عندما تدق عقارب الساعة عند 4.45 فجرا تجد منطقة معبد الأقصر على كورنيش النيل مزدحمة بالسياح الأجانب القادمين من الفنادق والعائمات، والمرشدين السياحيين وممثلى شركات البالون، ينطلقون نحو نهر النيل، يستقلون اللانشات النهرية متجهين إلى البر الغربى تنتظرهم الأتوبيسات والسيارات يتحركون فى مجموعات إلى مطار البالون الطائر بالقرب من معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحرى فى القرنة. عندما تصل المجموعات إلى أرض المطار تتحول ساحته إلى خلية نحل من العاملين بشركات البالون، الكل يترقب قرار الطيران المدنى بمطار الأقصر الدولى، لمعرفة حالة الطقس من الأرصاد الجوية، التى تشترط أن الإقلاع فى درجة حرارة لا تتجاوز 35 درجة مئوية، وأن يخلو الطقس من الضباب والشبورة المائية، أن يصل معدل الرؤية الأفقية لأكثر من 4 كيلومترات، وألا تتخطى سرعة الرياح 8 عقد، لحماية السياح والمشاركين فى الرحلات. العيون تترقب وتتجه نحو «دوارة الرياح»، ذات الراية الخضراء، أعلى أحد المبانى، التى تحدد اتجاه الرياح، ومنها يتحدد مسار البالون بعد الإقلاع، وفجأة تعلو الأصوات، الكل يتسابق بعد إعطاء إشارة الطيران، وتبدأ التجهيزات من 10 إلى 15 دقيقة لملء البالون، من خلال متخصص على الأرض، ثم ضخ الهواء البارد بداخله وبدء تسخينه، ثم يصعد السياح إلى الصندوق المخصص لهم ويمتلئ البالون متجها إلى أعلى لتبدأ المغامرة وسط صيحات المشاركين، ليحلقوا بين السماء والأرض، ليزين البالون سماء الأقصر بالألوان الزاهية فى مشهد إبداعى ولوحة فنية يشاهدها أهالى الأقصر، لمدة 45 دقيقة من التحليق بارتفاع 2000 قدم. (ما يعادل 550 مترا فوق سطح الأرض)، ليمر البالون فوق معابد رمسيس الثانى (الرامسيوم)، ومدينة هابو، وأمنحتب الثانى ومقابر وادى الملوك والملكات والأمراء والنبلاء، لمشاهدة مناظر طبيعية مبهرة، وأشجار النخيل، ونهر النيل، الذى يعانق الجبال والزراعات والآثار المصرية القديمة. يقول الدكتور أبوبكر عزالدين، طيار بالون: «عندما يحلق البالون فى السحاب، يتولى المرشد السياحى شرح الأماكن التى يمر عليها البالون، سواء المعابد الفرعونية أو مقابر الملوك والملكات والأمراء والنبلاء، وكذا المعابد الموجودة فى شرق المدينة لتعريف السياح بعظمة الحضارة المصرية القديمة وما قدموه للبشرية». وأوضح «عزالدين» أن رحلات البالون الطائر هى الوجهة الأولى للسياح، خلال زيارتهم الأقصر، لما تمثله هذه الرحلات من متعة وإثارة لمشاهدة الحضارة المصرية القديمة من أقصى ارتفاع، مشيرا إلى تعقيم البالون، مع توافر كافة الأدوات لحماية الركاب، قبل وبعد أى نقطة اتصال. ولفت «عزالدين» إلى أن السياح يوثقون رحلاتهم، من خلال التقاط الصور التذكارية بين السماء والأرض، والمناظر التى يشاهدونها، من آثار فرعونية ومناظر طبيعية، ثم ينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعى، ما يمثل أكبر دعاية للمقاصد الأثرية، ما يزيد التدفقات السياحية على الأقصر. وتابع: «شهدت رحلات البالون تقديم خاتم الخطوبة والزواج والاحتفال بهذه المناسبة فوق السحاب وسط الأصدقاء». ووفقا للخبير السياحى، محمد عثمان، رئيس لجنة تسويق السياحة الثقافية بالأقصر، فإن رحلات البالون الطائر تعد من أهم الأنشطة السياحية للوافدين إلى الأقصر، موضحا أن المدينة التاريخية قد اكتسبت شهرة عالمية، نظرا لأن الأقصر تنفرد بتحليق البالون طوال أشهر السنة، ولاعتماد هذه الرحلات على حالة الطقس، لما تتميز به الأقصر من جو دافئ وشمس ساطعة. وأوضح «عثمان» أن الأقصر احتضنت (ماراثون) دوليا للبالون، خلال عام 2016، بمشاركة 9 دول، ونجح نجاحا مبهرا، لافتا إلى سعى لجنة تسويق السياحة الثقافية بالأقصر، لتنظيم ماراثون جديد، خلال الأشهر المقبلة، وجار الآن مخاطبة أندية الطيران فى الدول التى تمارس نشاط الطيران بالبالون، لدعوتها وتحديد المواعيد المناسبة لإطلاق هذا الماراثون، الذى يعد إحدى وسائل الدعاية للمقاصد الأثرية والسياحية والترويج للسياحة الثقافية فى الأقصر وأسوان. وأشار محمد همام، وكيل نقابة المرشدين السياحيين بالأقصر، إلى أن مدينة الأقصر تحتل المرتبة الثالثة عالميا، فى معدل رحلات البالون وعدد السياح، الذين يستقلون البالون، عبر رحلات يومية، موضحا أن زيادة التدفقات السياحية الوافدة إلى الأقصر، خلال الموسم السياحى الحالى، قد انطلقت منذ يوليو الماضى، من خلال رحلات مباشرة قادمة من إسبانيا ورومانيا وفرنسا وألمانيا والإمارات، إضافة إلى رحلات الطيران المباشر من شرم الشيخ، وكذا المشروعات الأثرية العملاقة، مثل طريق الكباش الفرعونى، بجانب الاكتشافات الأثرية المتعددة، التى ساهمت فى زيادة الإعداد، ويترتب عليها زيادة الإقبال على رحلات البالون الطائر. وقال الباحث محمد أبوصالح، رئيس مجلس أمناء مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، إن الأقصر كانت تسير، قبل جائحة كورونا، نحو تحقيق 11 ألف رحلة بالون فى سمائها، سنويا، تقل نحو 216 ألف سائح، طوال أيام العام، موضحا أن مدينة الأقصر هى الوحيدة بين المحافظات السياحية التى تتميز بوجود رحلات البالون الطائر، نظرا لتوافر مطار خاص بها. وأضاف «أبوصالح» أن مصر من الدول التى بدأت تطوير البالون، منذ 25 سنة، عبر تدريب 30 طيارا، ومع كثرة التدريب واللقاءات بات قائدو البالون الطائر من المصريين يتمتعون بخبرات واسعة فى هذا المجال، بعد دعم البالون بوسائل التحكم وأدوات الأمن والسلامة، باعتبارها من أهم الأدوات التى تساهم فى حماية السياح. وأوضح «أبوصالح» أن تاريخ أول رحلة للبالون الطائر، فوق سماء مدينة الأقصر، كان فى عام 1988، وقاده طيارون بريطانيون، وفى عام 1994 بدأ تأسيس أولى شركات البالون بتمويل وخبرات مصرية، ووصل عدد الشركات العاملة بسياحة البالون الطائر فى مدينة الأقصر إلى 10 شركات حتى الآن، يعمل بها قرابة 800 عامل.
