تنقسم مواقف المواطنين السوريين الأكراد حول الاحتجاجات المحتدمة في البلاد منذ 10 أشهر. ولكن الأحزاب الكردية تحجم عن المشاركة أو إعلان موقف حاسم بتأييد مطالب الثوار على الأرض، وبعض قوى المعارضة، بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. وتعتبر الأحزاب السورية الكردية الأراضي السورية ساحة نضالها الرئيسية، لكنها، ومن باب تعاطفها مع أبناء جلدتها، خاصة في إقليم كردستان العراق وتركيا، تظهر التبعية الواضحة لهذه الأحزاب لقيادات الحركة الكردستانية، ليس من منطلق أيديولوجي قريب لهذا الحزب أو ذاك، وإنما حسب مصالح وعلاقات تلك القيادات مع قادة الأحزاب في سوريا، الذين يرون في أنفسهم الشقيق الأصغر لهم. وهكذا ظهر من بينهم من يدعم ويؤيد مثلا جلال الطالباني، الرئيس الحالي للعراق، ومسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان، وعبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في السجون التركية. أدى ذلك إلى تشتيت حركة النضال الداخلي في سوريا، وهو ما ظهر جليا بعد اندلاع الثورة، إذ تأتي مشاركتهم فيها أقل من المتوقع. و«كردستان الكبرى» ما هي إلا «حلم لدولة مقسمة» بين 6 دول، هي إيران وتركيا والعراق وسوريا روسيا وأرمينيا. ويرى الأكراد، من منطلقهم العرقي، أن من وضع هذا التقسيم، كان يقصد أن تبقى قضية هذا الشعب دون حل على مر التاريخ. ويدللون على ذلك، متسائلين: «ما معنى توزيعها على دول ب 3 ثقافات وهويات مختلفة؟ ما معنى منح دولتنا للفرس والعثمانيين والعرب، الذين لم يتفقوا عبر التاريخ، مثلما اتفقوا على اضطهاد الشعب الكردي؟». بل يرى البعض أن مشاركة أعضاء تلك الأحزاب من الأكراد المستقلين في الحراك الشعبي تبدو لا تذكر، خاصة وأن تسريبات خرجت من بعض قيادات المجلس الوطني الكردي، الذي يضم 10 أحزاب كردية رئيسية وصلت ل«المصري اليوم» أن تنبيهات صدرت منها بألا يشارك أي حزب في مظاهرات الجمعة بأكثر من 30 رفيق، وهو ما يؤكد ضعف المشاركة. إلا أن ذلك انعكس على بناء الشعب الكردي نفسه، الذي انقسم فيما بينه بين مؤيد ومعارض للمشاركة في الثورة. مثال على ذلك، «شيخموس»، شاب كردي كان من أنصار حزب العمال الكردستاني، وكونه سوري انتقل تنظيمه السياسي أوتوماتيكيا إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال. ويؤكد الشاب ل «المصري اليوم» أن التعليمات التي جاءته من الحزب ولم ينفذها كانت تطلب منه عدم المشاركة بالمظاهرات المؤيدة للثورة، خاصة أيام الجمعة. ويوضح شيخموس أنهم في منطقة «عين العرب»، كوبانة، وعفرين، قالت القيادة لهم بالحرف «لا تنزلوا لأن مصيركم قد يكون القتل والقمع، لا تحلموا بأن النظام سيرش عليكم الورود وأنتم تطالبون بإسقاطه، ومن يقتل لا دخل لنا به». أما «برخودان»، وهو شاب في مقتبل العمر وينتمي للحزب نفسه، فيقدم سببا براجماتيا لعدم المشاركة في الثورة، فيقول «من يناهض أردوجان نحن معه، وسوريا في الوقت الحالي ضد عدونا الذي هو أردوجان وحزبه المسيطر على تركيا». ويوضح برخودان رأيه عن الثورة قائلا «لا دخل لنا بثورة الشعب السوري خاصة وأن الذين يقودونه هم جماعة الأخوان المسلمون، لذلك نحن ما يهمنا ثورتنا وقضيتنا وتحقيق مطالب الشعب السوري، ولدينا الإمكانيات الكافية لكي ننزل لوحدنا في الشارع». أما «مسعود» وهو من حزب «البارتي» فكان رأيه مختلفا عن أنصار الاتحاد الديمقراطي، إذ هاجم القيادات الكردية دون استثناء، ثم خص قيادته بالذكر، مشبها إياهم بشبيحة النظام «تصرفاتهم وأوامرهم لا تختلف عن شبيحة النظام. هل من عاقل في سوريا يطالب بفيدرالية كما طالب بها أمين عام حزبنا، هل يعقل في ظل الأزمة الحالية والثورة الشعبية العارمة أن يأتي سياسي عمره الحزبي لا يقل عن 25 عاماً ويطالب بفيدرالية مكونة من 4 دول.. شو مفكر حالو بالعراق». وأضاف مسعود «لمن لا يصدق فليرجع للشبكة العنكبوتية ويتأكد بنفسه. سياسي كردي مخضرم يطالب بدولة للسنة تشمل حلب وحمص وحماة وإدلب أي المناطق الوسطى والشمالية، ودولة للعلويين تشمل طرطوس واللاذقية ومنطقة الساحل بأكملها، ودولة للدروز وتضم جبل العرب والمناطق التابعة لها، ودولة كردية تشمل الجزيرة السورية، أليس من يطرح هذه الأفكار في ظل الثورة شبيح؟!». «عمر»، وهو صحفي كردي كان رأيه الأقرب لواقع السياسة والثورة، فقال: «أنا شخصياً أرى أنه لا يمكن حل المسألة الكردية في سوريا إلا في ظل نظام ديمقراطي تعددي. المسألة برمتها مرتبط بالقضية الديمقراطية». ويضيف «من هنا أنا ضد قيام الدولة الكردية في سوريا على أقل تقدير في الظروف الحالية، والسبب عدم وجود مقومات لهذه الدولة، كما أرى في هذا المطلب مقتل للحلم الكردي الذي تسألونني عنه. أنا لا أتعامل مع القضية من باب الحلم كما كنت مصراً بسؤالك، نحن لا نريد زيادة عما يمكن نيله عن طاقة الشعب السوري، لأن القضية الأهم في المرحلة الحالية هو نجاح الثورة أولاً وأخيراً».