مثلت المسيرة المهنية ل«الأستاذ» محمد حسنين هيكل نموذجًا فذًا يخايل أجيالًا من الصحفيين وعاش كشاهد عيان على70عامًا من أحرج وأهم سنوات التاريخ المصرى بنجاحاتها وثوراتهاوانتصاراتها وكبواتها وأيضا كمستشارأوصديق ناصح في صُنع القراروكان صديقًا أمينًا لعبدالناصرومنظّرًالمواثيقه وخطابه القومى،وبعد سنوات قليلة من التوافق السياسى مع السادات اختلف معه وغادر«الأهرام» فى2 فبراير1974 وقدم لمبارك «روشتة علاج سياسى» لم يهتم بها مبارك، ونشرناها في «المصرى اليوم»وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ كان من أشد المعجبين بجريدة «المصرى اليوم» منذ صدورها وخصها، في أكثر من ذكرى ليوم إصدارها، بكتابة رسائل من خلالها،يعرب فيها عن إعجابه الشديد بالصحيفة «الجسورة»التى وصفها بأنها «كسرت كل الحواجز»،وتحولت إلى«ظاهرة فريدة تملأ الأفق على اتساعه»وأنها «صحيفة عنيدة في ملاحقة الأحداث رغم (التعتيم)، وحريصة على الدقة وسط ركام الفوضى»، ومحمد حسنين هيكل مولود في23 سبتمبر 1923بحى الحسين، بالقاهرة، ودرس بمدرسة التجارة المتوسطة ثم التحق بالقسم الأوروبى بالجامعة الأمريكية وفيها تعرف على سكوت واتسون الصحفى المعروف بالإيجيبشان جازيت،واستطاع عن طريقه أن يلتحق بالجريدة في 8فبراير 1942، صحفيا تحت التمرين بقسم المحليات وكانت مهمته جمع أخبار الحوادث، وكانت الحرب العالمية الثانية قد اشتعلت وكانت الإيجيبشان جازيت هي المطبوعة الأجنبية الأولى في مصر، ومما أنجزه لقاء مع فتيات الليل بعد تحريم البغاء الرسمى وهى القصة التي حكاها هيكل بنفسه في العدد رقم 546 من مجلة آخر ساعة.ثم وقع عليه الاختيار ليذهب إلى العلمين التي شهدت أشرس معارك الحرب العالمية الثانية، وتتابعت موضوعاته وحين كان يتناول غداءه ذات مرة بمطعم الباريزيانا التقى فاطمة اليوسف صاحبة مجلة روزاليوسف ودعته إلى مجلتها،ليصبح في 1944صحفيا في روز اليوسف وفيها تعرف إلى محمد التابعى، ثم انتقل للعمل معه في مجلة آخرساعة التي عمل بها في آخر عامين للتابعى بها، قبل أن يشتريها منه مصطفى وعلى أمين، ونشر موضوعات في مجال الحوادث ومنها وفى 13أغسطس 1947أنجز تحقيقا عن «خط الصعيد» ثم تحقيقا عن الكوليرا بقرية القرين ومصرع كاميليا وغيرها ثم كان انتقاله للعمل بجريدة أخبار اليوم بدءا من 1947 ولمدة 5 سنوات تالية حقق خلالها انفرادات ومنها تغطيته لحرب فلسطين وانقلابات سوريا، وثورة محمد مصدق في إيران واغتيال الملك عبدالله في القدس واغتيال رياض الصلح في عمان واغتيال حسنى الزعيم في دمشق وفى 18 يونيو 1952فى مجلة آخر ساعة قرأ الناس لعلى أمين رئيس تحريرها مقالا عن هيكل، يعلن تركه منصبه وتعيين هيكل رئيسا للتحريروكان عمره 29 سنة وبعد قيام ثورة 23يوليو 1952.ازدادت العلاقة قربا بين عبدالناصر وهيكل ليصبح بعد فترة المتحدث الرسمى باسم حركة الضباط الأحرار، وليكون أحد صناع تاريخ مصر بعد ثورة يوليو، وصاحب البصمة الواضحة في تاريخ مصر، وفى تاريخ الصحافة المصرية والعربية، والذى أعطى صحيفة الأهرام شكلها الحالى لتصبح أكبر المؤسسات الصحفية في العالم العربى وفى الفترة من 1956إلى 1957عرض عليه مجلس إدارة الأهرام رئاسة مجلسها ورئاسة تحريرها معا، واعتذر في المرة الأولى ثم قبل في المرة الثانية، وظل رئيسًا لتحرير جريدة الأهرام حتى عام 1974، وفى تلك الفترة وصلت الأهرام إلى أن تصبح واحدة من الصحف العشرة الأولى في العالم وقد ظهر أول مقال له في جريدة الأهرام تحت عنوان«بصراحة»يوم 10أغسطس 1957 بعنوان السر الحقيقى في مشكلة عُمان.وكان آخر مقال له في 1 فبراير 1974 بعنوان «الظلال والبريق» وكان أثناء توليه الأهرام قد أنشا مجموعة المراكزالمتخصصة للأهرام مثل مركزالدراسات السياسية والاستراتيجيةمركز الدراسات الصحفية ،مركز توثيق تاريخ مصرالمعاصرواستقطب فيها أرفع الكتاب ومنهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم وأثناء وجوده بها رفض الوزارة أكثر من مرة، حتى اضطر لقبول وزارة الإرشاد(الثقافة والإعلام ) قبيل وفاة عبدالناصر.وحين اشتُرط ألا يجمع بينها وبين الأهرام تركها غير آسف عليها بمجرد وفاة عبدالناصر وبعد وفاة ناصر وانتقال السلطة إلى أنور السادات الذي سانده هيكل للتغلب على من سماهم مراكز القوى، رغم أن هيكل في النصف الثانى من السبعينيات كان خارج دوائر النفوذ؛ حيث أبعد بقرار رئاسى من الأهرام،فإنه لم ينته صحفيا كما توقع كثيرون وقتها، بل زادت نجوميته مخترقا الحواجز والقيود التي فرضتها عليه القيادة السياسية، ليصبح واحدا من أهم 11 صحفيا في العالم، تترجم كتبه إلى 31 لغة وبعد حرب أكتوبر 1973اختلف مع الرئيس أنور السادات حول التعامل مع النتائج السياسية لحرب أكتوبر، واتخذ الرئيس قراراً بتعيينه مستشاراً، واعتذر عن قبول المنصب وتفرغ للكتابة، وكان كل ما يكتبه ينشر خارج مصر وهو يعيش داخلها، وكان من نتيجة كتاباته أن اعتقله الرئيس السادات ضمن اعتقالات سبتمبر 1981.وفى عهد الرئيس مبارك وفى مقابلة مع روبرت فيسك، انتقد بشدة الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك، قائلا: «إن مبارك يعيش في عالم خيالى في شرم الشيخ» ووصفه في موضع آخر بأنه ليس لديه حنكة سياسية، وقد اعتزل هيكل الكتابة المنتظمة والعمل الصحفى في 23 سبتمبر 2003 بعد أن أتم عامه الثمانين ومع ذلك فإنه استمريساهم في إلقاء الضوءبالتحليل والدراسة على تاريخ العرب المعاصر الوثيق الصلة بالواقع الراهن مستخدما منبرا جديدا غير الصحف والكتب وهو التليفزيون إلى أن توفي «زي النهارده» في17 فبراير 2016.