البورصات الخليجية تغلق على تباين مع تصعيد ترامب حربه التجارية    إسرائيل تهاجم 150 هدفا في غزة.. وسقوط مئات القتلى والجرحى    السيسي يبحث تعزيز التكامل القاري مع عدد من القادة الأفارقة    الثالث من سيراميكا.. الاتحاد السكندري يتعاقد مع عبد الرحمن بودي    تقرير: يوفنتوس يتفق مع سانشو على بنود عقده    وزير العمل يُسلم عقود جديدة لذوي همم بالقاهرة    تشميع أكاديمية تمريض وضبط لحوم فاسدة ومحال مخالفة في حملة رقابية ببني سويف    مدحت صالح يحيي حفلًا غنائيًا بمكتبة الإسكندرية ضمن مهرجان الصيف الدولي    الجَدّ    «الصحة» تعلن الانتهاء من تنفيذ المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سي لطلاب المدارس    اجتماع تمهيدي في مدينة حلايب لمناقشة المخطط الاستراتيجي الجديد    الإحصاء: 9.1% زيادة في قيمة رأس المال المدفوع للهيئات الاقتصادية عام 2023 - 2024    مصدر يكشف لمصراوي سبب تأخر بيراميدز في ملف التعاقدات الصيفية    مايا مرسى تكرم «روزاليوسف» لجهودها فى تغطية ملفات الحماية الاجتماعية    مشروع قبريط ابتلع أحمد وعبدالحميد.. غرق شقيقين في ترعة بكفر الشيخ    إحالة أوراق صاحب محل وسائق للمفتى بالقليوبية    تنسيق الجامعات الأهلية 2025.. تفاصيل الدراسة في برنامج طب وجراحة حلوان    توافد ممثلي الأحزاب على مقر حزب الجبهة الوطنية    هنو يلتقي عددًا من السفراء المرشحين لتولي مهام التمثيل الدبلوماسي لمصر    الرئيس التركي يبحث مع نظيره الإماراتي تخليص المنطقة من الإرهاب    4 أشقاء راحوا في غمضة عين.. التحقيق مع والدي الأطفال المتوفين في المنيا    الأكثر فاعلية، علاج القولون العصبي بالأنظمة الغذائية الصحية    نقيب الصحفيين: علينا العمل معًا لضمان إعلام حر ومسؤول    أخبار السعودية اليوم.. مطار الملك خالد يحقق يقتنص مؤتمر الأطعمة والضيافة في برشلونة    أحدهما يحمل الجنسية الأمريكية.. تشييع فلسطينيين استشهدا جراء هجمات مستوطنين بالضفة    وزير قطاع الأعمال العام: انفتاح كامل على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص    التعليم العالي: احتفالية بمناسبة مرور 50 عامًا على التعاون العلمي بين مصر وإيطاليا    وزراء العدل والتخطيط والتنمية المحلية يفتتحون فرع توثيق محكمة جنوب الجيزة الابتدائية | صور    عرض جديد من أرسنال لخطف نجم الدوري البرتغالي    وكيل الأزهر يدعو الشباب للأمل والحذر من الفكر الهدام    نجم مودرن سبورت.. صفقة جديدة على رادار الزمالك    وزير الأوقاف: شراكة الإعلام والمؤسسات الدينية خطوة تاريخية لمواجهة تحديات العصر الرقمي    خبراء: قرار تثبيت أسعار الفائدة جاء لتقييم الآثار المحتملة للتعديلات التشريعية لضريبة القيمة المضافة    علامات تشير إلى وجود دهون حول قلبك.. تعرف على المخاطر المحتملة    تامر حسني يعلن عن مسابقة بالتزامن مع طرح ألبومه "لينا معاد"    4 أبراج تقول «نعم» دائما حتى على حساب نفسها (هل أنت منهم؟)    الأحوال المدنية تواصل خدماتها المتنقلة لتيسير استخراج المستندات للمواطنين    مساعدات أممية طارئة لدعم الاستجابة لحرائق الغابات في سوريا    مكافحة الحرائق.. مشروع تخرج بهندسة المطرية -تفاصيل    محافظ أسوان: دخول 24 مدرسة جديدة للعام الدراسي القادم    بعد قبول الاستئناف.. أحكام بالمؤبد والمشدد ل 5 متهمين ب«خلية الإسماعيلية الإرهابية»    الكشف على 31 ألف مواطن بالمبادرات الصحية بشمال سيناء خلال 2025    ربيع ياسين: الأهلي اتخذ القرار الصحيح برحيل أحمد عبدالقادر    هل يجوز إجبار الفتاة على الزواج من شخص معين وهل رفضها عقوق؟.. أمين الفتوى يجيب    الوطني الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي بإقامة"المدينة الإنسانية" لا يمت بأي صلة للقيم الإنسانية    حالة الطقس في الإمارات اليوم.. صحو إلى غائم جزئياً    القديس يعقوب بن زبدي.. أول الشهداء بين الرسل    لاعب الأهلي السابق يكشف عن أمنيته الأخيرة قبل اعتزال الكرة    الشيخ أحمد البهي: لا تكن إمّعة.. كن عبدًا لله ثابتًا على الحق ولو خالفك الناس    النسوية الإسلامية.. (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ): خاتم الأنبياء.. وهجرة الرجال والنساء! "131"    عبد الحليم حافظ يرفض العالمية بسبب إسرائيل    هل يحق للعمال مطالبة المؤسسة بالتدريب والتطوير؟    مستوطنون يحرقون بركسا زراعيا في دير دبوان شرق رام الله وسط الضفة    في شهادة البكالوريا .. اختيار الطالب للنظام من أولى ثانوى وممنوع التحويل    أفضل أدعية الفجر.. 10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال    «دوروا على غيره».. نجم الزمالك السابق يوجّه رسائل نارية لمجلس لبيب بسبب حمدان    وكالة فارس: الرئيس الإيراني أُصيب في هجوم إسرائيلي استهدف اجتماعا سريا للأمن القومي في 16 يونيو    للمرة الثانية.. سيدة تضع مولودها داخل سيارة إسعاف بقنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال البنا.. الوهج تحت الرماد (ملف خاص)
نشر في المصري اليوم يوم 01 - 01 - 2012

المفكر الإسلامى جمال البنا، هو الشقيق الأصغر لحسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه يختلف مع فكر هذه الجماعة، ويعد رائداً للفكر التنويرى الإسلامى، وله العديد من الآراء الفقهية التى أثارت، ولاتزال، الكثير من الجدل.
وجمال من مواليد مدينة المحمودية بمحافظة البحيرة، ديسمبر 1920، قضى منها أكثر من 67 عاما يقدم إبداعاته الفكرية، حيث صدر أول كتاب له بعنوان «ثلاث عقبات فى الطريق إلى المجد» عام 1945، وفى العام التالى أى 1946، أصدر كتابه الثانى «ديمقراطية جديدة»، ثم توالت مؤلفاته فى الصدور حتى تجاوزت مؤلفاته ومترجماته 150 كتابا.
عمل محاضراً فى الجامعة العمالية والمعاهد المتخصصة منذ 1963 وحتى 1993، وعمل خبيراً بمنظمة العمل العربية. فى سطور هذا الملف نلقى الضوء على المزيد من أفكار وآراء ومؤلفات رائد الفكر التنويرى جمال البنا، بمناسبة عيد ميلاده ال91.
المفكر الإسلامى.. شقيق مؤسس «الإخوان» الذى أصبح رائداً للفكر التنويرى
كان اسم المدينة الصغيرة التى ولد فيها جمال البنا هو «العطف»، لانعطاف النيل من عندها حيث فرع رشيد، بعدما قام محمد على باشا بحفر ترعة المحمودية، التى تصل بين النيل والبحر فى الإسكندرية، نسبة إلى السلطان العثمانى محمود خان.
وفى هذه المدينة الوادعة التى تجمع بين طابعى الزراعة والتجارة، ولد جمال البنا، أصغر الأبناء الذكور لأحمد عبدالرحمن البنا الساعاتى، فى 15 ديسمبر عام 1920، وتم تسجيله فى دفتر المواليد فى 19 ديسمبر من العام نفسه.
أما شقيقه الأكبر فهو حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، وكان الأب يتمتع بعلو الهمة، والابن البكر «حسن» يتمتع بالإرادة، ومما يذكر للأب أنه أوقف حياته على إنجاز مشروعه الضخم «تصنيف وشرح مسند الإمام أحمد بن حنبل».
ويماثل هذا العمل العظيم ما قام به الابن الأكبر حسن البنا، حيث استطاع فى عشرين عاماً تأسيس وتكوين جماعة الإخوان المسلمين التى صمدت أمام عداوة حكام مصر من الملك فاروق إلى عهد مبارك.
ومن المدهش أن الأب أحمد البنا وابنه الكبير حسن البنا وابنه الأصغر جمال البنا رغم انخراطهم بين التنظير والتنظيم الإسلامى، لم تطأ قدم أحد منهم الأزهر ولم يتعلموا فيه.
كما أن حسن البنا نهض بالجماعة منذ أسسها فى 1928 فى الإسماعيلية من ستة عمال من العاملين فى القنال اختارهم من على المقهى وليس من المسجد ونهض حسن البنا بالجماعة إلى هذا المستوى كهيئة دولية لها خمسمائة شعبة ولها فروع فى العالم الإسلامى.
أما عن طبيعة العلاقة التى ربطت بين الثلاثة «الأب والإمام والمفكر» نعنى «أحمد وحسن وجمال» فقد كانت وثيقة حميمة، وكانت أقوى من علاقة بقية الإخوة بهم، ذلك أن جمال البنا رفض الحياة البرجوازية المألوفة التى تبدأ بدخول الجامعة ثم الانخراط فى وظيفة ثم الزواج وتكوين أسرة.
رفض جمال البنا هذا النمط البرجوازى للحياة، فكان لديه الوقت الطويل الذى قضاه مع الأب والشقيق اللذين أيضاً كانا فى حاجة إليه لمعاونتهما فى بعض أعمالهما وقد آنسا فى طبعه الهادئ والمتمرد معاً شيئاً يقربه إليهما فكانت العلاقة المتميزة الطويلة وكانت نقطة إعجاب جمال البنا بوالده وشقيقه هى فكرة ومبدأ «الرسالية» لدى هذين الرجلين من خلال رسالة كل منهما على حدة، حيث أخضع كل منهما حياته وأوقفها على رسالة يؤمن بها ويؤديها ويأخذ نفسه بالجد ليقوم عليها أتم قيام.
أما علاقة «جمال» بوالده فتبدأ من كونها علاقة أب بآخر العنقود من الذكور السابق على آخر عنقود البنات «فوزية»، وفى هذا الوقت كانت الأسرة قد انتقلت من المحمودية الجميلة المريحة الواسعة ذات النهر الفسيح والشمس والسماء الصافية والبراح المفتوح والأفق الواسع إلى أزقة القاهرة التى لا تدخل بيوتها الشمس أو النور وإنما الرطوبة والبرد.
وعندما ولد جمال البنا كان نحيفاً واهن الجسد، يسير بخطى متثاقلة ولم يكن يستطيع أن يلعب ويرتع، فالحارة الضيقة تحول دون ذلك كما أن صحته طفلاً لم تساعده على ذلك فانطوى على نفسه وأمضى حياته دون أن يركب دراجة، فكان المتنفس الوحيد هو القراءة وكان والده يصطحبه معه وهو طفل إلى مكتبه ويجلس الأب للكتابة ويدعه فى الصالة الخلفية للمكتب، وكانت مكتبة الوالد هذا الريفى السنى حافلة بالمجلات والصحف فكان جمال يقلب فيها ويقرؤها، فقرأ «اللطائف المصورة» وقرأ القصص المترجمة وقرأ مجلة «الأمل» التى أصدرتها شابة ناهضة هى «منيرة ثابت» التى كانت أول من دعا لحق المرأة فى الترشح لانتخابات البرلمان.
ومنذ تلك الأيام كانت العلاقة بين جمال ووالده متصلة وحميمة حتى توفى الوالد كما كان الأب يحب آخر أبنائه من الذكور والبنات فأحب «فوزية» و«جمال» وقد سمى ابنه «جمال» على اسم «جمال الدين الأفغانى» تيمناً به.
تأثر جمال البنا بوالده فى كثير من الأشياء، منها أنه عمل فوق مستوى المذهبية بالعودة لفقه السنة لا فقه المذاهب، كما تأثر فيما يمكن وصفه بعصامية العلم والمعرفة.
ومن المدهش مثلا أن الوالد أحمد البنا وجمال البنا لم ينخرطا فى جماعة الإخوان، ولم يزر الوالد مقر الجماعة إلا مرات معدودة فضلاً عما أخذه «جمال» عن أبيه من علو الهمة وتقشفه واقتصاره على ضرورات الحياة.
أما عن علاقة جمال البنا بشقيقة الأكبر حسن فكانت متميزة وحميمة وكانت فيها جدلية نشأت من اختلاف الطبائع، وهو اختلاف يمثل تكاملاً مع فارق أن حسن البنا نشأ وكبر فى المحمودية فيما نشأ جمال فى القاهرة رغم مولده فى المحمودية.
وكان حسن البنا يدرك بحاسته أن فى أخيه تميز «الرسالة» الذى توفر له ولأبيه، وكان هذا سر تقريبه رغم الاختلاف الذى أدى للترابط لا التنافر، وقد لمح حسن البنا لشقيقه الصغير برغبته فى أن يعمل معه فى مناسبتين، كانت الأولى عندما دار حديث عن علاقة رشيد رضا بالشيخ محمد عبده ثم علاقته بابن عمه الذى كان يحمل اسم «عاصم» ويتولى إدارة أعماله، ولكن جمال البنا صمت فلم يكن يستطيع إعلان رفضه هذه الثقة كما أنه لا يستطيع القبول. وأدرك حسن البنا بفراسته ذلك فغير الحديث، أما المرة الثانية فكانت حينما ألقى البوليس القبض على جمال البنا وبعض أعضاء الحزب الذى أسسه جمال البنا فى 1946 وهو حزب العمل الوطنى الاجتماعى حينما قاموا بتوزيع منشورات عن ذكرى ضرب الأسطول البريطانى للإسكندرية.
وأرسل حسن البنا أحد أعوانه إلى سليم ذكى حكمدار القاهرة الذى أصدر قراراً فورياً بالإفراج عن جمال، فلما عاد إليه قال له حسن البنا: «أنت تكدح فى أرض صخرية صلبة، ونحن لدينا حدائق تثمر أشجارها فواكه تتساقط وتحتاج لمن يلتقطها»، ورد جمال البنا قائلاً: «إن فواكه الإخوان ليست هى الثمار التى تريدها»، ولم يتأثر حسن بهذا الرد، لكنه نصح شقيقه بتغيير اسم حزبه من «حزب» إلى «جماعة» حتى لا يصطدم الحزب الناشئ بالحكومة، وهذا ما أخذ به جمال.
وكان حسن البنا مهموماً بشقيقه الأصغر من منطلق المسؤولية فحين كان يلمس أن الحياة ضاقت به لبطالته الإرادية كان يكل إليه أعمالا يعرف أنه يقبلها مثل إدارة مطبعة الإخوان وكان آخر منصب عهد به إليه هو سكرتارية تحرير مجلة الشهاب التى يرأس حسن تحريرها. وقد استفاد جمال البنا من شقيقه الكثير فقد أعجب برسالية الإمام، ولكونه قائداً نموذجياً يخضع نفسه لمقتضيات مسؤولية قيادة الجماعة كما كان الإمام متقشفاً كوالده كما كانت فيه كياسة ولطف وأدب وذوق ونوع من مصانعة الناس ويخاطبهم على قدر عقولهم مراعياً الكثير من الاعتبارات، وقد أخذ جمال الكثير من هذا.
كما كان الدرس الذى استفاده «جمال» من أخيه فى أيامه الأخيرة له فى صحبة الإمام أن الداعية إما أن يكون منظماً أو منظراً، وأن الجمع بين الاثنين حتماً يبوء بالفشل أو إغفال أحدهما لصالح الآخر لكن الإمام البنا كان منظماً موهوباً وفريداً فيما كان جمال منظراً. وانتهت علاقة جمال بشقيقه عندما اعتقل جمال فى 8 ديسمبر 1948وظل بالمعتقل حتى سنة 1950 فلم يحضر الأيام المأساوية الأخيرة لشقيقه ولا كيف استشهد ولا كيف خرجت جنازته لا يسير معها إلا الوالد وسيدات الأسرة فقد كان مسجوناً فى الطور عندما وقعت هذا الأحداث.
أما علاقة جمال بوالده فاستمرت حتى وفاة الشيخ أحمد فى 1959 وسار وراء جثمانه وواراه الثرى إلى جوار ولده البكر حسن وآل ل«جمال» كل تراث الوالد والوالدة والشقيقة فوزية، كما أوصى عبدالرحمن (الابن الثانى فى عائلة البنا) بأوراقه وكتبه لشقيقه جمال، ومما ورثه عن أمه «الرحاية» و«مكيال» وطبلية وطشوت نحاسية فتخلص منها واحتفظ بطبق صينى أزرق كبير هو طبق الفتة الذى كان ضمن جهاز أمه.
وكان البنا حينما أفرج عنه قد اشترك فى تحرير مجلة الدعوة التى كان يرأس تحريرها صالح عشماوى، وكان سيد قطب يكتب بنفس المجلة ومما يذكر أن أحمد حسين، مؤسس وزعيم حزب مصر الفتاة، دعا جمال البنا للانضمام للحزب لكن جمال أبدى تحفظه وأعلن عن مبدئه الذى يرفض الانضمام لجماعة أو تنظيم فأسند إليه أحمد حسين قسماً خدمياً بالحزب هو قسم «خدمة الشباب».
«نحو فقه جديد»: يقدم قراءة معاصرة فى أكثر من فرع فقهى
«نحو فقه جديد» كتاب أراد له مؤلفه «جمال البنا» أن يكون شاملا جامعا، يقدم قراءة معاصرة فى غير فرع من فروع الفقه، أصدر منه «البنا» ثلاثة أجزاء إلى الآن: الباب الأول تحت عنوان «منطلقات ومفاهيم» وينقسم إلى بابين كبيرين، كل منهما يقع فى أكثر من فصل.
يجىء الفصل الأول تحت عنوان «منطلقات ومفاهيم» ويقع فى أربعة فصول، الأول عن البراءة الأصلية ودائرة الحلال والحرام، والثانى عن التمييز بين العقيدة والشريعة والفقه، والثالث يعرض النشأة التاريخية لظهور وتضخم فقه العبادات، وأرجعه إلى ضيق الحكام بما تضمنه الإسلام من آراء تقرر الشورى والمساواة والتكافل الاقتصادى، وحرصهم على أن ينحصر دور العلماء فى فقه العبادات، الذى لا يتعرض للحكم أو الحياة، أما الفصل الرابع من هذا الباب فيتعرض ل«الاجتهاد.. هذا المعلوم المجهول» من خلال جوانب عديدة وجديدة فى طرح الموضوع.
أما الباب الثانى من الكتاب، فجاء تحت عنوان «فهم الخطاب القرآنى»، ويضم ثلاثة فصول، أثبت أولها أن تلاوة الرسول للقرآن كانت كافية لتحويل مشركى العرب إلى الإيمان، فيما يعرض ثانى فصول الباب ل«هم الخطاب القرآنى بعد المرحلة النبوية وحتى المرحلة المعاصرة»، فيشير إلى ظهور التفاسير وعلوم القرآن، وأسباب النزول والنسخ، وهو ما يتقصى محاولات البحث عن إعجاز القرآن، ثم عرض لكلام المفسرين المحدثين، بدءا من الشيخ محمد عبده حتى سيد قطب وأنصاره، إضافة إلى الإعجاز العلمى وما قدمه بعض المعاصرين، مثل الدكتور محمد شحرور فى كتابه: «الكتاب والقرآن قراءة معاصرة» وتعرض البنا لمحاولات المستشرقين والمتأثرين بهم مثل محمد أركون ونصر أبوزيد. ويختتم هذا الباب بفصل مسهب عن «فهم الخطاب القرآنى كما يجب أن يكون.
أما الجزء الثانى من كتاب «نحو فقه جديد» فقد خصصه المؤلف، لموضوع السنة، لحيويته،لأن السنة تمثل مادة الفقه الإسلامى، ويصف المؤلف التطورات، التى دفعت السنة إلى الصدارة بحيث أصبحت تقضى على القرآن، ودلالة ونتائج هذا التحول الخطير، ثم جاء الفصل الثانى عن «السنة بين المتحفظين عليها والمسلمين بها»، وعن المتحفظين يذكر الخوارج، وأن ما يعتد به إنما هو السنة الفعلية التى انتقلت من جيل الرسول إلى الأجيال الراوية للحديث. ويعرض الفصل الثالث ظاهرة بارزة فى تطور الحديث، أوردها تحت عنوان «من التشدد إلى الترخص» وتتابع فيه الصور المتوالية للتنازلات، التى سمحت بقبول الحديث الموضوع فى فضائل الأعمال، والأثر المدمر لها، ويعرض الفصل الرابع لظاهرة الأحاديث المتواترة، ومعظمها أبعد عن المصداقية، لأنها تدور حول المهدى والفتن والحوض وغيرها، مما لا يفترض أن يكون موضوعا لتواتر فى دين كالإسلام يقدم منهجا للحياة. أما القسم الثانى من الكتاب فيحمل عنوان: «السنة فى الفقه الجديد» وهو يضم مقدمة عن المواقف إزاء السنة ما بين المسلمين بها والمتحفظين عليها.
«الشيخ والإمام والأستاذ» ثلاثة أجيال فى أسرة
«خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه» كتاب فريد من نوعه يمثل إضافة فى عالم التراجم (السير)، وهو يقوم على عدد من الخطابات أرسلها الإمام الشهيد حسن البنا إلى والده من سنة 1926 حتى سنة 1947.
وانتهز المؤلف وجود هذه الخطابات فوضع كتابه هذا بعد أن أضاف إليه سيرة مطولة لحياة وعمل والد الإمام الشهيد الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا (الساعاتى) منذ ولد وحتى وفاته. وعن العمل العظيم الذى قام به والده بمفرده طوال أربعين عاما فى تصنيف وشرح أكبر موسوعة إسلامية فى الحديث هى (مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى) الذى لم يجرؤ عليه أحد منذ ألف عام حتى نهض بذلك هذا الرجل القادم من أعماق القرية، والذى لم يدرس فى الأزهر, كما تحدث عن الأيام الأخيرة للشيخ، خاصة بعد أن استشهد نجله البكر حتى توفى 1958، واستغرقت هذا الترجمة 83 صفحة انتقل بعدها إلى خطابات الإمام الشهيد.
وكان الكاتب فى مقدمته قد عرض فى أسلوب رفيع أخاذ بعض الصفات العامة التى تكشف هذا الخطابات عنها، ثم عاد لما بدأ فى عرضها تفصيليا فقسمها إلى ثلاث مجموعات، وأول هذا الخطابات تاريخه سنة 1926وآخرها تاريخه سنة 1947م. ووثق الكتاب فى ملحق مستقل ما جاء فى الفصلين، وذلك بعرض الصور الخطية للخطابات أو الوثائق وكذلك بعض الصور النادرة للشيخ الوالد وللإمام الشهيد. والكتاب يعرض بعض القسمات الخافية فى حياة الشهيد، وأشارت الكلمة التى فى الغلاف الأخير للكتاب والتى حملت صورة للشيخ الوالد والإمام الشهيد والمؤلف إلى أن الشيخ البنا والإمام الشهيد والأستاذ جمال البنا يمثلون ثلاثة أجيال فى أسرة واحدة.
قراءة للمحاور الرئيسية فى المشروع الفكرى لجمال البنا
يرى أن الإنسان غاية.. والإسلام وسيلة.. والحكمة من أصول الشريعة.. ويدعو لإعادة تأسيس منظومة المعرفة
بدأ المفكر جمال البنا، منذ نحو 40 عاماً، مشروعه الفكرى تحت عنوان المشروع الحضارى لدعوة الإحياء الإسلامى، والذى يهدف إلى فرز ومراجعة الأفكار المستقرة فى الذهنية الإسلامية فى كل فروع الإسلام، وأصدر خلال هذه المدة العديد من الكتب التى تحقق أهداف المشروع.
ويضم المشروع مجموعة أسس ومحاور، أولها يتعلق برؤية البنا للإنسان باعتباره مستخلفا لله فى الأرض، وحدد البنا منطلقات أساسية فى مشروعه الذى يتمحور حول فكرة رئيسية، هى «الإنسان المستخلف»، ويرى أن الإسلام وسيلة والإنسان غاية، بمعنى أن الإسلام وسيلة لتحقيق العدالة والحرية والكفاية، وأن الإنسان يأتى أولا لأن الله كرمه وجعل الملائكة تسجد له، وخلق الأرض كوكبا مميزا بين ملايين الكواكب فجعل مناخها محتملا وشق فيها البحار والأنهار وبسط السهول وأرسى الجبال واختزن فى جوفها المعادن وأوجد على سطحها الحيوان والنبات ليكفل للإنسان حاجته من المأكل والمسكن والملبس، كما أنعم عليه بنعمة العقل والتفكير، ومنحه الضمير، والحرية، وأنزل الكتب وبعث الرسل لهدايته، كما خلق الشياطين لتكون الحياة مبارزة بين الخير والشر، وعليه يكون الحساب والجزاء فى الآخرة، وأن الرسول فهم ذلك جيدا فأقام فى المدينة المنورة مجتمعا يحقق للإنسان العزة والكرامة، وأرسى القيم التى تحققهما، وأبرزها المساواة، فكل المسلمين عدول كأسنان المشط، ولا يعلو أحدهم على القانون، كما وضع نظاماً يكفل الأمن للجميع، ويبعد الخوف، فلم يكن فى المدينة بوليس ولا سجون، كما كفل الأمن الغذائى وما تتطلب المعيشة بسن الزكاة والتكافل الاقتصادى، وبذلك حقق إسلام الإنسان.
ويمثل العقل المحور الثانى فى المشروع الذى يدعو إلى تحكيم العقل لنحكم به مع القرآن دون أن نعتمد على التفاسير، ولنميز به الحديث الصحيح من الموضوع.
وقدم البنا فى مشروعه رؤية للإسلام تختلف بل تتعارض مع الفكرة التقليدية، وظهر هذا جلياً فى كتابه «ديمقراطية جديدة» الذى صدر عام 1946، وتضمن فصلاً بعنوان «نحو فهم جديد» وجه فيه الحديث إلى الإخوان المسلمين الذين بلغوا شأنا لافتاً وصاروا أقوياء وتأكد دورهم وحضورهم، طالبهم فيه أن يؤمنوا بالإنسان وليس بالإيمان.
وحرص البنا على أن تتولى دعوة الإحياء مهمة التجديد الإسلامى الجذرى، وإعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية، وأخذ على عاتقه هذه المهمة الثقيلة التى اضطلع بها وأوقف عليها حياته وبدأها مبكراً وتحديداً عام 1946 مع صدور «ديمقراطية جديدة»، كأول كتاب فى هذه السلسلة المتتابعة التى تصب جميعها فى سياق المشروع، وهى الكتب التى تسببت فى حدوث صدمات معرفية للذهنية الإسلامية الرافضة لخطاب التحديث، واعتبرتها افتئاتا على الدين الحنيف وثوابته المقدسة.
وأوضح البنا الهدف من مشروعه بقوله إنه يشكل دعوة للعودة إلى إسلام الإنسان، خاصة أنه يرى أن روح العصر الحديث تساعد على ذلك، مشدداً على ضرورة إعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية على أساس «إسلام الإنسان وليس إنسان السلطان»، وفى إطار هذه الدعوة أصدر مجموعة كتب تشرح محاور التأسيس الجديد، والمبادئ التى يقوم عليها، وتضمنت المراجع التى وصفتها الدعوة أكثر من 30 كتاباً كبيراً تعالج كل جوانب القضية الإسلامية، منها السياسة، والمرأة، وحرية الفكر والعقيدة، والدعوات الإسلامية المعاصرة، والفقه، والتفسير، والحديث، وغيرها، والعودة إلى القرآن الكريم واعتباره كتاب هداية، واستبعاد كل التفاسير وكل ما جاء به المفسرون من نسخ أو أسباب نزول، وأن السنة يجب أن تضبط بالقرآن، واعتبار الحكمة أصلاً من أصول الإسلام، والزكاة فريضة مقدسة كالصلاة، وتنظيمها يحقق الضمان الاجتماعى، وتجاهل السلفية وعدم الاعتداد بها، فالسلفية هى الماضى الذى لا نستطيع أن نعيش حاضرنا فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.