تتميز أوانى الستيولا المقدسة بالغموض، ولا يعرفها من المصريين سوى الأثريين المتخصصين في هذا الأمر، لاسيما وأنها تمثل تاريخا فريدا ونموذجا متميزا للحياة المصرية القديمة، نظرا لأنها ترتبط بالمصرى القديم، وتجلت أوانى الستيولا في أشكال وتصميمات، أبرزها نموذج «ثدى الأنثى». الأثرى الدكتور خالد أبوالحمد، مدير عام منطقة آثار الإسكندرية، صاحب أول رسالة دكتوراه في مصر عن أوانى الستيولا، التي أشرف عليها الراحل الدكتور عبدالحليم نور الدين، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، يقول: «يوجد في مصر 600 إناء ستيولا نتاج حفائر ومخازن ومتاحف مصرية وعالمية». وعن أوانى الستيولا، أوضح أنها تتميز بارتباطها بالإنسان المصرى القديم ارتباطا وثيقا منذ عصر ما قبل وبداية الأسرات، مرورا بجميع الأسرات والحقب والعصور التاريخية، وامتد هذا الرباط الوثيق حتى عصرنا الحالى، وهناك أوجه تشابه بين بعض هذه العناصر الثقافية في المجتمعات المختلفة، مشيرا إلى أن مسميات أوانى الستيولا قد وردت في نصوص الأهرام ومتون التوابيت والنصوص المعنية بتقديم القرابين وفى كتب الموتى،. وكان لهذا الإناء دور فعال في العالم الآخر عند المصريين القدماء، لكونه مرتبطا بالمياه المقدسة، التي ترتبط بقدسية النيل، وكذا ارتباطها بمفاهيم الخلق والخلقة في الزمن الأول، بالتالى فهى ترتبط بالمياه الأزلية، التي نشأت منها ومن خلالها عملية الخلق. كما ارتبط الإناء باللبن، وهو سر من أسرار الحياة في الدنيا ما يكمل عملية الخلق، فبعد التكوين وخلق الإنسان، من خلال المياه والطين، تبدأ المرحلة الثانية لاستمرار الحياة بجانب المياه وهو اللبن الذي يغذى الإنسان حتى تستمر حياته، وليس أدل على ذلك سوى الأوانى للإلهة إيزيس. وأشار أبوالحمد إلى أن الستيولا تمثل سرا من أسرار الحياة لارتباطها بأهم عنصرين هما الماء واللبن، وجاء ذلك واضحا في مظاهر الستيولا ومن خلال اللبن الذي تحمله فتستمر الحياه لدى الأطفال، لافتا إلى أن الأوانى التي تصور الإله ترضع ابنها حورس شائعة للغاية، إبان العصر المتأخر. وقال «أبوالحمد» إن الستيولا تصنع من البرونز أو المركبات المسجدة، وقد أدى تعميم المعتقدات الجنائزية على الشعب، ابتداء من العصر المتأخر، إلى شيوع هذا الشكل من الأوانى التي كانت تستخدم كنذور توضع في المعابد، وظهرت هذه الأوانى منذ بدأت معرفة المصرى القديم بالفخار في العصر الحجرى الحديث، من سنة 5000 إلى 3100 قبل الميلاد، وانتشرت مراكزها في مرمدة بنى سلامة والعمرى ودير تاسا والفيوم وغيرها. وتميزت صناعة تلك الأوانى بالمهارة من قبل الصناع والفنانين، وتعدى ذلك إلى بعض الكهنة الذين كانوا يتولون صناعتها بأنفسهم، والإشراف على صناعتها ومتابعة ما ينقش ويصور ويدون عليها، وازدهر فن الرسم والنقش البارز والغائر على هذه الأوانى. ويشهد بذلك جدران المعابد والمقابر، وقد تعامل الفنان مع بدن الإناء باعتباره سطح رسم ونقش وحاول استثمار المساحات، واعتمدت الستيولا في صناعتها على تقنيات فنية غاية في الدقة والبراعة، لأنها كانت من أبرز معالم الطقوس في العالم الآخر ومن معضدات مفهوم البعث والنشور عند المصرى القديم، وكفالة تحقيق الخلود في العالم الآخر. ولفت «أبوالحمد» إلى أن الخصائص التاريخية للطراز التاريخى للستيولا في عصر الدولة القديمة، كان عبارة عن ستيولا قمعية الشكل أخذت شكلا بكتف عريض وبدن مسحوب إلى قاعدة بشكل مسطح، ولم يكن لهذه الأوانى رقبة وكانت تمتاز بحافة دائرية وكانت ذات شكل كمثرى، بشكل انسيابى منتفخ عند الكتف، يضيق قرب القاعدة، كما تجلى ظهور الستيولا التي تأخذ شكل ثدى الأنثى وارتبطت بالإله إيزيس، وهى ستيولا مخروطية ذات رقبة أسطوانى صغيرة وقصيرة. إن الأوانى الطقسية التي ترجع إلى عصر الدولة الحديثة؛ سواء في المظاهر أو من خلال ما تم العثور عليه في الواقع الأثرى، قد بدت ذات أنواع وأشكال متعددة، إن بعضًا من هذه الأوانى كان مكتوبا عليها نصوص دينية ونصوص التقدمات، والبعض الآخر به الكتابات تمثل اسم صاحب الآنية فقط، وكانت تصنع من معادن نفيسة أو من البرونز، ولوحظ أن كل الأنواع الممثلة بها أياد أو مقابض منحنية ومتدلية من حلقات متصلة عند الحافة، وكذا الأوانى الأسطوانية. وعن عددها في مصر، قال «أبوالحمد»، إن ما تم إحصاؤه أكثر من 600 ستيولا، يوجد عليها مناظر دينية في مختلف المتاحف المصرية والعالمية، وتلاحظ أن عليها معظم المناظر المتشابهة كان بها أربعة صفوف أو خمسة صور مشاهد آلهة في العالم الآخر. كما لوحظ أن السجل السفلى كان يعرض ويمثل زهرة اللوتس الكبيرة أن معظم الستيولات كانت تحتوى على نصوص تتضمن طقوس القرابين والتقدمات ومناظر مكررة، فمثلا نجد المتوفى يستقبل التقدمات من رجل أو إله أو كان هو نفسه يقدم بنفسه القرابين للإله، لافتا إلى أن آثار الملك إخناتون لم تسلم من العبث، ومحو اسمه حتى على أوانى متحف ولترز. وأضاف: «على مر العصور عرضت الستيولا في 30 صالة مزاد في مختلف بلدان العالم، وتم اكتشاف الستيولات المصرية خارج القطر المصرى، في منطقة حيفا، وتل يمام، وكرمه في السودان، ومنطقة كوريون في قبرص، وتلاحظ وجود الستيولا في مختلف المتاحف المصرية، واكتشفت الستيولات في 25 موقعا أثريا في مصر، وكان لمدينة الأقصر النصيب الأكبر في عددها المكتشف وخرج من أرضها 45 ستيولا، يليها تل بسطة وعثر فيها على 27 ستيولا؛ ثم الجيزة 22 ستيولا، وسقارة 17 ستيولا، ثم تل العمارنة ثم الإسكندرية. وتعد تلك المدن من كبريات العواصم في مصر القديمة المؤثرة في الحياة الدينية على مر العصور والحقب التاريخية، ارتباطا جليا بمفهوم الخصوبة الزراعية والجنسية ومفاهيم التجدد والخلق والبعث والنشور، وليس أدل على ذلك إلا ارتباطها بالعجل أبيس، ومدلولات القوة الجنسية والخصوبة وارتباطها بالمعبود مين، رب الخصوبة والقوة الجنسية (اليونانى والرومانى) وهما أرباب التجدد والخصوبة». وأشار إلى أن المخازن المتحفية في مصر تذخر بعدد هائل من الأوانى التكريسية ذات الأشكال والطرز والاستخدامات والمناظر والنصوص التي تغطى معظم تاريخ مصر القديم، حتى العصرين البطلمى والرومانى، وعكف كثير من الباحثين والعلماء المصريين والأجانب على دراسة هذه الأوانى وتصنيفها والوقوف على طرق صناعتها وتحليل موضوعاتها وترجمة نصوصها وأغراضها وأصبحت هذه الأوانى من العلامات والشواهد المهمة على علم المصريات. وتعد آنية الستيولا مسمى أصبح شائعا في اللغة العربية وجميع اللغات الأجنبية، فضلا عن شيوعه واعتماده في جميع قواميس المصطلحات الأثرية العربية والمعربة والأجنبية، وتعتبر واحدة من أكثر الأوانى التكريسية والنذرية أهمية وتنوعا وغموضا، لارتباطها بمفاهيم عقائدية تضرب بجذورها في غياهب التاريخ المصرى القديم، لذا حرص المصرى القديم على استخدام تلك الآنية في ممارساته الطقسية داخل المعادن واصطحابها ضمن أساسه الجنائزى في مقره الأبدى، كما تغير لها من المواد الخام مثل الذهب والفضة والبرونز والأحجار.