بصمات الثعلب.. محطات مضيئة في سجل المدير الفني للمنتخب السعودي هيرفي رينارد

«نحن هنا ليس للنزهة، بل لتقديم الأفضل، وأن نجعل السعوديين فخورين بمنتخبهم» بهذه الكلمات تحدث المدير الفني للمنتخب السعودي الفرنسي هيرفى رينارد، قبل المواجهة التاريخية أمام المنتخب الأرجنتيني.
ربما نما إلى سمعك بهذا المدرب من قبل، وخاصة لو كنت من المتابعين لكرة الأفريقية، فخلال العشر سنوات الماضية تصدر رينارد الساحة الكروية الأفريقية في عدة مناسبات حتى أنه المدرب الوحيد الذي حقق كأس الأمم الأفريقية مرتين مع منتخبين مختلفين مع زامبيا 2012 والكوت ديفوار 2015.
يعرف هيرفي رينارد بأنه مدرب صاحب البصمات، فلا يمتلك زمام أمور فريق إلا ويترك فيه أثر، ليخلد الثعلب الفرنسي (كما يلقب) اسمه في صفحات التاريخ الكروي وخاصة على الساحة الأفريقية.
بمسيرة في الملاعب الفرنسية متواضعة نوعًا ما في حقبة الثمانينيات والتسعينيات، لم يحقق رينارد إنجازاً يذكر، حتى ترك المستطيل الأخضر في عام 1998، بسبب إصابة في الركبة، ليبدأ بعدها مسيرة تدريبية، بدأت أولى محطاتها مع عدد من الفرق الفرنسية المغمورة، تخللها تريبه عدد من الفرق الإنجليزية والفيتنامية، لكن لم يترك أثر يذكر.
ليبدأ في عام 2008، تسطير تاريخه مع توليه القيادة الفنية للمنتخب الزامبي، في مايو، تم تعيينه مديرًا لمنتخب زامبيا الوطني، ليحقق معه إنجاز في كأس الأمم الأفريقية 2010، عندما قاد منتخب زامبيا إلى الدور ربع النهائي من البطولة، لأول مرة منذ 14 عامًا، ليترك سمعة طيبة له في القارة السمراء.
وترك هيرفي رينارد مهامه كمدرب لزامبيا في أبريل 2010 مع بقاء شهرين فقط على عقده.
بعد يومين من تركه لمنتخب زامبيا وافق على أن يصبح مديرًا لأنجولا سعران ما استقال من منصبه كمدرب أنجولا في أكتوبر 2010، وحل محله زيكا أمارال.
الولاية الثانية في زامبيا
وبعد تجربة في تدريب فريق الاتحاد الجزائري، قرر رينارد العودة مجدداً لتدريب المنتخب الزامبي، في 22 أكتوبر 2011، بعقد لمدة عام واحد.
ليقود رينارد المنتخب الزامبي لإنجاز تاريخي لم يحققه من قبل وهو الفوز ببطولة كأس الأمم الأفريقية نسخة 2012، بعد أن أطاح بمنتخب الكوت ديفوار في النهائي بضربات الجزاء التي ابتسمت لرينارد ورفاقه بنتيجة 8 – 7.
يذكر أن المنتخب الزامبي كان أكبر إنجاز حققه في البطولة الأفريقية الأضخم هو الحصول على المركز الثاني نسخ 19974 و1994، والمركز الثالث نسخ 1996 و1990 و1982، ليفرض رينارد بعد بطولة 2012 نفسه كأحد المدربين الكبار في القارة السمراء.
لكن الرحلة مع المنتخب الزامبي لم تدم طويلاً بعد إقصاء زامبيا من دور المجموعات من بطولة أفريقيا عام 2013، والتي توجب بها نيجيريا، التتويج نفسه الذي قاد خلاف حول المنتخب الأحق بالمشاركة في كأس العالم للقارات عام 2013.
وانتقد رينارد الاتحاد الإفريقي لكرة القدم لعدم السماح لزامبيا، الفائزين بكأس الأمم الأفريقية 2012، بفرصة المنافسة في كأس القارات 2013.
وبعد الخروج من بطولة 2013 أقر رينارد إن ذلك كان خطأه. وأنهى عقد رينارد من قبل الاتحاد الزامبي لكرة القدم في أكتوبر 2013، ليبدأ مسبرة جديدة مع نادي سوشو الفرنسي.
تجربة غير موفقة مع سوشو الفرنسي
وفي تجربة لم يكتب لها النجاح تولى رينارد قيادة فريق سوشو الفرنسي منذ أكتوبر 2013 وحتى صيف 2014، لكن رينارد رحل بعد هبوط الفريق الفرنسي إلى الدرجة الثانية.
العودة لإفريقيا من بوابة ساحل العاج
لتحط رحال رينارد مجدداً في القارة الأفريقية لكن تلك المرة مع منتخب جديد، حيث تولى القيادة الفنية لمنتخب الكوت ديفوار يوليو 2014. في فترة كان يبحث فيها الأفيال الإفوارية عن لقبهم الثاني في البطولة الأفريقية، ليحقق رينارد الإنجاز الأفريقي في نسخة كأس الأمم الأفريقية 2015، وكما ابتسمت ركلات الحظ لهيرفي رينارد في نسخة 2012، تغلب المنتخب الإيفواري على المنتخب الغاني في النهائي بماراثون ركلات جزاء انتهت بنتيجة 9 – 8 لصالح الكوت ديفوار، وأصبح أول مدرب يفوز بكأس أمم إفريقيا مرتين مع دول مختلفة.
العودة لفرنسا مرة أخرى
وبعد صناعة التاريخ مع الفرق الأفريقية عاد رينارد إلى بلاده في مهمة تدريب فريق ليل الفرنسي في مايو 2015. لكن التجربة لم تكتمل بعد حصوله على 13 نقطة فقط في 13 مباراة بالدوري. لينتهى مشواره في نوفمبر من نفس العام.
العودة الثالثة للقارة السمراء
ويبدو أن هيرفي رينارد وجد ضالته في المنتخبات الأفريقية، ليبدأ مسيرة أستمرت لثلاث سنوات مع المنتخب المغربي، في فترة لم تشهد تتويج أسود أطلس بألقاب لكنهم عادوا إلى الساحة الأفريقية كمنتخب من المنتخبات المرشحة دائماً لحصد الألقاب.
وفي فبراير 2016، تم ربط رينارد بوظيفة المنتخب المغربي الشاغرة، في وقت لاحق من ذلك الشهر تم تعيينه مديرًا جديدًا للمغرب، وأقصى المنتخب المغربي في بطولة 2017 من المتنتخب المصري في دور ال 8، لكن ذلك لم يوقف مسيرة رينارد مع المنتخب المغربي.
وفي نوفمبر 2017، تأهل المغرب إلى نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، بعد غياب دام لعشرون عام، حيث كانت أخر مشاركة للمغرب في نسخة 1998.
وأوقعت قرعة كأس العالم 2018 المنتخب المغربي في «مجموعة الموت»، والتي تضم كل من أسبانيا والبرتغال إلى جانب إيران، ورغم أن المنتخب المغربي تذيل المجموعة الثانية في بطولة كأس العالم 2018، إلا أنه شهادة العديد من المتابعين قدم أداء جيداً في المباريات الثلاث التي خاضها، خاصة المبارة التي خاضها أمام المنتخب الإسباني وانتهت بنتيجة 2 -2 .
لكن بطولة أمم أفريقيا 2019 شكلت المحطة الأخيرة لرينارد مع أسود أطلسي، فرغم حصده العلامة الكاملة في دور المجموعات في مجموعة ضمت الكوت ديفوار وجنوب أفريقيا وناميبيا، ورشح العديد المنتخب المغربي للبطولة، إلا أن الخروج المفاجئ من دور ال 16 على يد المنتخب البنيني أحرج رينارد ورفاقه، وخرج رينارد ليتحمل مسؤولية «الخروج المفاجئ»، استقال بعد أيام قليلة، في 15 يوليو 2019.
ليرتبط أسمه كثيراً مع عدد من الفرق الأفريقية، من بينهم المنتخب المصري، لكنه آثر أن يخوض تجربة مختلفة في قارة جديدة.
تجربة أسيوية صنعت التاريخ
في وقت لاحق من يوليو 2019 أصبح مديرًا للمملكة العربية السعودية، وكان أول فرنسي يقود ذلك المنصب، في سعى الرياض لتطوير منتخبها الوطني، وفي 10 سبتمبر 2019، أدار أول مباراة رسمية له ضد اليمن في تصفيات كأس العالم 2022. في مارس 2022، قاد رينارد المملكة العربية السعودية إلى التأهل لكأس العالم لكرة القدم 2022 ،
في 22 نوفمبر 2022، قاد رينارد المملكة العربية السعودية إلى أول فوز لها على الإطلاق في كأس العالم في فوز تاريخي مفاجئ 2-1 على الأرجنتين المرشحة بقوة للفوز بكأس العالم لكرة القدم 2022، في مفاجأة هزت الشارع الرياضي العالمي.
وتحرم ليونيل ميسي قائد المنتخب الأرجنتيني ورفاقه من تحقيق أطول سلسلة لاهزيمة في التاريخ حيث كانوا على بعد مبارتين لمعادلة رقم إيطاليا، لتتحطم أمالها في صحراء الدوحة على يد المنتخب السعودي.
وأصبح منتخب السعودية ثاني منتخب عربي يفوز على منتخب من أمريكا الجنوبية طوال تاريخ كأس العالم بعد الجزائر عام 1982 على تشيلي والأول منذ 40 عاما.