ولى العهد البريطانى فى زيارة تعزيز التسامح بالأزهر

استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى وقرينته، أمس، بقصر الاتحادية، أمير ويلز، تشارلز فيليب آرثر جورج، ودوقة كورنوال، كاميلا باركر، ضمن الزيارة التاريخية لولى العهد البريطانى وزوجته إلى مصر، والتى تستمر على مدار يومين فى إطار جولة تشمل المملكة الأردنية.
ورحب الرئيس بولى عهد بريطانيا، وطلب نقل تحياته إلى الملكة «إليزابيث»، معربًا عن التطلع لتمثل هذه الزيارة محطة جديدة داعمة للعلاقات التاريخية بين البلدين، أخذًا فى الاعتبار ما تمثله دومًا الزيارات الملكية البريطانية من علامات بارزة تظل ماثلة فى الذاكرة السياسية والشعبية لكلٍ من مصر وبريطانيا.
قال بسام راضى، المتحدث باسم الرئاسة، إن اللقاء شهد التباحث حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، خاصةً ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، حيث أكد الرئيس تضامن مصر مع بريطانيا وشعبها فى مواجهة الإرهاب الأسود عقب الحادث الإرهابى الأخير الذى وقع بمدينة «ليفربول»، وكذلك تكثيف التعاون المشترك بهدف تعزيز قيم التسامح والسلام وقبول الآخر بما يقوض من التفسيرات المتطرفة التى تتبناها جماعات الإرهاب، فضلًا عن العمل على تبنى المجتمع الدولى استراتيجية متعددة المستويات؛ تشمل: التعامل مع العناصر والأطراف الداعمة للتنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة، وتعزيز قيم التسامح والتعايش المشترك.
وفيما يتعلق بقضايا المنطقة، أكد الرئيس أهمية ترسيخ المؤسسات الوطنية فى دول المنطقة التى تعانى من أزمات، بهدف ملء الفراغ الذى يتيح الفرصة لنمو الإرهاب وانتشاره إلى باقى دول العالم، وهى محددات تمثل فى مجملها ثوابت ومبادئ سياسة مصر فى التعامل مع الأزمات القائمة بالمنطقة.
وشهد اللقاء التباحث بشأن سبل تعزيز التعاون الثنائى فى عدد من المجالات، خاصةً على مستوى التعليم الجامعى والصحة، بالإضافة إلى التنسيق فى موضوعات تغيّر المناخ فى ضوء المبادرات المتعددة التى يرعاها الأمير تشارلز فى هذا المجال، إلى جانب استضافة مصر خلال العام المقبل الدورة ال 27 لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، وذلك بهدف تأمين تحقيق نتائج إيجابية للوصول إلى الأهداف التى وضعها المجتمع الدولى للتعامل مع هذا الملف المهم الذى يمس مصالح الإنسانية بأسرها، ولاسيما ما يتعلق بتفعيل دور القطاع الخاص بإمكاناته الضخمة للمساهمة فى الحد من الانبعاثات.
وأعرب الجانبان عن الارتياح للتطور الإيجابى الملموس الذى تشهده علاقات التعاون بين البلدين الصديقين خلال الفترة الحالية والتشاور المستمر فى المجالات كافة، سواء على مستوى القيادة السياسية أو المستويات التنفيذية، بما فى ذلك التنسيق لمواجهة التحديات المستجدة والتى تهدد الإنسانية بشكل مشترك.
وثمّن الأمير تشارلز الجهود التى نفذتها مصر خلال السنوات الماضية على صعيد التصدى للأفكار المتطرفة ومكافحة الإرهاب، حيث أوضح الرئيس فى هذا السياق أن هناك نهجا فعليا ترسخ فى تعامل الدولة مع حرية ممارسة الشعائر الدينية، وكذا إعلاء مبادئ المواطنة والمساواة وعدم التمييز بين المواطنين على أى أسس دينية أو طائفية أو غيرها، فضلًا عن ترسيخ ثقافة التعددية وقبول الآخر. وفى المقابل، أكد ولى العهد البريطانى اهتمام بريطانيا بتعزيز التعاون المشترك مع مصر فى هذا الإطار للاستفادة من تجربتها فى ترسيخ دور الأديان كحاضنة للتطور الاجتماعى الإيجابى الذى ينمى وعى الفرد بدوره وواجباته تجاه مجتمعه واستقراره وتنميته.
وأعرب «تشارلز» عن التقدير والامتنان لحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة التى لاقاها، ونقل إلى الرئيس تحيات الملكة إليزابيث، مؤكدًا سعادته بالتواجد فى مصر مجددًا وحرصه على زيارتها فى إطار الجولة الرسمية الأولى له خارج البلاد بالإنابة عن الملكة منذ بدء جائحة «كورونا»، وذلك فى ضوء خصوصية العلاقات التقليدية بين البلدين، بالإضافة إلى الدور المحورى والمتوازن الذى تضطلع به الدولة المصرية فى التعامل مع العديد من القضايا الدولية، وكذا صون الأمن والاستقرار فى المنطقة.
وزار «تشارلز» وقرينته الجامع الأزهر، والتقيا الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث ناقشا أزمة تغير المناخ وما تفرضه من تحديات كبيرة تهدد العالم، والحلول الممكنة لمواجهتها.
وقال «الطيب» إن نتائج القمة العالمية للمناخ (COP26) لم تأت على قدر الحاجة والمستوى المرجو منها، معربًا عن أمله فى أن تسهم جهود المنصفين أمثال الأمير تشارلز فى الدفاع عن حقوق الدول الفقيرة، وحث المجتمع الدولى على أن تأخذ تلك الدول ومصالحها فى الحسبان للتخفيف من معاناتها.
وأوضح ولى العهد البريطانى أنه قضى ما يزيد على ال40 عامًا فى البحث عن حلول لتلك الأزمة العالمية، مؤكدًا أنه وجه دعوة صريحة إلى الحكومات المشاركة فى قمة المناخ ال26 وقمة مجموعة العشرين وغيرهما من القمم العالمية ذات الشأن؛ بأن توجه استثماراتها نحو مشروعات البنية التحتية، والمشروعات التى تساعد فى الحفاظ على البيئة والتصدى للتغير المناخى، مؤكدًا أنه لمس حرصًا كبيرًا فى الحفاظ على البيئة وحمايتها من التلوث فى تعاليم الإسلام وتعاليم الأديان الأخرى.
وتجولت دوقة كورنوال بعزبة خير الله، لتفقد إحدى المبادرات المجتمعية لتطوير حياة الأسر الأكثر احتياجًا، والتى تقام تحت إشراف المجلس الثقافى البريطانى منذ عدة سنوات، بهدف المساعدة على تمكين النساء ودعم الشباب.. وفور وصولها، استقبلها بعض أطفال المنطقة وقاموا بتحيتها، ثم صعدت أحد الأسطح واستمعت لشرح حول كيفية ابتكار النساء المعيلات لعائلاتهن طرقا لدعم أنفسهن وإعالة عائلاتهن، وشاهدت مسرحية أدتها بعض النساء لسرد قصص نجاحهن، إلى جانب تجارب بعض الشباب وجهودهم لتشجيع حماية الطبيعة مثل: إعادة استخدام وتدوير الأدوات، وصناعة شنط صديقة للبيئة، وزراعة الأسطح، وذلك للحد من تأثير تغير المناخ، وهو جزء من برنامج التواصل المناخى الذى ينفذه المجلس الثقافى البريطانى على مستوى العالم.
وتعد هذه الزيارة الرسمية الثانية لولى العهد البريطانى وزوجته، بعد زيارتهما الأولى للقاهرة فى 2006، حيث زارا حينها مصر فى إطار جولة عالمية شملت (السعودية والهند)، بهدف تعزيز التفاهم والتسامح بشكل أفضل بين الأديان، ودعم مبادرات البيئة، وتشجيع فرص العمل والتدريب المستدامة للشباب. ومن المقرر أن يلتقى أمير ويلز عددا من الحرفيين والمحافظين على التراث، وذلك للاحتفاء بالحرف التقليدية والدعم من المملكة المتحدة لحفظ التراث الثقافى، إلى جانب مهارات الحرفيين، كما يعلن دعمه لمبادرة الأسواق المستدامة التى يرعاها، وذلك من خلال اجتماع لرواد أعمال شباب من القطاع الخاص لبحث فرص تنمية الأعمال بشكل مبتكر وصديق للبيئة فى مصر.
ويحضر أمير ويلز وقرينته حفل استقبال «بريطانيًا- مصريًا» للاحتفال بالروابط بين البلدين، والذى سيُقام فى منطقة هضبة الجيزة المطلة على الأهرامات. وفى اليوم الأخير من الجولة، يزوران عددًا من المواقع التى تحمل أهمية ثقافية ودينية وبيئية فى أنحاء مصر، إلى جانب زيارة مخصصة لمدينة الإسكندرية القديمة.