قمة القادة الأفارقة في واشنطن: الصحف الأمريكية تؤكد أن المنح المعلنة غير كافية

تصدرت القمة الأمريكية- الإفريقية، منذ انطلاقها، أمس، عناوين الصحف الأمريكية، التي شددت على أن القارة السمراء باتت محل تنافس بين القوى الكبرى التي تخطب ودّها، وتعتبرها «ساحة تحدٍ دولى» على النفوذ والمصالح الجيوسياسية، وفيما جدد وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، تأكيده على أن القارة السمراء «لاعب فاعل في النظام الدولى وشريك في رسم مستقبل العالم»، لافتًا إلى أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إفريقيا تتلخَّص في كلمة واحدة هي «الشراكة» اعتبرت الصحف الأمريكية أن المنح التي أعلنها البيت الأبيض ليست كافية لاحتياجات القارة السمراء، مؤكدة أن على واشنطن اقتناص «فرصتها الذهبية»، لاستمالة القادة الأفارقة وكسب ثقتهم عبر الاستماع إلى احتياجات القارة السمراء، والكف عن إملاء القادة الأفارقة بعدم التعامل مع بكين، والإنصات إلى احتياجات قارتهم بدلًا عن ذلك.
أعلن البيت الأبيض، عن منح 4 مليارات دولار بحلول 2025 للتوظيف وتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية في إفريقيا، فضلًا عن مليار دولار للتعليم والتوظيف وبرامج الشباب في القارة السمراء، في حين حذّر وزير الدفاع الأمريكى من تنامى نفوذ «موسكو» و«بكين»، معتبرًا أنه يزعزع أمن القارة السمراء، قبل أن ترد الخارجية الصينية بأنها تخشى من تحوّل إفريقيا ل«ساحة صراع وتنافس».
وركزت القمة «الأمريكية- الإفريقية» في ثانى أيامها على زيادة التجارة والاستثمار، وبالتوازى مع ذلك، شهد منتدى الأعمال الأمريكى الإفريق، اجتماع رؤساء تنفيذيين وقيادات القطاع الخاص من أكثر من 300 شركة أمريكية وإفريقية مع رؤساء الوفود، لتحفيز الاستثمار في قطاعات حيوية كالصحة والبنية التحتية والطاقة.
وأكدت الولايات المتحدة،اليوم، التزامها بالعمل على تحديث شراكتها في جميع أنحاء إفريقيا وتوسيع نطاقها في مختلف المجالات، وذلك خلال كلمة ألقاها وزير الخارجية، أمام عشرات القادة الأفارقة، بحضور رئيس مجلس النواب الأمريكى، نانسى بيلوسى.
وتعهد وزير الخارجية الأمريكى، في تدوينة عبر «تويتر»، صباح الأربعاء، بالالتزام بالعمل مع الكونجرس لتوسيع وتحديث شراكات الولايات المتحدة في جميع العواصم الإفريقية، بشأن الازدهار الاقتصادى والديمقراطية وحقوق الإنسان والصحة والأمن الغذائى والمناخ.
وأعلن البيت الأبيض، في بيان، مساء أمس، منح 4 مليارات دولار بحلول 2025، للتوظيف وتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية في إفريقيا بعد جائحة كورونا، وذلك ضمن حزمة المساعدات التي أعلنها عشية القمة والمقدرة ب55 مليار دولار.
.@StateDept is committed to working with Congress to expand and modernize U.S. partnerships across Africa on economic prosperity، democracy and human rights, health, food security, and climate. Thanks @SpeakerPelosi for welcoming African leaders today. #USAfricaLeadersSummit22 pic.twitter.com/TkbYJacdyB
— Secretary Antony Blinken (@SecBlinken) December 14، 2022
كما أكدت نائب الرئيس الأمريكى، كمالا هاريس، استثمار أكثر من مليار دولار في التعليم وبرامج الشباب في إفريقيا، ما يسمح ل«واشنطن» بتعزيز الشراكة مع المؤسسات الأكاديمية الإفريقية والقطاع الخاص في التعليم والبحث في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
وأضافت «هاريس»، خلال منتدى الشباب الأفارقة بأول أيام القمة، أن إدارة الرئيس بايدن ستدعم القادة الشباب، إيمانًا منها بأنهم الشرارة التي ستدفع العالم للأمام، وشددت على اهتمامها أيضًا بمبدأ «الشراكة»، مؤكدة أنه منذ تولى «بايدن» الحكم، خصصت واشنطن أكثر من 19 مليار دولار للصحة العامة ومكافحة فيروس كورونا، و3.3 مليار دولار في الزراعة على المديين المتوسط والطويل واستثمارات الأمن الغذائى، و10 مليارات دولار في أغذية الطوارئ، والبرمجة الأمنية، و4 مليارات دولار قيد التطوير.
وأوضحت «هاريس» أن واشنطن ستسعى لتعزيز الشراكة مع القارة السمراء في الصحة والتنمية والحوكمة الرشيدة، ومواجهة تغير المناخ والطاقة النظيفة والأمن الغذائى والوصول إلى التمويل والتكنولوجيا الرقمية، لافتة إلى أن إدارة بايدن تضع القارة الشابة نصب أعينها.
من جهته، اعتبر وزير الدفاع الأمريكى، لويد أوستن، خلال منتدى السلام والأمن والحوكمة، الذي عقد مساء أمس الأول، ضمن فعاليات أول أيام القمة، بحضور وزير الخارجية الأمريكى، أن تنامى النفوذ الصينى الروسى «يزعزع أمن القارة السمراء»، محذرًا القادة الأفارقة من مغبته.
في المقابل، رد الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، وانج ون بين، أمس الأول، أن بلاده أبدت معارضتها لتحويل القارة الإفريقية إلى «بؤرة تنافس» بين بكين وواشنطن، على حساب إهمال احتياجاتها، وذلك وفق تصريحات أوردتها صحيفة «ثاوث تشينا مورننج بوست».
وتابع المسؤول الصينى، في رده على سؤال حول تقرير أعده مركز أبحاث جنوب إفريقى حول التنافس الصينى- الأمريكى بالقارة: «ستقيم الصين شراكات مع الدول الإفريقية على أساس الاحترام المتبادل والمعاملة المتساوية والتعاون المخلص».
وفى مسعاها لاستمالة شركاء أفارقة، تعهّدت الولايات المتحدة بتخصيص 55 مليار دولار لإفريقيا بحلول 2025، بحسب البيت الأبيض، وأوضح المستشار الرئاسى، جايك ساليفان، أن هذه الأموال التي سيتم الكشف عن كيفية توزيعها خلال القمة التي تستمرّ 3 أيام، برعاية الرئيس جو بايدن، ستخصص للصحة والاستجابة لتغير المناخ.
وانتقدت صحيفة «واشنطن بوست»، الأمريكية، تصريحات وزير الدفاع، مؤكدة أنه يجب على واشنطن اقتناص الفرصة لخلق شراكة حقيقية مع القارة السمراء، معتبرة أن المنح التي أعلنتها الولايات المتحدة، والمقدرة ب55 مليار دولار، ليست كافية لتغطية احتياجات القارة، حيث تعتبرها القوى السياسية الكبرى «ساحة تحدٍ دولى» على النفوذ والمصالح الجيوسياسية.
وتساءلت صحيفة «فورين بوليسى»، الأمريكية، عن قدرة الولايات المتحدة على استمالة القادة الأفارقة وكسب ثقتهم بمنحهم متطلبات القارة، معتبرة أن القمة يجب أن تمهد مسارًا مهمًا في العلاقات الأمريكية- الإفريقية بما يتماشى بشكل أكبر مع قوائم رغبات القادة الأفارقة، وليس فقط الرغبات الأمريكية.
وأوضحت الصحيفة أن القادة الأفارقة يطمحون في أن تتعاون الولايات المتحدة في استثمارات الطاقة والبنية التحتية، وأوصت بضرورة تقليل نبرة إلقاء المحاضرات على القادة الأفارقة، بشأن التعاون مع روسيا والصين، والاستعاضة عن ذلك بالإنصات لمطالب بلادهم.
ومن واشنطن، تحدث المحلل السياسى الأمريكى، عاطف عبدالجواد، ل«المصرى اليوم»، عن تهافت القوى الكبرى على القارة السمراء وصراعهم على تعزيز النفوذ بها، مؤكدًا أن إفريقيا تحظى سياسيًا بالثقل التصويتى في الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، وهو الدرس الذي تعلمته واشنطن من الحرب الروسية الأوكرانية، كما أنها تعد القارة الأكثر شبابًا والأسرع نموًا، بالإضافة إلى كونها أكبر بلوعة لثانى أكسيد الكربون نظرًا لما تحويه من غابات خضراء.
وأضاف «عبدالجواد» أن إدارة بايدن تحاول إحياء المحاولات التي لم تكلل بالنجاح في عهد سلفه أوباما، ليس فقط لأنها أمام تحدى اللحاق بالنفوذ الصينى، إنما لوجود لاعبين جدد في ظل غيابها، بينهم «روسيا وتركيا والإمارات»، إذ يزيد حجم التجارة بين إفريقيا والصين عن 261 مليار دولار، مقارنة ب 61 مليار فقط بين إفريقيا والولايات المتحدة.
وأكد «عبدالجواد» أن إدارة بايدن تعى أن القارة السمراء ستلعب دورًا في صياغة النظام العالمى الجديد المنتظر خلال 10 أعوام على أقصى تقدير، ولذلك ستعلن حزمة مبادرات، وستلتزم بتمثيل إفريقيا في مجموعة العشرين، بل وستسعى ليكون لإفريقيا دورًا أكبر في المؤسسات الدولية، على رأسها صندوق النقد الدولى ومجلس الأمن.
وتابع: «واشنطن تستهدف فتح مسارات جديدة للتعاون مع إفريقيا، بينها توسيع التعاون في الفضاء والمجالات العلمية والتكنولوجية، للاستفادة من رواسب المعادن الإفريقية النادرة التي تستخدم في تكنولوجيا صناعة السيارات الكهربية التي بدأت الولايات المتحدة في تصنيعها على نطاق واسع للتعامل مع أزمة المناخ والابتعاد عن النفط كمصدر للطاقة»، معتبرًا أن المنح التي أعلنتها واشنطن غير كافية، حيث إن التحدى الأهم أمام واشنطن، هو الإنصات إلى احتياجات القارة السمراء، بعد عقود طويلة من وعود والتزامات أمريكية لم تتحقق.