عرفت الدكتور أيمن نور منذ أن كان محررا متميزا فى صحيفة الوفد، وسرعان ما ارتفع نجمه بعد تحريره سلسلة من التحقيقات الصحفية حول تعذيب أعضاء الجماعات الإسلامية فى السجون، تلك التحقيقات التى كانت تنتهى بالتربص به وضربه وانتزاع كاميرته وتحطيمها، وهى الأحداث التى ارتفعت بأسهم أيمن نور لدى صناع الصحف وقرائها. ولم تكد تمر على تلك الأحداث سنوات قلائل حتى رأينا أيمن نور وهو يرتفع إلى سماء السياسة بسرعة سيارات السباق التى يقودها شوماخر البطل الأولميبى الشهير، ثم يسقط من عليائها بسرعة الصاروخ فى محنة تزوير توكيلات حزب الغد الشهيرة والتى انقسم الناس إزاءها ثلاث فرق. الفرقة الأولى ممن كانوا من مؤسسى حزب الغد معه، وهؤلاء يرون أن أيمن قد تلاعب بهم وبالحزب وبالمبادئ، وخلط بين سعيه للمكاسب والمجد الشخصى وبين الحزب وأنه كان طول الوقت صاحب اجندة خفية يقرب فى الحزب مريديه ويقصى من يختلف معه وهم لا يرونه بريئا من الاتهام بالتزوير، فلا يمكن أن تجمع كل تلك المستويات من المحاكم على إدانة برىء، وأخيرا يرونه قد عض اليد التى امتدت إليه ومنحته حزبا فى وقت قياسى، لم يحصل عليه حمدين صباحى مثلا رغم دوخته السبع دوخات بين لجنة الأحزاب والمحاكم، أما الفريق الثانى وهم من المقربين لأيمن نور ومريديه أيضا فيرونه بريئا براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وأنه يدفع ثمن تمسكه بالمبادئ، وأخذه معركة المنافسة على رياسة الجمهورية مأخذ الجد، وما تجاوزه فيها من خطوط حمراء، ويرون أيضا أن قضية التزوير هى محض اختلاق وتلفيق، ومتى توقفت الحكومة عن دس الجواسيس وتجنيد العملاء وشراء الذمم الرخيصة، وما هذا بمستكثر على الحكومة حين تكيد لخصومها، وليس درس سعد الدين إبراهيم ببعيد والفارق هنا أن الحبكة والسيناريو كانا بارعين ومتقنين، دفع ثمنا لهما سنوات وراء القضبان. أما الفريق الثالث وهم مثلى ممن لم يقتربوا كثيرا من أيمن نور أو خصومه، كما لم يعنهم التدقيق فى موقف كل فريق، ورغم ذلك فهم من المهتمين بالعمل العام ويجتهدون بالفكر والعمل فى سبيل الديمقراطية فى بلادنا، وقد رأى هذا الفريق فى أيمن نور قيادة ليبرالية حقيقية يملك درجة كبيرة من الوعى والجاذبية والفاعلية مكنته من تكوين حزب كبير فى أشهر معدودة، واكتساب ثقة عدد كبير من الشخصيات العامة المرموقة التى انضمت إلى حزبه «الغد» الذى ولد كبيرا، وكان من نتيجة هذا كله أن استطاع أيمن نور أن يخوض معركة رئاسة حقيقية مكنته من الحصول على مايزيد على نصف المليون صوت وهو رقم هائل بكل المقاييس، ولعلى بشكل خاص قد راهنت عليه رهانا كبيرا إذ لاحظت فى مساجلاته فى مجلس الشعب وغيره أنه يمتلك وعيا حقيقيا بقضية الليبرالية الناصعة- وقلت فى نفسى لعل هذا الوعى الفريد قد يكون لمعاصرته التحالفات الفاشلة التى راح يقيمها المرحوم فؤاد سراج الدين مع الإخوان وغيرهم من الإسلاميين، والتى انتهت بخسارة الحزب رصيده التاريخى المجيد الذى شيده الآباء العظام سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وغيرهم. أقول هذا كله بمناسبة ما قرأته بقلم أيمن نور فى صحيفة الدستور بتاريخ الثلاثاء 13 يوليو الجارى، بعنوان «عضو السياسات.. يسب الله والرسول ويدافع عن الرئيس ونجله» ولقد شعرت بخيبة الأمل الشديدة فيمن كنت أظنه مدافعا مبدئيا عن الليبرالية، وراح يذكر فيه نصوصا مطولة من البلاغ المقدم ضد الدقاق وتفاصيله، مع التحريض الواجب وما يستفز ويستثير المشاعرالدينية للبسطاء من المتدينين، وهو ما يدرك السياسى المحنك أنه تحريض بالقتل أوفقد الاعتبار على أقل تقدير، وهل من القانونى أن يقوم الليبرالى الفذ بذكر ماكتب فى البلاغ المقدم دون تمحيص وتحقيق ودون أن يبت فيه من أى جهة، وكنت أحب أن يتروى زعيم الليبرالية الجديدة ويسأل نفسه، وما علاقة الدين والإيمان بوظيفة يؤديها رئيس التحرير والعاملون معه، وإذا كان الحال كذلك وأن من الطبيعى أن يتأكد المحررون والموظفون من عمق إيمان رؤساء تحريرهم، فهل ياترى سيقترح تشكيل لجنة لاختبار صحة الإيمان للأستاذ أسامة سرايا ومجدى الجلاد وإبراهيم عيسى ووائل الإبراشى وغيرهم من رؤساء التحرير المعروفين، وإذا كان الأمر كذلك فما الفارق بين أيمن نور وحزبه الممزق وبين جبهة العلماء التى تفرغت لتكفير الناس وإثارة الفتن والإفساد فى الأرض. ولعل من نافلة القول هنا أننى لا أكتب هذا دفاعا عن مجدى الدقاق فلديه مجلة كبيرة يستطيع فيها أن يدافع عن نفسه ما وسعه الدفاع، ولكننى أكتب ما أكتب دفاعا عن العقل وعدم خلط الأوراق ورفضا لتهمة التكفير. وعموما فقد كانت هناك معركة شرسة بين الدقاق ونور إبان محاكمة نور، وحدود علمى أنها انتهت بتغريم الدقاق خمسة آلاف جنيه. فهل وجد أيمن نور فى المعركة بين الدقاق وخصومه فرصة لتصفية حسابه القديم مع الدقاق، لقد كنت أحب لنور وهو السياسى القدير ألا يخلط الدين بالسياسة، وأن يترفع عن تصفية الحسابات وتحقيق المكاسب الصغيرة على جثة الوطن. [email protected]