواية «نساء القاهرة دبى»، للروائى المصرى ناصر عراق، ذاك المغرم بطه حسين، فكره وأدبه ونضاله فى الحياة والحب والأدب.
لم يكن طه حسين أستاذًا جامعيًّا مرموقًا ومفكرًا تقدميًّا عصريًّا مستنيرًا من طراز فريد فحسب، بل كان قيمة شامخة فى مواقفه التى لا تناقض أفكاره ورؤاه.
اليوم 28 أكتوبر، تحل ذكرى مرور نصف قرن على رحيل طه حسين، عميد الآدب العربى، الذى توفى عام 1973، بعد أيام قليلة من انتصار أكتوبر المجيد، عن عمر يناهز 84 عامًا، تاركًا خلفه تاريخًا كبيرًا ورصيدًا من العلم والثقافة والأدب.
عميد الأدب العربي طه حسين
فى الذكرى 50 لرحيل العميد، تروى «المصرى اليوم» حكايات جديدة عن حياته، هناك فى عزبة الكيلو، بمدينة مغاغة، مسقط رأسه، وعن علاقته بالشيخ محمد الغريب، الذى تولى تحفيظه القرآن الكريم، وعن رفقة صديقه «المخزنجى» فى القاهرة.
فبينما يحفظ التاريخ مجلدات وحكايات عن عميد الأدب العربى، وفيما تتزين باسمه شوارع وميادين ومكتبات، وقاعات دراسية، فى كل بقاع المحروسة، تبقى استراحة طه حسين، بالمنطقة الأثرية بتونة الجبل فى المنيا، ورغم التغيرات المناخية، ورغم إعادة ترميمها وصيانتها وإدخال الكهرباء والمياه لها، شاهدة على عصر كان فيه طه حسين ملء السمع والبصر، ليس فى مصر وحدها بل فى العالم كله، شرقه وغربه.
هنا فى المنيا، يبقى جيل الأبناء والأحفاد ليروى ذكريات الآباء والأجداد، كاشفًا تفاصيل جديدة فى حياة العميد، أبرزها حكاياته مع الشيخ الغريب، محفظ القرآن الكريم، الذى رفض لقاء طه حسين بالقاهرة، كذلك رحلته مع الشيخ توفيق المخزنجى، للدراسة بالأزهر الشريف.
تمثال عميد الأدب العربى
خالد حسن مصطفى المخزنجى، 48 سنة، مفتش بشركة مياه الشرب، حفيد المخزنجى، أحد رموز عصر طه حسين، يقول ل«المصرى اليوم»: كان والدى يعمل مخزنجيًّا فى شركة السكر بمدينة مغاغة، وكانت تعرف بالفبريكة، وشهرتها الفوريقة، وكانوا يسكنون فى عزبة الكيلو، وكان والد الدكتور طه حسين يعمل «قبانى» على ميزان السكر، وكان «طه»، وجدى، الشيخ توفيق المخزنجى، يحفظان القرآن معًا، وسافرا للدراسة فى الأزهر الشريف، وتمرد جدى على أكل العسل والجبن، وعاد لمائدة اللحوم عند والده، فيما أكمل طه حسين تعليمه، حتى أصبح عميدًا للأدب العربى.
ويضيف «خالد»: «تغيرت جغرافية المكان فى عزبة الكيلو، لكن التاريخ لم يتغير، توارثه الأبناء والأحفاد، واستبدلت المنازل بالأبراج والعمارات السكنية، وتحولت الشوارع إلى محلات ومناطق تجارية، ولم يبق سوى اسم طه حسين على أكبر شوارع مدينة مغاغة، يتصدره قاعدة تمثاله، مع إطلاق اسم جدى (المخزنجى) على الشارع الرئيسى فى عزبة الكيلو».
حديقة طه حسين
المهندس أحمد حسن مصطفى، 43 سنة، حفيد المخزنجى، أكد أن منزل والد عميد الأدب العربى كان على مساحة 60 مترًا، وقد تم تداول بيعه، حتى أصبح عمارة سكنية مكونة من 4 أدوار، أسفلها محلات تجارية وأعلاها عيادات الأطباء ومعمل تحاليل، مؤكدًا أنه لم يبق سوى أسماء العلماء على الشوارع والميادين.
وتكشف الحاجة زكية محمود غريب، 60 سنة، تاجرة خضروات، حفيدة الشيخ غريب، تفاصيل جديدة عن حياة طه حسين، مع جدها مُحفظ القرآن الكريم، قائلة: «رحل جدى عن عالمنا لعمر يناهز مائة عام، وقد حرصنا على التقاط الصور التذكارية له قبل رحيله بشهور، وترك لنا المصحف الذى كان يحفظ منه طه حسين القرآن، وأكد لنا أنه كان يُحفظ القرآن لعميد الأدب العربى، وأثناء سفر أسرة العميد بالقطار، تخلف عنهم وعاد إلى منزل (الغريب) ليعيش فيه، حتى عاد أهله واصطحبوه إلى منزلهم الجديد فى القاهرة، وبعد تعلمه فى الأزهر والخارج، أرسل طه حسين سيارة من القاهرة لاصطحاب جدى إلى القاهرة لمقابلته، فرفض جدى، وقال: (الأستاذ لا يذهب إلى تلميذه)».
منزل طه حسين فى تونة الجبل بالمنيا
وتضيف الحاجة زكية: «وعقب وفاة جدى، تم بيع منزله والكُتاب، وشيدت عمارات سكنية بدلا منهما، وأصبحت عزبة الكيلو منطقة سكنية وتجارية اختفت معها مظاهر العزبة، لترتدى ثياب المدنية».
ويقول الحاج نبيل عبد الغفار، 75 سنة، موجه سابق بالتربية والتعليم، أحد أبناء عزبة الكيلو، إنه افتتح مكتبة عام 1978، لبيع كتب ومطبوعات طه حسين، تخليدًا لذكراه، ولم يكن هناك تمثال أو شارع ل«طه حسين»، فتم إطلاق اسمه على المكتبة.
وقال الدكتور أحمد الجهمى، عميد كلية الآداب السابق بجامعة المنيا: «شيد الدكتور سامى جبرة، أستاذ الحفريات الأثرية بجامعة القاهرة، منزلًا لصديقه الدكتور طه حسين، بجوار استراحة منطقة تونا الجبل، غرب ملوى، خلال خمسينيات القرن الماضى، مشيرا إلى أن الدكتور طه حسين كان له دور كبير فى الكشف عن الآثار بدعم من أمواله الخاصة، معلنًا إعادة جامعة المنيا ترميم استراحة طه حسين، فى تونا الجبل، وتوصيل المياه والكهرباء لها، حيث تضم مخزنًا للمعدات الخاصة بحفريات المنطقة.
ويشير جمال السمسطاوى، رئيس منطقة آثار مصر الوسطى، إلى أن الدكتور سامى جبرة شيد استراحة العميد، تقديرًا لدعمه المالى للحفريات، موضحًا أنهما كانا يحضران معًا إلى المنطقة، ليلة الجمعة، لوضع شمعة وبخور على قبر إيزادورا، ملكة العشق بالمنطقة، مؤكدًا أن الاستراحتين مملوكتان للهيئة العامة للآثار المصرية.
العميد، الذى كتب عددًا هائلًا من الكتب والدراسات، تحولت بعض رواياته لأعمال سينمائية وتليفزيونية، منها: «دعاء الكروان» لأحمد مظهر وفاتن حمامة، سيناريو وحوار يوسف جوهر وإخراج هنرى بركات، و«الحب الضائع» لرشدى أباظة وسعاد حسنى وزبيدة ثروت لذات المخرج والسيناريو، وفيلم «ظهور الإسلام» مع كوكا وعماد حمدى، سيناريو وإخراج إبراهيم عزالدين، فيما تحولت رواية «الأيام» إلى مسلسل تليفزيونى بطولة أحمد زكى ويحيى شاهين وأمينة رزق، إخراج يحيى العلمى وسيناريو أمينة الصاوى.
ووصف الناقد الفنى طارق الشناوى كتابات طه حسين بالسمعية لغلبة الجانب الموسيقى عليها، حتى إن النثر الذى كان يكتبه ملىء بروح الموسيقى، باعتبارها تخاطب الأذن، وهى سمة عامة عند الكاتب الكفيف لكنها متضاعفة عند طه حسين حتى فى إلقائه وأحاديثه التى أبقى عليها الزمن بالسينما والتليفزيون.
وأضاف الشناوى أن الذى جعل السينما تذهب للعميد، رغم اشتراطه الموافقة على السيناريو قبل التصوير، أن هنرى بركات نجح فى إقناعه فى «دعاء الكروان» بأن الدراما غير الأدب، وأن السيناريو الذى يتحول فى نهاية الأمر إلى فيلم ينطبق عليه قانون الدراما وليس قانون الرواية. والرواية العظيمة لا تؤدى بالضرورة إلى فيلم عظيم، فنهاية رواية دعاء الكروان، يتزوج المهندس وآمنة، وهو ما يختلف عن نهاية الفيلم الدرامية، حيث استطاع بركات إقناع طه حسين، خاصة أن العميد كانت لديه مرونة فى التلقى والفهم، لذا يُعد «دعاء الكروان» نقطة فارقة فى حياة طه حسين ولم يغب أداؤه الصوتى بالفيلم عن العمل لما له من عمق دلالى.
وتابع: فى مسلسل الأيام التزم المخرج يحيى العلمى بنسبة كبيرة بالرواية وبهامش الخيال عند العميد، كما كان أداء أحمد زكى أكبر نجاح حققه فى تقديمه لشخصيات كالسادات وحليم وعبدالناصر، لأن الطاقة الإبداعية قد تتبدد بعيدًا عن التقمص، ورغم أنها كانت بدايات أحمد زكى فى البطولة تبقى رقم واحد فى تشخيصه.
الناقدة «دعاء حلمى» ترى أن يوسف جوهر راجع ودقق فى سيناريو الأيام، حتى جاء المسلسل مطابقًا تمامًا لقصة حياة طه حسين، لكن العناصر الفنية المسؤول عنها المخرج تتناسب مع مستوى الفترة الزمنية المذاع فيها المسلسل، فجاءت الجودة غير مبهرة مقارنة بالإنتاج العصرى، لكن القيمة كانت فى القصة نفسها.
ورأت دعاء حلمى أن نهايتى دعاء الكروان والحب الضائع، فى الروايتين أفضل منهما فى السينما، لأن طه حسين انتصر للحب فانتهى «دعاء الكروان» بزواج المهندس من آمنة، وانتهى «الحب الضائع» بزواج ليلى ومدحت، لأن طه حسين كان حالمًا رومانسيًّا يبحث عن الحب ويهاجم العادات والتقاليد والمجتمع الذكورى، على عكس ما قدم فى السينما، حيث أراد المخرج أن يقتص المجتمع من المهندس وكذلك من ليلى ومدحت.
الشاعر والمؤرخ شعبان يوسف روى ل«المصرى اليوم» أنه من 1914 إلى 1919 ذهب العميد لزيارة سعد غلول فى فرنسا وقدم له التحية تقديرًا لدفاعه عن طه حسين حينما قدم أحد المتشددين اقتراحًا بفصل الملحدين من الجامعة، وكان يقصد طه حسين، فتصدى زغلول له رافضًا المقترح، معلنًا أن طه حسين ليس ملحدًا، لكنه مفكر علمانى، ما استدعى من العميد زيارته فى فرنسا لشكره على موقفه.
وأضاف يوسف: انتمى طه حسين فكريًّا لحزب الأحرار الدستوريين حتى 1934، واختصمهم وذهب إلى الحزب النقيض وهو الوفد ومن هنا كان انطلاقه، كتب مقالات فى جميع جرائد الوفد ومنحه مصطفى النحاس صلاحية صحفية فانهالت مقالاته السياسية على الصحف الوفدية.
تمتعت مقالاته بحس سياسى عالٍ بعد ثورة يوليو 1952، ورغم أنه كان وفديًّا، وثورة يوليو دمرت الوفد وصفّت الأحزاب السياسية، إلا أنه رحب بها ترحيبًا شديدًا، وكتب سلسلة مقالات مادحَا ومنتميًا ومدافعًا بشكل كبير عن ثورة يوليو، منها مقال مهم جدًّا بعنوان «أدب الثورة وثورة الأدب»، كما كتب سلسلة مقالات عندما تعرض جمال عبدالناصر لمحاولة اغتيال فى المنشية سنة 54.
أشار يوسف إلى أنه كان حر العقل، صادق أحمد لطفى السيد زعيم حزب الأمة، وعبدالعزيز جاويش زعيم الحزب الوطنى، فى عز تناقض الحزبين، ومع ذلك لم يتحزب، وكان مبدؤه الأول هو الأبعاد الفكرية. عبدالعزيز جاويش متشدد ومسرف فى الحس الوطنى العالى، على عكس أحمد لطفى السيد المعتدل، ورغم التحدى والعداء، كتب طه حسين فى «اللواء» مع الأول، وفى «الجريدة» مع الثانى، وجاءت مقالاته فكرية لا علاقة لها بالسياسة مباشرة، مؤكدًا أنه لا ينتمى لهذا أو ذاك.
ويرى الدكتور خيرى دومة، أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب جامعة القاهرة: أقنعنا بأن الأدب ليس فقط كلامًا مزينًا ولذيذًا وفيه إيقاع، فكان له تصوران للأدب، الأول الإبداعى وهو خاص بكتابة الشعر والرواية، والآخر وصفى يختص بالتعليق على الأدب، ويرى نفسه معلقًا على الأدب قبل أن يكون أديبًا، كما كان حكاء كبيرًا، يكتب التاريخ على هيئة قصص، فحول كل ما كتبه إلى حكايات جذابة وقصص مليئة بالصراعات والدراما ومناقشة النفس، يدخل فى حوار دائم مع قرائه سواء نقدًا أو إبداعًا، فهو لا يكتب ولكنه كان يُملى، وكان مغرمًا جدًّا بفكرة الحديث حتى وهو داخل القصة الخيالية يقطع القصة ويتحدث للقارئ.
فمثلًا فى «المعذبون فى الأرض» يخترق الكلام الخيالى الذى يقدمه عن صفاء أو قاسم أو الشخصيات الموجودة، ثم يذهب للحديث مع القراء ويقول لهم «الذين أتحدث عنهم هم من صناعتى أنا ومن خيالى لكنهم حقيقيون جدًّا أكثر من الحقيقة وسوف تروون مليون قاسم فى حياتكم».
وعن صدامه بالأزهر وحقيقة ارتداده عن الإسلام أوضح دومة ل«المصرى اليوم»: اصطدم بالأزهر والثقافة التقليدية عندما شك فى حقيقة الشعر الجاهلى، وأثيرت الضجة لأن الشعر الجاهلى له تقديس باعتباره متصلًا بالقرآن، فكان يدعو إلى التحرر ورؤية العالم الجديد على أساس علمى، لذا واجه هجومًا شديدًا ولا أستطيع أن أجزم بأنه ارتد عن الإسلام، لأننى لم أدخل فى نواياه الداخلية، ولكن فى حدود علمى أن طه حسين أدى عمرة، وفى أواخر أيامه أدى فريضة الحج، وكتبه عن الإسلام مثل «الوعد الحق» يتناول فيها فقراء المسلمين ويتحدث عن أن الإسلام جاء لنصرة الفقراء ودافع عنهم.
وأشار دومة إلى أن صدامه مع الملكية كان بدافع رغبته فى تحقيق أحلامه فكان مستشار وزير المعارف سنة 1940 مع نجيب الهلالى واجتهدا معًا على فكرة مجانية التعليم، وحققا نتائج جيدة، وعندما صار طه حسين وزيرًا للمعارف عام 1951 حقق مجانية التعليم الثانوى، ولكن الملك والسلطة منعته من تحقيق مجانية التعليم الجامعى، حتى جاءت ثورة 52 لتحقق مجانية التعليم.
ولفت دومة إلى أنه دعا فى القسم الأول من كتابه الأدب الجاهلى إلى دراسة الأدب العربى من خلال علاقته بالآداب الأخرى، ولذلك ألزم تعلم اللغات الأخرى، مما جعله مؤسسًا لمعظم أقسام اللغات فى كلية الآداب مثل اليونانى واللاتينى والفرنساوى، وأكد أن الأدب لا يُدرس دون الجغرافيا والتاريخ وبناء مواطن عميق.
يقول دومة إن كتاب زوجته سوزان، «معك»، الذى كُتب بعد وفاته بعام وتُرجم إلى العربية، روت فيه قصتها معه، وتحدثت عن معارك طه حسين كلها، وهى تراه مثل النبى.
فى الفصل الأول تبدأ باليوم الذى مات فيه، وهم يجهزونه للدفن وتقول إنها لم تكن مهتمة بإجراءات الجنازة وما شغلها هو أطفال قريته الذين كانوا يمدون أيديهم لها وكانت ترى فيهم مجهوداته، فمن أجل هؤلاء الأطفال كافح حسين.
فى نهاية الفصل الأول من «الأيام» وجه طه حسين رسائل مباشرة لابنته أمينة يشرح لها كيف كانت حياته بائسة عكس ما كانت تتخيل، وكيف تحولت حياته من البؤس إلى النعيم ومن الفقر إلى الغنى بفضل زوجته، يقول طه حسين: فإن سألتِنى كيف انتهى إلى حيث هو الآن؟ وكيف أصبح شكله مقبولًا لا تقتحمه العين ولا تزدريه؟ وكيف استطاع أن يهيِّئ لك ولأخيك ما أنتما فيه من حياة راضية.. هو هذا المَلَك القائم الذى يحنو على سريرك إذا أمسيت لتستقبلى الليل فى هدوءٍ ونومٍ لذيذٍ.. لقد حنا يا ابنتى هذا المَلَكُ على أبيكِ، فَبَدَّله من البؤس نعيمًا، ومن اليأس أملًا، ومن الفقر غنًى، ومن الشقاء سعادةً وصفوًا.
عانى طه حسين منذ مولده عام 1889 ذل الجهل والعجز، بداية من أهل قريته عزبة «الكيلو»، مرکز مغاغة بمحافظة المنيا، وحتى بعدما عاد من بعثته وأصبح أستاذًا كبيرًا، اهتم والده بتحفيظه القرآن الكريم منذ صغره، ثم أرسله إلى القاهرة ليكمل تعليمه بالأزهر الشريف عام 1902م، وبعد ست سنوات من الدراسة فى الأزهر تحديدًا سنة 1908م أصابته عدم الحماسة لمواد الأزهر الشريف الدراسية، وعقب فصله من الأزهر على يد الشيخ حسونة النواوي، بسبب محادثة جرت بينه وبين أحد أساتذته اعتبرها خروجًا على التقاليد الأزهرية، عاد إلى الدراسة فى الأزهر بوساطة من الأستاذ أحمد لطفى السيد لدى الشيخ حسونة، وفى العام نفسه افتُتِحت الجامعة المصرية؛ فالتحق بها ثم أعد رسالته للدكتوراه وكان عنوانها: «ذكرى أبى العلاء»، ونوقشت فى الخامس من مايو عام 1914م، وكانت أول رسالة ينال صاحبها إجازة علمية من هذه الجامعة؛ فقررت الجامعة إرساله فى بعثة إلى فرنسا؛ فسافر فى نوفمبر سنة 1914م والتحق بجامعة مونبلييه لكنه عاد إلى مصر فى السنة التالية، ولما انفرجت الأزمة المالية عاد إلى فرنسا عام 1915م والتحق بكلية الآداب بجامعة السوربون وحصل منها على درجة الليسانس فى الآداب سنة 1917م، وعاد إلى مصر ليعمل أستاذًا للتاريخ ثم أستاذًا للغة العربية وعميدًا لكلية الآداب، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية، ثم وزيرًا للمعارف.
قدم أكثر من 350 كتابًا ما بين مؤلَّف ومترجَم إلى المكتبة العربية فى مجال الشعر والنقد والقصة، وارتبط اسم الدكتور طه حسين بالمجلس الأعلى للثقافة منذ بداياته الأولى؛ فقد اختير عضوًا بالمجلس بمسماه السابق: المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كما كان مقرِّرًا للجنة الترجمة والتبادل الثقافى فى المجلس، وكذلك أول من فاز بجائزة الدولة التقديرية فى الآداب فى أول دورة لهذه الجائزة عام 1958م.
«المصري اليوم» داخل ڤيلا طه حسين
متحف طه حسين
منذ قرابة 68 عامًا؛ كان يعيش طه حسين مع أسرته فى ڤيلا رامتان بالجيزة، وبعد وفاته فى 28 أكتوبر عام 1973، أقامت زوجته فيها حتى توفيت عام 1989، لتتحول بعد ذلك إلى متحف.
متحف طه حسين
متحف طه حسين عبارة عن طابقين، مساحة كل منهما 250 مترًا مربعًا.. يتكون الطابق الأول من حجرة المكتبة وصالة استقبال وحجرة الصالون وحجرة السفرة، أما الطابق الثانى فيتكون من حجرة ابنه «مؤنس» وحجرة الموسيقى وحجرة زوجته وحجرته وحجرة المعيشة، وتحيط بالمتحف حديقة من ثلاث واجهات.
متحف طه حسين
الڤيلا صُممت على الطراز العصرى، وكانت لمصمم يونانى، طلبت منه سوزان، زوجة طه حسين، تصميمها على الطراز الفرنسى، فيُلاحظ صغر حجم الأثاث مع استخدام الألوان الجريئة العصرية مثل: البنفسج والأحمر والبيج، واستخدام السجاد البسيط، والميل إلى ترك مساحات كبيرة فارغة.
متحف طه حسين
المتحف مملوء بالصور والأعمال الفنية المهداة من كبار الفنانين التشكيليين والخطاطين، فمثلًا توجد لوحة أمام غرفة مكتب طه حسين تضم جميع أجزاء القرآن الكريم للفنان محمد إبراهيم، مؤسس مدرسة تحسين الخطوط بالإسكندرية، فضلًا عن تمثال نصفى لابنته «أمينة» بغرفة المعيشة، وتُزين كسوة الكعبة حائط غرفة استقبال الزوار.
متحف طه حسين
ويضم المتحف أيضا نياشين طه حسين والأوسمة التى حصل عليها وعددها 36 وسامًا، بالإضافة إلى قلادة النيل، ومقتنياته الشخصية مثل: ملابسه ونظارته وعلب السجائر، وتلك الأوسمة والمقتنيات مهداة من أسرته لوزارة الثقافة عام 1993
متحف طه حسين
متحف طه حسين
متحف طه حسين
متحف طه حسين
متحف طه حسين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.