عندما كان طالبًا في «الثانوية»، كتب عادل عصمت شعرًا وأرسل منه قصيدة إلى مجلة اسمها «الشرنقة»، كان يُصدرها أدباء الغربية ويكتب فيها إبراهيم عبد المجيد ومحمد المخزنجي وجار النبي الحلو وأمجد ريان. بعد فترة جاءه الردّ من رئيس التحرير حسن النجار: «إلى الصديق عادل عصمت.. عرفت كيف تضع قدمك على أولى درجات الشعر، وصدقني فكثيرون غيرك وفي مثل هذه السن لم يلمسوا في أنفسهم هذا الدبيب – الخفقان الطيب، بقى أن تلمّ بأوزان الشعر، وفي انتظار أعمال أخرى». كان ذلك في عام 1977، وعادل عصمت مراهق مُغرم بالشعر ويحلم بأن يكتب كلامًا مثل صلاح عبد الصبور وأمل دنقل. لكنه توقف فجأة، انتظروا منه «أعمالًا أخرى» ولم يُرسل، : «أدركت أني لا أصلح شاعرًا، لن أستطيع أن أكتب مثل هذا الكلام». ماذا تبقى من عادل عصمت «الشاعر» بعد كل هذه السنوات؟ الإجابة هي: القصة القصيرة. في الجزء الثاني والأخير من حوار «المصري اليوم» مع عادل عصمت، يواصل صاحب «جنازة السيدة البيضاء» تأملاته عن الكتابة ومشواره الأدبي، يطرح أفكاره عن الحياة وسبيل الإنسان إلى أن يتفادى تعاسته، يروي قصته مع الشعر لأول مرة، ويصارح قراءه بما يكتبه الآن. - بنص تعبيرك، أنت «غرست الكتابة» في حياتك، هي معك كل يوم، تعاندك مرة، تستعصي عليك مرة، لكنها ستعطيك الحل في النهاية لولا هذا لحدثت لي «عُقدة» في حياتي، كان من الممكن بعد أن توقفت عن العمل في رواية «الوصايا» في المرة الأولى أن أرضى وأسلّم بأني لن أستطيع كتابة سيرة الأرض والدار، لكني كتبت في تلك الفترة حتى صدور «الوصايا» في 2018، روايات أخرى، عام 2004 «حياة مستقرة»، 2009 «أيام النوافذ الزرقاء» ثم «حكايات يوسف تادرس»، أنا الآن أكتب بحرية. - بمعنى؟ لا يهم كثيرًا أن أكتب روايات أو لا أكتب وأحيانًا أتمنى ألا تأتيني أفكار روايات وأظل أكتب قصصًا صغيرة مثل «أيام عادية»، لم أعد ملهوفًا على كتابة رواية، تأتيني فكرة رواية حسنًا، وجاءت بالفعل بعد «الوصايا» «جنازة السيدة البيضاء»، لكن مزاجي الأدبي الآن رائق، لست مجبرًا على شيء. - هذا قد يخلق إشكالية أخرى، أنك كتبت ما كنت تتمناه ولم يعد يستفزك شيء. ما زالت هناك أشياء تستفزني وتدعوني لتأملها والتواصل معها، وإذا كانت «الوصايا» و«جنازة السيدة البيضاء» تدوران في عوالم قرية «نخطاي» بشكل ما فحكاية «نخطاي» تشغلني ومغرم بها ولديّ دافع قوي أن أؤسّس رواية طويلة كبيرة عن «نخطاي». - صنعت ل«نخطاي» قصة شبه أسطوري في «جنازة السيدة البيضاء» بإضافة حكاية المقبرة. وأريد الآن أن أنسج كل حكايات «نخطاي»، هذا أمر أعرف أنه صعب جدًّا، لأني قد أجد شكلًا فنيًا مناسبًا وقد لا أجد، وبالفعل كتبت مخطوطات كثيرة، وأتمنى أن تكتمل، لكني لست مضطرًا إلى أن أكملها، هذا هو الفارق بين ما قبل وما بعد «الوصايا». هل كتبت عملًا في المدرسة أثناء عملك اليومي كأمين مكتبة في مدارس طنطا؟ نعم، «قرية منسية» الجزء الأول من كتاب «ناس وأماكن» كتبته في مكتبة مدرسة قاسم أمين الثانوية، في رمضان 2002 تقريبًا، كانت نهارات رمضان قصيرة جدًا، وطلب مني علاء خالد أن أكتب عن بلدنا لمجلة «أمكنة»، فقررت كتابة كتاب ولينشر منه ما يريد، وبالتالي من يوم 1 رمضان كنت أكتب صفحتين كل صباح في المكتبة وبعض الظهر أنسخهما على الكمبيوتر، والتزمت بهذا تمامًا، لمدة 30 يومًا، كان ذلك هو الكتاب الوحيد الذي كتبته «نَفَس واحد»، وبعده تشتجعت أن أكتب «الوصايا». كنت أخطف لي ساعة كتابة على يدي وبالليل أنسخ، والفرق بين الليل والنهار كان يعطي مذاقًا مختلفًا. - ماذا تكتب الآن؟ أستيقظ كل يوم بأوراقي وأجلس على مقهاي الكافيه وألتقط فكرة وأكتب، مثل ملامح الوجوه، أجلس وأتأمل وجوهًا وأكتب عنها. قرأت مقالة أدبية عن المرآة وكيف كان البشر يعرفون صورهم قبلها، أحالتني الفكرة إلى مشهد في رواية لكارلوس فوينتيس اسمها «الجرينجو العجوز»، رواية عن الثورة المكسيكية عندما انتصر الفلاحون ودخلوا بيت الإقطاعي، لم يكونوا يعرفون صورهم، ولأول مرة رأوا أنفسهم في مرايا قصر الإقطاعي، وكأنهم يرون صورهم في نتاج جهدهم وعرقهم، المرايا هي المكان الذي يرد لك ذاتك، كانوا مذهولين جدًّا بصورهم وأشكالهم، هذا أول مشهد من مشاهد المرآة، أيضًا هناك رواية فرنسية اسمها «الفراشة» لهنري شاريير، تحولت كذلك إلى فيلم سينمائي، شاب فرنسي متهم ومسجون في سجن شديد الحراسة يهرب لأمريكا اللاتينية وظلّ يمشي حتى وصل لقبيلة بدائية لا يعرف أهلها المرايا، عاش معهم وتزوج منهم، ومعجزته بالنسبة للقبيلة أنه كان يمتلك مرآة. - في روايتك «جنازة السيدة البيضاء» أرواح الشخصيات معذبة، ويقول الشيخ الصوفي لحمدي بدران «ابحث عن المروى».. في رأيك، كيف يهرب الإنسان من تعاسته؟ السؤال على إطلاقه وهمٌ بشري، لو دقّقنا في كلمة تجاوز التعاسة وعكسها السعادة سنجد أن الزمن ثابت في حالة من السكينة والاستقرار كأن الزمن فيها غير موجود، تصوُّرنا عن السعادة أنه يمكننا التخلص من كل الآلام والأحزان، في ظني لا يسعنا أن نتخلص من الآلام أو الجراح القديمة أبدًا. لو نظرت لإصبعي هذا ستجد أثرًا لجرح قديم وعمري أربع سنوات، لم يختفِ، تتصوّر أن تختفي جراح النفس؟! كيف! مستحيل. - وما الحل؟ علينا بقدر الإمكان أن نبحث عن التعامل الناضح مع العثرات والأحزان، أن نلقي الضوء عليها، هنا تكمن إبداعية الحياة نفسها. نعم هناك تعاسة وإحساس بالكمد والغضب، هنا يكون السؤال والحوار والوعي الذاتي الذي نتحدث عنه هو المنفذ، لو أن إنسانًا ليس تراكمت آلامه الشخصية ولجأ لمعالج نفسي، ماذا سيفعل الأخير؟ سيلقي أضواءً جديدة على أزمته، فهم جديد لكل الخبرات القديمة، لن يمحوها لأنها ببساطة لا تُمحى، فقط يكشفها له، يغيّر وجهة نظره فيها، يفتحها له ويقول: مستحيل أن تغيّرها لكن انظر لها وواجهها، هنا تبدأ علامة النضج الإنساني، والسؤال الأساسي الذي يسأله الواحد منا لنفسه دائمًا أن الحياة لا يمكن أن تكون حياة بدون شقاء.. - «خلاصك في مشقتك» كما يقول الجد لحفيده في «الوصايا». ومع ذلك لا يعني هذا أن نعبد الشقاء، لكن أن نستخلص منه اللحظات الطيبة التي تجعلنا نُكمل بثبات. شقاؤنا دائمًا سيظل مرتبطًا بأطماعنا، حتى الطمع في التخلص من أحداث قديمة ومحوها، وهذا مستحيل. لو اقتعنت بفكرة أن الأحزان القديمة هذه لا يمكن محوها، في تلك اللحظة سيكون عليك اختيار أن تتعامل معها مرة تانية، وأحيانًا من قلب كل هذا تتفتح للإنسان سُبل وطرق ليستطيع أن ينظر أمامه ويواصل. جدارة الإنسان مبنية على قدرته على التعامل مع النقاط المظلمة في روحه وإنتاج حياة أقل تعثرًا. الحقيقة- وأظن هذا أحد موضوعاتي الرئيسية – يشغلني كيف نخلق شقاءنا؟ اختيارات الإنسان وقدرته على التعامل مع الوقائع الداخلية والخارجية هي التي تبسّط الأمور أو تعقّدها. - ما حكايتك مع الزمن؟ في «الوصايا» و«أيام عادية» وغيرها من أعمالك تيمة الزمن حاضرة، عندما تنظر لحياتك كلها.. كيف تلمس أثر الزمن عليك؟ لديّ دهشة قد أسجّلها في عمل ما من مشهد حدث لي وعمري ستة عشر سنة، كنت صغيرًا، واتفقت أنا وصديقي ونحن في مدرسة طنطا الثانوية أن نهرب من المدرسة وندخل سينما «أمير» حفلة العاشرة صباحًا، كان ذلك عام 1976، ربما كان يُعرض فيلم العسكري الأزرق أو بداية دخول الأفلام الهندي مصر، صاحبي جمال قال لي «هشبّك إيديا وانت تطلع تنط وبعدين أنا هتصرف»، كان رياضيًا، تسلّقت السور وقفزت وأصبحت في الشارع وفجأة المدرسة بشكل ما أصبحت أشبه بسجن، انتظرت جمال لم يأتي، مُدرس الألعاب أمسكه وهو يقفز، تلك اللحظة بعد ما قفزت هي أول لحظات حياتي دهشةً من الزمن، أين الشخص الذي كان خلف السور داخل المدرسة؟ ومن الشخص الواقف في هذا العالم خارج السور؟، طبعًا ثقل المدرسة من ناحية وفضاء الحرية من ناحية أخرى ولّد إحساسًا بالذنب؛ أنني نجيت وهو لا، أصبحت أنا شخصًا آخر، كان هذا المشهد يطوف في ذهني كأنه نقطة صغيرة وتمشي، لكن ظلّت اللحظة تتطور طوال الوقت دون أن أدرى، من الشخص الذي كان في البلد يحفظ في الكُتّاب؟ من الشخص الذي خدم في الجيش؟ وبدأت تأملاتي تصبح أكتر عمقًا، وعندما وصلت لسن الخمسين فكرت في أن عمري نفسه هو الأيام التي أعيشها، كل يوم أعيشه يقرّبني من فنائي، كأنني أفنى وأنا أعيش، عشت اليوم إذن اقتربت خطوة من نهايتي، أعيش وأفنى في ذات الوقت، هذا التناقض في فكرة الزمن هو ما لفت نظري، وهذا شيء شخصي، يظهر في القصص أو الروايات لكني لا أتعمده. - قلت إنك تفضّل الروايات لأن القصة تحتاج موهبة أكبر، هذا تواضع منك.. لكن سؤالي هنا: متى يكتب عادل عصمت القصة القصيرة؟ طول عمري أكتبها. أعرف أن القصة أمر صعب، والحقيقة، أشعر أني كلما أتقدم في العمر أصبحت مُغرمًا أكثر بهذا الشكل، القصة القصيرة أو الأقصوصة. - نتحدث عن ثلاث مجموعات قصصية فقط لك: «قصاصات» 2015، «مخاوف نهاية العمر» 2020، و«أيام عادية» 2023. دعنا من «مخاوف نهاية العمر»، هذه أقرب للقصة كما أتصورها، لا الأقصوصة، هذا النوع من الكتابة الذي ينبع من جزء من مشهد وتأمل في نفس الوقت، جزء من حدث صغير له دلالة، أنا أكتبه من أيام ما بدأت الكتابة، لكن لم يكن هناك نضجًا كافيًا لأني أعرف أن القصة أمر صعب، ما بين مجموعة «قصاصات» و«أيام عادية» نحو عشر سنوات، وهناك قصتين كان من المفترض أن تصدُرا في الأولى واتنقلتا إلى هنا، لأنهما من وجهة نظري كان فيهما شيء ناقص، الفن كما ذكرت لك ما فيه شيء خارج أيدينا، وأنا لا أستطيع نشر كتاب أو قصة لست مقتنعًا بها 100%. - لدرجة أنك تحتفظ بقصتين لسنوات؟ وماذا سأفعل؟ هل تظن أن كل ما كتبته منشور! (يضحك)، منذ التسعينيات وأنا أكتب هذا الشكل. - لستَ مُدخنًا شرها فيما يبدو (طوال نحو ثلاث ساعات هي مدة الحوار أشعل عادل عصمت ثلاث سجائر فقط). نعم، لا أدخّن كثيرًا، هذا روتيني منذ زمن، أقعلت عن التدخين خمس سنوات متواصلة، لكني كنت حزينا عندما مات أبي وتحجّجت ورجعت سنة 1994. لكني، أثناء الوظيفة، لم أكن آخد سجائري معي في العمل، منذ الثامنة صباحًا حتى الثانية ظهرًا لا أدخّن، تعملت من الكتابة أيضًا ألا أجلس أمسك السجارة وأكتب، فقط أكافئ نفسي بفنجان قهوة وسجيارة بعد ذلك، هذا جعل العملية منتظمة، فأحيانا عندما كنت أدخن صباحًا وأسامح نفسي اني أشرب ثلاث سجائر مثلا أشبع من التدخين وأنتظر حتى بعد الظهر، في النهاية لم أكن أدخّن عشر سجائر في اليوم. - هل لهذا علاقة بالنظام المنضبط الذي وضعته لحياتك؟ - لم أقصد هذا لكنه حدث. - ما مِن مُدخن يستطيع الصبر من الثامنة صباحًا حتى الثانية ظهرًا؟ - كنت أقاوم. - وجدت في مجلة قديمة اسمها «الشرنقة» كانت تصدر عن أدباء الغربية في السبعينيات، ردًا في بريد القراء على شاب اسمه عادل عصمت يقول له المحرر «عرفت كيف تضع قدمك على أولى درجات الشعر... وفي انتظار أعمال أخرى». كان الأمر أشبه بالمفاجأة، لم نسمع أنك كنت تكتب الشعر، ويبدو أنك كتبت وراسلتهم وكانوا ينتظرون منك قصائد جديدة. كانت مفاجأة أسعدتني جدًّا، ليس لديّ هذه النسخة من المجلة. القصة أني بدأت أكتب الشعر منذ سن صغيرة جدًّا، منذ المرحلة الثانوية تقريبًا، مع فورة الجسم وتغيُّر النظرة للأيام والإحساس بالوجود، إنزيمات الجسد ليست منفصلة عن النفس، هما خليط. كنت مغرمًا بكتابة الشعر، لا أتذكر بالضبط أول قصيدة كتبتها، لكني كنت متأثرًا فيها بصلاح عبدالصبور وشعر التفعيلة، بعد فترة قصيرة وعندما ذهبت إلى الجامعة عرفت أن الشعر «حاجة كبيرة»، توافُق في الكلمة والمعنى والنغمة، يحتاج موهبة ضخمة جداًّ، هنا أدركت أني لا أصلح شاعرًا. - اكتشفت أنك لا تصلح شاعرًا فقط أم كنت مدركًا للشكل الذي ستكتب به وسيناسبك؟ لا، قلت لنفسي لن أصلح للشعر حتى لو لم أكتب بطريقة أخرى، كنت أكتب وأرسل لهم في المجلة، لكن في لحظة الكشف قلت لا، هؤلاء صلاح عبدالصبور وأمل دنقل، أنت لا تقدر، وفي لحظة تقف أمام قصيدة تحبها وتقول «لن أستطيع أن أكتب مثل هذا الكلام»، هذا أرقى أنواع الأشكال الأدبية، ويحتاج بالفعل ذهنية خاصة جدًّا، لذلك تقديري للشعراء بما فيهم شعراء العامية كبير. اقرأ الشعر العظيم وأنت تعرف كم هو صعب، أنا أحب الشعر. بدأت أتنقل للقصة والرواية، لكن ظلّ إحساسي الشعري موجود، يعني قصة «حب قديم» في مجموعة «أيام عادية» قصيدة، يقابلك وجه يدهشك وتحس أنك رأيت صاحبته، الغمازات والوجه فجّرت طاقة قديمة، غامضة لكنها مدهشة جدًّا، ورجفة في الجسم، وجه البنت عرّفني على حب قديم مطمور، هذه قصيدة. هذا النوع من القصص الصغيرة أكتبه طوال عمري، اللحظات التي أحكيها لك هي لحظات خاطفة تخطر كفكرة ليست على البال، ليست مرتبة، وتتطلب أداءً في الكتابة يشبه أداء الشعر. ما أقصده أن الشاعر الفاشل المذكور مذكور في المجلة القديمة ليس فاشلًا بالكامل. منذ التسعينيات اهتممت باللحظات الصغيرة وبدأت خبرتي تتكوّن فيها، ليس معنى هذا أني قبلها لم أكتب قصصًا صغيرة، كتبت، لكنها ضاعت مع الأوراق، يعني مثلًا القصة البسيطة «نحيب رحيل»، قصة مكتوبة لتبقى قصدية نثر بشكل ما، أشياء مثل هذه ظللت أكتبها، وهذه المجموعة «أشياء عادية» تراكم 10 سنوات من اللخظات الشعرية البسيطة، مثلا قصة «الخلود» لحظة شعرية، لا تتضمن أي أحداث. - أخيرًا.. لنتحدث عن مشاريعك الجديدة: كتابك عن الكتابة والرواية التي تحلم بها عن «نخطاي»، وأين وصل مشروع «سائق ليل» عن تجربتك عندما عملت سائق تاكسي؟ أحلم بكتابة كتاب عن الكتابة، أتمنى أن يكون كما في خيالي، وأن أنجزه قبل نهاية السنة. المشروع الثاني رواية أعتبرها الخلفية التاريخية والإنسانية ل«الوصايا» و«جنازة السيدة البيضاء»، أتمنى أن أجمع كل أساطير «نخطاي» في رواية كما ذكرت لك. وهناك كتاب لا أعتبره سيرة ذاتية، أسمّيه «صور شخصية»، عن لحظات من حياتي، «سائق الليل» ستتحول لصور شخصية، لأنه كتاب ما بين السرد والتأمل، لا أريد أن أطلق عليه تصنيفًا كي لا أُلزم نفسي بشكل محدد، أريد أن أحكي بحرية، فصل سائق الليل يتضمن كثيرًا مما حدث معي فعليًا وأنا عمل تاكسي، لكن فيه أيضًا كثير من التأمللات والخواطر، والمشاهد التي ابتكرتها، أعطيت نفسي الحرية أن أكتب بطريقة تمكنني من إضاءة لحظات مفصلية في حياتي، فترة عملي كسائق تاكسي وحبي للكتب القديمة وتعلقي بالروايات المفقودة والمكتبات وحرق الكتب، كيف عشت في مدينة صغيرة؟ وما الأساليب التي جعلتني أتخطى الحياة المعتمة البسيطة لمدينة صغيرة؟ مثما كنت أقول لك إن الناس يخلقون شقاءهم هناك أيضا من يستطيعون خلق لحظاتهم. هناك فصل عن زيارة الرؤساء لمدينة طنطا منذ أيام الظاهر بيبرس حتى حسني مبارك، وفصل عن كيف تحدد مزاج فترة زمنية بتفصيلة، اسمه «أجواء التسعينات»، وأنا سعيد أنه خليط ما بين السرد، قصص أحكيها، وما بين التأمل في نفس الوقت، أحبّ هذا الشكل.