نظرات الحزن على وجوه أمه وزوجته، وطفلتيه «التوأم» ترددان: «بابا.. بابا»، وتطالعان صورته، وتضحكان وتدخلان حجرة نومهما ولم تعثرا عليه. والدتهما وجدتهما لا تطيقان المشهد المتكرر: «اتيتموا بدرى نور عينى»، وداخل المنزل لا يزال ذهول الأسرة حاضرًا لخروج والد الصغيرتين لعمله وعودته جثة هامدة مقتولًا بطلق نارى بالرقبة أطلقه عليه مسجل خطر لسرقة «توك توك» يعمل عليه. أيوة هتروحِ التلاجة لم ترتح «جميلة» لاتصالها بهاتف الزوج «إبراهيم» لتجده مغلقًا، قلبها يتوجس خيفة وهى تقول لحماتها: «عمره ما عمل كده، ولا غاب لحد بعد الفجر!»، بينما تقول لها مهدئة إياها: «يمكن فصل شحن»، وتخبرها الزوجة: «على طول بيطمن علينا بالتليفون وبيهتم بأنه يكون مشحون» لترجوها النزول إلى الجراج القريب من مسكنهما بشبرا الخيمة في القليوبية: «يمكن يكون وصل وركن التوك توك». والدة «إبراهيم»، صاحب ال29 عامًا، يزداد قلقها هي الأخرى، حيث تقول لزوجته: «يا بنتى نزلت وجوزك لسة مرجعش، وصاحب الجراج قالِّى: (الماكنة بتاعته مش هنا)!». لا تنام الأم حتى ذهابها مع شروق الشمس إلى قسم الشرطة تبلغ: «ابنى غايب عن البيت، ومانعرفش عنه حاجة، وتليفونه مقفول». وقاد جهاز التتبع ال«جى بى إس»، الذي وضعه «إبراهيم» ب«التوك توك» حين اشتراه بالتقسيط قبل 4 أشهر، أجهزة الأمن إلى مكان المركبة بمنطقة القناطر الخيرية، وفى الوقت ذاته تلقت الشرطة بلاغًا بالعثور على الجثة في منطقة بلقس. المباحث تطلب من زوجة ووالدة «إبراهيم» أن تتوجها إلى المستشفى: «كنا فاكرين إنه عامل حادثة ومخبوط لأنهم لم يخبرونا بشىء»، وتقف الأم عند عامل بالاستقبال تدلى ببيانات ابنها، ويقول لها: «أيوة هتروحِ التلاجة، مش دى الحالة بتاعة الطلق النارى؟!»، وتصرخ: «تلاجة إيه؟، مقتول إزاى؟!»، وتعيد عليه البيانات، فيقسم لها: «أيوة دى الحالة، سواق التوك توك المضروب بالنار»، ويغشى عليها، ويسعفها الأطباء. وتروى الزوجة: «كان في واحد راكب مع جوزى، واستدرجه لمنطقة نائية، وهناك كاميرا مراقبة على سور فيلا لحسن الحظ، صورت إنه نزل بحجة دفع حساب المشوار وأخرج مسدس، وزوجى قاومه حتى الموت». عيالى اتيتموا بدرى وتكمل: «لما جوزى شال مفاتيح التوك توك في جيبه ورفض التخلى عنه للجانى، قام ضربه بطلق نارى في رقبته، والكاميرا تظهر أنه كان متشبث بالمركبة، والمتهم أبعد إيديه ورماه على التراب، وسرق (التوك التوك)، وحضر عدد من المارة، وزوجى يشير لهم بأن ينقذوه، وخافوا من الاقتراب منه لحد ما السر الإلهى طلع، واكتفوا بالاتصال بالنجدة». «عيالى اتيتموا بدرى».. تصرخ الزوجة: «عيالى التوأم (كندة) و(كنزى)، عمرهم سنة ونصف، بيرددوا: بابا.. بابا، كأنهم فاهمين غيابه، لما يكبرو هقول لهم إيه؟، دول بيجروا على صورته كل شوية»، وترثى لحالها: «جوزى ترك لنا ذكرى حلوة، معاملته الحلوة لينا، وحبه لطفلتيه»، وكأنها تحدثه: «هيكبروا يا حبيبى، وهتشوفهم زى ما كنت عايز وأحسن». الشرطة تضبط المتهم الذي يعترف: «ركبت مع السواق من الشارع الجديد لحد بلقس، ورفض يسيب التوك توك لحد ما قتلته، وخدته لحد القناطر عشان اتصرف فيه وأبيعه». زوجة المجنى عليه باكيةً: «يعنى اللى قتله مش عنده عيال، ما شافش جوزى متمسك إزاى بالتوك توك، إحنا اشتريناه بالتقسيط، ولسه بنسدد اللى علينا». لو خد 100 إعدام مش هيعوض أخويا الوحيد أم «إبراهيم» لا تكف أبدًا عن كلماتها الحزينة: «حرمنى من نور عينى، ده ابنى الوحيد اللى ربيته لحد ما بقى عريس، ده مات عريس، مكانش عندى غيره وبنت تانية، هو كان سندنا وضهرنا بعد ربنا». شقيقة المجنى عليه لا تصبرها المواساة: «الجانى هياخد إعدام»، وتقول: «لو خد 100 إعدام مش هيعوض أخويا الوحيد». الحزن ممتد بمحيط مسكن «إبراهيم»، والجريمة أصبحت حديث الأهالى عقب حضور المتهم وتمثيله للجريمة ب«الصوت والصورة» أمام النيابة العامة، التي أمرت بحبسه احتياطيًّا.
