كنت ذاهباً إلى حلقة بحث السينما المصرية 1952-1971 حين وجدت لأول مرة مسرحاً فى ساحة مدخل المجلس الأعلى للثقافة أو ساحة الكافيتريا، ولاحظت قلة من الشباب يمثلون على مسرح صغير جداً بالقرب من تمثال أحمد شوقى، أمير الشعراء، وعدداً أقل منهم يتابعون العرض وهم يتناولون المشروبات ويتحدثون مع بعضهم البعض والأضواء فى كل الساحة! وفى المساء، قرأت عن العرض فى الطبعة الأولى من «المصرى اليوم» وعنوانه «بصى» إخراج سندس شبايك ومنى الشيمى التى اشتركت فى التمثيل أيضاً مع زينب مجدى ومحمد سلامة وسيف الأسوانى ونادين إميل وسارة سامى ومها مصطفى. وفى الموعد نفسه، اليوم التالى، كانت الساحة كاملة العدد، والجميع يتوجهون بمقاعدهم نحو المسرح، ويتابعون العرض فى إضاءة خافتة، فازدادت فرحتى بنجاح «المصرى اليوم»، وشاهدت مقاطع من العرض، وازداد يقينى بأن أجيال الشباب فى مصر، وهم أكثر من نصف سكانها، سوف يعيدون لبلادهم أمجادها الغابرة. لم أندهش لسماح الدكتور عماد أبوغازى، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، بإقامة هذا العرض، فهو ينتمى إلى جيل من أساتذة الجامعة المتحررين من الأيديولوجيات قدر إيمانهم بالعلم والحرية وإدراكهم للثوابت الوطنية الحقيقية ودفاعهم عنها، ولكنى دهشت عندما خضع الدكتور عماد لأصوات بعض الصحفيين المتطرفين سياسياً ودينياً، وعندما خضع للرقابة، وطلب حذف ما يقرب من نصف العرض. وكان رد فعل الشباب فى المشهد الأخير من العرض الأخير أن وضعوا أيديهم على أفواههم، احتجاجاً على ما تعرضوا له من قهر. وليتهم سجلوا العرض كاملاً بالفيديو، فهو وثيقة اجتماعية وسياسية بلغة مسرحية حداثية، وصفعة لمسرح الدولة، الذى كان ينظم فى الوقت نفسه مهرجاناً ل«الضحك»، وكأن ما ينقصنا هو الضحك، ولمركز الإبداع المجاور الذى قدم «قهوة سادة»، ولم يقدم هذه القهوة المضبوطة. إنه عرض المسكوت عنه من التحرش بالنساء، وزواج القاصرات من الأثرياء، والاغتصاب، وزنى المحارم، والعجز الجنسى، والبؤس العقلى وأزياء النساء بين الحجاب والنقاب، فى مونولوجات ومقاطع تعبر فى مجملها عن تناقضات ومشاكل حقيقية يعانى منها المجتمع المصرى اليوم. إنها صرخة شباب موهوب وصادق، ولن تضيع صرخات الشباب فى الهواء أبداً. [email protected]