الباعة الجائلون.. «مأساة» فوق الأرض.. «الخطان الأول والثانى لمترو الأنفاق» فى قبضة المتسولين والباعة الجائلين

فى مدة لا تزيد على ثلاث دقائق، تلك هى الفترة بين وصول المترو إلى المحطة والخروج منها، تمتلئ بوابات عربات المترو بالركاب من مختلف الفئات، من بين هؤلاء الركاب يصعد البعض إلى المترو حاملى حقائب تتنوع أحجامها ما بين الكبيرة والصغيرة، وفور تحرك المترو يفتح هؤلاء الركاب حقائبهم ويعرضون ما بداخلها على باقى الركاب، وينادون مرددين عددا من الجمل والعبارات التى تشير إلى ماهية البضائع وأسعارها كما لو كان هؤلاء فى سوق شعبية.
فى الوقت الذى تقوم فيه شرطة النقل والمواصلات وشرطة مترو الأنفاق بحملات يومية وتحرير عشرات المحاضر وغرامات تصل إلى 50 جنيها فقط، لكن الظاهرة مازالت مستمرة مما يؤثر على الشكل الحضارى للمترو.
منذ أن تم تشغيل خطوط المترو الثلاثة فى القاهرة، أخذ الباعة الجائلون يتصارعون على حجز مكان لهم داخل عربات المترو، مستغلين بذلك حركة إقبال المواطنين المتزايدة واليومية على استخدام مترو الأنفاق كوسيلة انتقال ليروجوا لبضائعهم، فأصبح بمثابة سوق متحركة بالنسبة لهم، مرددين عبارة «أكل عيشى».
وعلى الرغم من مرور العالم بالكثير من الأوبئة والأمراض الفيروسية، وآخرها فيروس كورونا المستجد، وألزمت هيئة مترو الأنفاق التابعة لوزارة النقل جميع الركاب بمراعاة الإجراءات الاحترازية عند الدخول إلى محطات المترو، إلا أن الباعة الجائلين لا يهابون ذلك الفيروس، ولا يلتزمون بالإجراءات الاحترازية، بل إن مصدر القلق الوحيد لهم هو تلك الحملات الأمنية التى تلاحقهم، مرددين عبارات: «أكل العيش مُر.. ربك يستر» فى حالة إلقاء القبض عليهم من قبل شرطة النقل والمواصلات المنتشرة داخل جميع محطات مترو الأنفاق.
الجدير بالذكر أن مترو الأنفاق بالقاهرة هو أحد مشروعات الهيئة القومية للأنفاق التابعة لوزارة النقل والطرق، ويتكون من ثلاثة خطوط رئيسية هى: الخط الأول (خط المرج - حلوان)، الخط الثانى (خط شبرا - المنيب)، والخط الثالث (عدلى منصور - العتبة)، والخط الرابع تحت الإنشاء.
سيطر الباعة الجائلون على الخطين الأول والثانى لمترو الأنفاق، فرغم انتشار قوات الشرطة وملاحقتهم المستمرة لهم إلا أن الباعة الجائلين منتشرون فى محطات المترو.. بينهم أطفال، كبار سن، وشباب، فالبيع والشراء داخل المترو غير محدد بسن معينة، أو سلعة معينة، فتتنوع السلع المعروضة داخل محطات المترو من الحلوى حتى الملابس والأجهزة الكهربائية صغيرة الحجم، وإكسسوارات أجهزة المحمول، وأدوات التجميل، وغيرها.
رصدت «المصرى اليوم» مدى انتشار الباعة الجائلين فى محطات المترو بخطوطه المختلفة وملاحقة الشرطة لهم ومدى تفاعل الركاب معهم.
« أى لعبة يا حضرات ب 5 جنيه، تمن كيس شيبسى لابنك وبنتك، فرّح ولادك وادخل عليهم بلعبة ب 5 جنيه بس افتح اللعبة وجربها بنفسك».. عبارات رددها أحد الباعة الجائلين خلال رحلته بين محطات (جمال عبد الناصر- السادات - سعد زغلول).
وآخر: «صلى على النبى يا أستاذ ووحد الله، بتبيع ال 3 شربات ب 10 بدل 15 جنيه، أقل من سعر الجملة، أحسن خامة وأفضل شكل وشوف بنفسك». وطفلة فى عمر الخامسة يبدو على وجهها الإرهاق من كثرة التنقل بين عربات المترو وفى يدها عدد من علب المناديل الورقية: «بجنيه بس يا باشا، الله يحنن عليك».
«أى نضارة يا حضرات ب 15 جنيه، حافظ على عينك، مع أفضل جودة عدسة وشنبر».. هذه أيضا عبارات رددها بعض الباعة الجائلين خلال رحلتهم بمحطات (جامعة القاهرة- الدقى- البحوث).
هذه العبارات مع بداية كل يوم داخل عربات المترو تلقى على مسامع الركاب، حيث يتناوب الباعة بين المحطات مرددين هذه العبارات على مدار اليوم.
فرغم تواجد الشرطة وشركة مترو الأنفاق فى جميع محطات المترو إلا أن الخطين الأول والثانى يمتلئان بالباعة الجائلين بشكل مستمر، بخلاف الخط الثالث للمترو (العتبة - عدلى منصور).
«المصرى اليوم» لم ترصد فقط محاولات الباعة عرض بضائعهم داخل المحطات، بل رصدت المشاجرات التى تحدث بينهم خلال رحلتهم اليومية داخل مترو الأنفاق، ففى أغلب الأحيان يتشاجر الباعة الجائلون مع بعضهم البعض داخل عربات المترو بحجة ملكية منطقة البيع داخل العربات لأحد من الباعة الجائلين، وعدم دخول زميله عليه، محدثين بتلك المشاجرة حالة من الفوضى وعدم الانضباط داخل عربات المترو، وفى بعض الأحيان يتدخل الركاب لتهدئة هذه المشاجرات التى قد تصل إلى التشابك بالأيدى.
ومن جانبه، قال أحمد عبدالهادى، المتحدث الرسمى لمترو الأنفاق، إن شرطة النقل والمواصلات ومترو الأنفاق هى المسؤولة عن ضبط الباعة الجائلين والمتسولين فى مترو الأنفاق.
وأضاف فى تصريحات ل «المصرى اليوم» أن الشرطة لديها حملات يومية، تقوم بها مفاجأة بعدد من المحطات لمنع هذه الظاهرة، حيث يتم تحرير محاضر وغرامات بقيمة 50 جنيها لكل بائع أو متسول يتم ضبطه.
وكشف «عبدالهادى» أن هناك مقترحا يتم دراسته حاليا بتشديد الإجراءات والعقوبة، بحيث تتم مصادرة البضاعة التى بحوزة البائع، موضحا أن رأس مال البائع هو البضاعة التى بحوزته، وأن هذا هو الحل الأفضل لمواجهة هذه الظاهرة لأن غرامة ال 50 جنيها غير رادعة.
وقال إن موظفى المترو أو الشركة التى تراقب بوابات العبور وظيفتهم التأكد من دخول الراكب بتذكرة ومنع «التزويغ» والتسلل.. لأن هناك مواطنين يدخلون المترو ومعهم «شنط» بها مستلزمات مدرسية لمكتبتهم أو بيوتهم، ومن غير المعقول أن تمنعهم أو تتهمهم بأنهم من الباعة الجائلين.
وأوضح أن هذه الظاهرة تزايدت عقب الانفلات الأمنى عقب 2011، ونحاول مع شرطة النقل والمواصلات وشرطة المترو التصدى لها فى خطىّ المترو.