دير مار مينا العجائبي.. دُرّة المسيحية على أرض الإسكندرية

دُرّة المسيحية تتجسد على أرض الإسكندرية، ثانى منطقة حجيج مسيحية فى العالم، ملاذ العاشقين وطالبى المعجزات والتبارك بالقديس، حيث يزين دير مارمينا العجائبى منطقة كينج مريوط ببرج العرب غرب الإسكندرية، والذى يعد أحد أهم الأديرة الأثرية والسياحية فى المدينة، ويبعد عن الإسكندرية بنحو 50 كيلومترا.
دير مارمينا العجائبى فى منطقة كينج مريوط ببرج العرب غرب بالإسكندرية
والثابت تاريخيًا أن البابا كيرلس السادس أحد بابوات كرسى مارمرقس الرسول، وضع حجر أساس دير الشهيد مارمينا العجائبى بمريوط، وأعاد إحياء المنطقة فى 27 نوفمبر 1959، بمناسبة الاحتفالات الخاصة بذكرى استشهاد القديس مارمينا، كما يعد الدير القديم أحد المناطق الأثرية المهمة فى العالم، بعدما تم تسجيل المنطقة الأثرية فى سجل أهم المناطق التراثية بمنظمة اليونيسكو، ويعود تاريخ الدير القديم إلى وقت وصول رفات الشهيد «مارمينا» واستقراره فى مزاره القديم بالآثار عام 315، وبنيت أول كنيسة للشهيد بمريوط بين عامى 320 – 325 فى عهد الملك قسطنطين الكبير، وتزايد عدد الزوار وطالبى المعجزات والتبارك بالقديس، جدد البابا أثناسيوس الرسولى الكنيسة الأولى ووسعها كثيرًا.
دير مارمينا العجائبى فى منطقة كينج مريوط ببرج العرب غرب بالإسكندرية
وأعاد البابا الأنبا كيرلس السادس جزءًا من رفات الشهيد مارمينا العجائبى من كنيسته بفم الخليج إلى دير مارمينا بمريوط فى فبراير 1962، وبدأت عمليات الكشف الأثرى تأخذ صفتها المنتظمة منذ أن أنشأ البابا كيرلس السادس الدير الحالى، حيث بدأ المعهد الألمانى للآثار بالقاهرة العمل منذ 1961، بإشراف العالم الألمانى الدكتور بيتر جروسمان، وسلم البابا كيرلس السادس أمانة الدير لتلميذه الخاص القمص مينا أفا مينا والذى، تمت إقامة مزار خصيصا له بجوار البابا كيرلس، بالدير الحديث عقب وفاته، كما وضع البابا كيرلس السادس حجر الأساس لكاتدرائية مار مينا بمريوط فى عام 1961
دير مارمينا العجائبى فى منطقة كينج مريوط ببرج العرب غرب بالإسكندرية
أثريًا اهتمت وزارة السياحة والآثار، بالمنطقة التى تضم رفات القديس مارمينا وقبره والدير المسمى باسمه، كما وجهت منظمة يونسكو عام 1979، عناية خاصة بمنطقة أبو مينا الأثرية، أقرتها ضمن ال57 منطقة فى العالم كتراث إنسانى، وأصدرت كتابًا عام 1982، يتضمن وصفًا موجزًا لكل من هذه ال57 منطقة كتسجيل تاريخى لحضارة الإنسان، إلا أنه قبل 20 سنة أدرجت المنظمة المنطقة فى سجل التراث المهدد بالخطر وأخرجتها من قائمة التراث العالمى، بسبب ارتفاع المياه الجوفية، إلا أن الدولة تنبهت لهذا الأمر ونفذت مشروعًا ضخمًا لخفض المياه الجوفية بتكلفة 50 مليون جنيه، تم الانتهاء منها وهى الآن تتخذ الإجراءات اللازمة لمخاطبة المنظمة بِأن إعادة إدراج المنطقة ككل ضمن التراث العالمى.
دير مارمينا العجائبى فى منطقة كينج مريوط ببرج العرب غرب بالإسكندرية
ويقول الراهب القمص تداوس أفامينا، مسؤول الآثار بالدير، إن المنطقة الأثرية بمريوط التى كان بها قبر القديس تسمى الآن فى الخرائط المساحية «أبو مينا»، وهو الاسم التى تعرف به عالميًا، ويطلق عليها البدو القاطنون بالمنطقة اسم «بومنة» على حسب لهجتهم، والمتداول حاليا «مارمينا» ومن الألقاب الواردة كثيراً فى المخطوطات عن هذا الشهيد أنه «ذو الثلاثة أكاليل» كما هو وارد فى كتاب تاريخ البطاركة فى سيرة البابا شنودة البطريرك الخامس والخمسين.
دير مارمينا العجائبى فى منطقة كينج مريوط ببرج العرب غرب بالإسكندرية
وأضاف فى تصريحات ل«المصرى اليوم» أن مدينة أبو مينا هى إحدى مناطق التراث العالمى فى مصر، حيث أكدت عظمة المدينة تلك الاكتشافات التى أسفرت عنها أعمال التنقيب الأثرية فى منطقة القبر، والتى بدأت مع بداية القرن العشرين -1905- على يد عالم الآثار الألمانى، كارل ماريا كوفمان، ولأهمية المنطقة قررت هيئة اليونسكو فى 1979، إدراج مدينة «أبو مينا» ضمن قائمة التراث العالمى -رقم 5 فى مصر و90 عالميًا.
دير مارمينا العجائبى فى منطقة كينج مريوط ببرج العرب غرب بالإسكندرية
وعن تأسيس الدير الحديث، أوضح أن الحياة الرهبانية عادت بمنطقة مريوط على يد البابا كيرلس السادس، الذى كانت بينه وبين القديس مينا حالة فريدة، وكان الشهيد يلِحّ على قداسته أن يُعمِّر منطقة قبره، لأن إنشاء دير مارمينا كان هو المشروع التعميرى الأول الذى أولاه اهتمامه عقب توليه البطريركية، وبمُجرَّد تقلده هذا المنصب تقدَّم إلى الجهات المعنية لشراء الأرض الملاصقة للمنطقة الأثرية، لإقامة الدير، ووَضَعَ حجر الأساس للدير فى 27 نوفمبر عام 1959، وهذا الحجر يقع أسفل شرقية المذبح الرئيسى للكنيسة الكبرى، ويظهر خلف الواجهة الزجاجية المقابلة لمقبرة البابا كيرلس وعليه اللوحة الرخامية المدوَّن عليها تاريخ وضعه.
دير مارمينا العجائبى فى منطقة كينج مريوط ببرج العرب غرب بالإسكندرية
وعن أعمال التعمير بالدير الحديث، قسمها القمص تداوس الى التعمير الرهبانى، حيث انتدب البابا كيرلس السادس بعض الآباء من الأديرة الأخرى ليكونوا نواة للحياة الرهبانية، ومن أبرز هؤلاء القمص متياس السريانى الأنبا دوماديوس، مطران الجيزة، والقمص أنجيلوس المحرقى، الأنبا مكسيموس مطران القليوبية، والقمص أنجيلوس السريانى، وتمت أول سيامة رهبانية بالدير يوم 12 أبريل 1963، ثم رسم تلميذه سليمان رزق فى 2 سبتمبر 1964، راهبًا بِاسم مينا آفا مينا، ثم عيَّنه أميناً للدير، وعندما جلس المتنيح البابا شنوده الثالث، على كرسى البطريركية فى 14 نوفمبر سنة 1971، صارت بالأديرة نهضة رهبانية وعمرانية.
دير مارمينا العجائبى فى منطقة كينج مريوط ببرج العرب غرب بالإسكندرية
وتمتع دير مارمينا بأبوة قداسته وتدبيره الحكيم، ولاهتمامه بنمو الحياة الرهبانية رسم المتنيح الأنبا مينا آفا مينا أول أسقف ورئيس للدير عام 1980، كما قام بإلباسه الإسكيم الكبير سنة 1996، وقام قداسته بسيامة الأنبا كيرلس آفا مينا أسقفاً ورئيساً للدير سنة 2003، وفى العام التالى ومع فرحة الكنيسة باليوبيل الذهبى لرهبنة البابا قام بإلباسه الإسكيم الكبير، وعندما جلس البابا تواضروس على كرسى البطريركية فى 18 نوفمبر 2012، اهتم بالدير، وكانت له زيارات تفقدية عديدة، وجلسات مع الآباء الرهبان، وشجعهم على عمل الدراسات اللاهوتية والآبائية، وبناءً على طلب من الأنبا كيرلس، وافق على فتح فرع للكلية الإكليريكية بالإسكندرية بدير مارمينا بمريوط فى العام الدراسى 2014 / 2015، الذى ضمَّ لفيفاً من رهبان الدير وأيضاً دير مارجرجس بالخطاطبة، وتم تسلمهم شهادات التخرج فى 3 مارس 2018
وعن التعمير المعمارى، قال إنه أسند البابا كيرلس السادس، أعمال التعمير للمقاولين شاروبيم وفرج أقلاديوس، وهما من أقدم مقاولى أعمال البناء فى الإسكندرية، ولهما خبرة فى تشييد الكنائس، ويشمل التعمير المعمارى المبانى الأولى، حيث أُقيمت كنيسة الأنبا صموئيل المعترف التى بها المقصورة الخاصة برفات الشهيد مارمينا وبجوارها حجرة البابا، وأُخرى لعمل القربان.
وأشار إلى أنه تم تشطيب الكاتدرائية من الداخل والخارج، وتزيينها بنقوش من الطراز القبطى القديم، فتيجان الأعمدة على مثال تلك التى كانت بدير القديس أنبا أبللو بمنطقة باويط بمركز ديروط محافظة أسيوط من القرن السادس الميلادى، والكرمة من الوحدات الزخرفية التى زُيِّنت بها، والقربانة من الوحدات الزخرفية التى زُيِّنت بها من الداخل، ويُزيِّن سقف الكاتدرائية صليب كل من أجنحته الأربعة على شكل زهرة اللوتس الشهيرة فى الفن المصرى القديم.
ويضم الدير مزار البابا كيرلس السادس، ويقع أسفل الجزء الشرقى من الكاتدرائية أى أسفل منطقة المذابح، ويضم جثمانه وداخل المزار من الجهة الشرقية واجهة زجاجية معروض بها بعض ملابسه، ويظهر داخلها حجر الأساس الذى وضعه قداسة البابا كيرلس.
كما يضم الدير قلالى الآباء الرهبان، مبنى مُجمَّع لقلالى الرهبان ويقع بالقرب من الكاتدرائية من الجهة القبلية، ومجموعة قلالى مُلاصقة للسور الشرقى والسور البحرى للدير، وكل قلاية لها مدخل مستقل ومزودة بالمرافق اللازمة للراهب، تُمكِّنه من الحياة الانفرادية، ومجموعة قلالى أخرى، بالقرب من كنيسة البابا كيرلس السادس الخاصة بالآباء الرهبان.