تكريم وزيرة التنمية المحلية من هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر ضمن القيادات النسائية الملهمة    كامل الوزير: أسعار الطاقة في مصر تنافسية جدًا وأقل من تركيا والهند    استبعاد توني بلير من "مجلس السلام" لإدارة غزة بعد اعتراضات عربية وإسلامية    بوتين يعلن الاستيلاء على بلدة سيفيرسك الأوكرانية    بتروجت يقتنص فوزا ثمينا أمام وادي دجلة في كأس الرابطة    انتداب المعمل الجنائي لفحص آثار انفجار ماسورة غاز في إمبابة    وزير العمل يشهد تسليم 405 عقود عمل لذوي همم في 27 محافظة في وقت واحد    تعليم القاهرة: ترشيد استهلاك المياه والكهرباء بالمدارس حفاظًا على المال العام    الجيش الصومالي يحبط محاولة تفجير في مقديشو    غلق 126 كيانًا غير مرخصًا لتنظيم الرحلات السياحية بمحافظة جنوب سيناء    جيمي كاراجر يهاجم صلاح ليتصدر التريند.. مدافع ليفربول السابق لم يفز بالدورى الإنجليزى وسجل 10 أهداف منها 7 فى نفسه.. ميسى وصفه ب"حمار".. رونالدو تجاهله على الهواء.. ومورينو: أنت نسيت الكورة.. فيديو    توروب يعلن قائمة الأهلي لمباراة إنبي    تعزيز التعاون الدوائي بين مصر والصين.. مباحثات موسعة لزيادة الاستثمار ونقل التكنولوجيا في قطاع المستلزمات الطبية    انهيار منزل قديم من 3 طوابق دون إصابات بطهطا في سوهاج    «نجوم إف إم» تكرم محمد رمضان تقديرًا لإسهاماته الفنية والغنائية | صور    نقيب الممثلين: عبلة كامل بخير وغيابها الفني قرارها وليس له علاقة بأي مرض    أحمد سالم في كلمة أخيرة: متوقع اكتمال تشكيل مجلس النواب الجديد بحلول أوائل يناير    في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ.. «الحرافيش» درة التاج الأدبي المحفوظي    أيهما الزي الشرعي الخمار أم النقاب؟.. أمين الفتوى يجيب    محمد رمضان ل جيهان عبد الله: «كلمة ثقة في الله سر نجاحي»    وزير الصحة يتفقد مقر المرصد الإعلامي ويوجه باستخدام الأدوات التكنولوجية في رصد الشائعات والرد عليها    مدينة العبور تجهز «شلتر» للكلاب الحرة لتحصينها وتنفذ حملات للتطعيم ضد السعار    دوري المحترفين ..أبو قير يواصل السقوط والترسانة يتعادل أمام طنطا    ميسرة بكور: بعض الدول الأوروبية تتصرف وفق مصالحها الوطنية على حساب المصلحة المشتركة    سيناتور روسي: العلاقات مع أوروبا لم تعد أولوية لترامب    إطلاق قافلة طبية علاجية شاملة لقرية أربعين الشراقوة بكفر الشيخ    العدل: معايير النزاهة في الاستحقاقات الانتخابية منارة تضئ طريق الديمقراطية    خبير استراتيجى: إسرائيل نفذت أكثر من 500 خرق منذ اتفاقية وقف النار بغزة    إكسترا نيوز: لا شكاوى جوهرية في ثاني أيام التصويت وإقبال منتظم من السيدات    الإسماعيلي يكشف تفاصيل إصابة حارسه عبد الله جمال    حسام وإبراهيم حسن يزوران معسكر منتخب مصر مواليد 2007.. صور    فوز مشاريع تخرج كلية إعلام جامعة 6 أكتوبر بالمراكز الأولى في مسابقة المجلس القومي للمرأة    المصل واللقاح: لقاح الإنفلونزا آمن تماما ويحسن المناعة ولا يضعفها    لجان خاصة بذوي الإعاقة، تجارة عين شمس تعلن الجاهزية لامتحان 60 ألف طالب    بعد أسبوع من البحث| اصطياد «تمساح الزوامل»    «هما كده» أغنية جديدة لمصطفى كامل ويطرحها السبت    نصائح شعبة الذهب عند شراء الجنيهات والسبائك .. خاص    أشرف زكى عن عبلة كامل : مختفية عن الأنظار .. ونشكر الرئيس على رعاية كبار الفنانين    «صحة قنا» تعقد اجتماعًا بمديرى المستشفيات لتعزيز جاهزية منظومة الطوارئ والرعاية الحرجة    «المشاط» تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي نتائج زيارته لمصر    ضبط شخص بحوزته كروت دعائية وأموال لشراء أصوات الناخبين في الأقصر    حبس عاطل بتهمة التحرش بفنانة شهيرة أثناء سيرها بالشارع في النزهة    تطورات الوضع في غزة تتصدر مباحيات الرئيس السيسي وملك البحرين    الضباب الكثيف يلغي عددا من الرحلات الجوية إلى مطار حلب بشمال سوريا    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    المشدد 7 سنوات لرئيس حي شرق الإسكندرية السابق في قضية رشوة    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    ضربات أمنية لضبط الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    الخارجية السورية: إلغاء قانون قيصر يمثل انتصارا    سباليتي: أداء يوفنتوس أمام بافوس كان محرجا في الشوط الأول    رئيس هيئة الاستثمار يشارك في احتفالية شركة «قرة إنرجي» بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    أسعار الفضة تلامس مستوى قياسيا جديدا بعد خفض الفائدة الأمريكية    كأس العرب| طموحات فلسطين تصطدم برغبة السعودية في ربع النهائي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منير عتيبة يكتب: أدب المرافعات القضائية.. رؤية مختلفة للتاريخ
نشر في المصري اليوم يوم 01 - 09 - 2021

سعدت للغاية بصدور الطبعة الثانية من موسوعة (هكذا ترافع العظماء) للمستشار بهاء المرى، وقد أضيف إليها مجلد ثالث. فهذا يتضمن بالنسبة لى إشارات مهمة، منها أن نفاد الطبعة الأولى يؤكد أهمية هذه الموسوعة التى تقدم نوعًا من الأدب الغائب وهو الأدب القضائى، وتشير إلى حقائق غير معروفة ربما يتم الالتفات إلى بعضها لأول مرة، كما أن إضافة مجلد جديد تعنى أن كنوز الأدب القضائى غير منتهية، وقابلة للتنقيب والكشف والنشر بشكل مستمر، وهو ما يوفر مادة ثرية للباحثين فى هذا المجال.
عرفتُ المستشار بهاء المرى قاضيًا وأديبًا ومُهتمًا بالشأن العام، خصوصًا فيما يفيد شباب العاملين بمجال القضاء، قُضاة ووكلاء نيابة ومحامين، ومع ذلك فقد كان كتابه هذا مفاجأة سارة، لأنها تمنح القارئ فرصة لقراءة أخرى للتاريخ من زاوية قلَّما يَنظر إليها غير المهتمين بالشأن القضائى.
تشتمل الموسوعة على ثلاثة مجلدات، كل منها يَقترب من الخمسمائة صفحة، تحت عنوان (هكذا ترافع العظماء.. أدب المرافعات دفاعًا واتهامًا وأدب الأحكام صياغة ونطقا) وللجزء الأول عنوان فرعى (من أشهر قضايا النصف الأول من القرن العشرين) أما العنوان الفرعى للجزء الثانى فهو (من قضايا النصف الثانى من القرن العشرين وما بعده)، أما العنوان الفرعى للجزء الثالث (مرافعات فى قضايا فكرية وأحكام قضائية ومقدمات النطق بها).
تشتمل الموسوعة على 59 قضية، إضافة إلى قضية، هذا الكتاب مُهم من أوجه كثيرة، فهو يُقدِّم لنا نوعًا غير مشهور من الأدب، وهو أدب المرافعات القانونية، فنقرأ أدبًا يهتم بالفكرة والتوصيف القانونى، ولا يُغفل اللغة واستخدام جمالياتها، أدبٌ فيه الكثير من الإثارة، والتوتر، فهو ليس للمُتعة بل للحياة، كلمات قد تذهب بالمتهم إلى بيته، أو إلى ساحة الإعدام، كل كلمة يُمكن أن تُحدد مصير إنسان أو أسرة، وربما وطن بأكمله والكتاب يُقدم لنا أيضًا فرصة لأن نرى الإنسان بلا «رُتوش»، نراه عاريًا إلا مِن وقائع حياته، ومن طريقة تفكيره، ومَشاعره، وتوجهاته، التى يُمكن أن تجعله إنسانًا صالحًا بحكم القانون والمُجتمع، أو عضوًا فاسدًا لابد من التخلص منه بالسَجن أو الإعدام، فيمنحنا كل ذلك معرفة أكثر بالطبيعة الإنسانية ودخائلها.
يُقدم لنا الكتاب الأهواء والمطامِح والمَطامِع التى يُمكن أن تهوِى حتى بالأذكياء إلى حضيض (وسنرى الهلباوى بك وفتحى زغلول مثلًا)، كما يُرينا كيف أنَّ المنطق ليس دائمًا واحدًا كما نظن، وقواعده ليست واحدة خالدة لا تتغير، وأنَّ للوطنية تعريفات كثيرة، بعضها قد يكون ضد الوطنية نفسها (وسنَرى من حادثة دنشواى مثلًا).
نرى من خلال القضايا التى يَعرضها الكتاب بداية فكرة الاغتيالات فى مصر الحديثة، ونرى صراع القِيَم الراسخة والأفكار الشاذة أو حرية الرأى، حسب وجهة النظر!
كتب المستشار الأديب بهاء المرى مقدمة للطبعة الجديدة لكتابه، لم تكن فى الطبعة الأولى، لكنه كان حريصا على ألا يفرض رأيه ووجهة نظره أو تحليله الخاص للمادة التى تضمنها كتابه، تاركًا لكل مِنَّا أن يُعيد رسم التاريخ والأفكار بحسب قراءته هو، من دون توجيه صريح أو خفى من صاحب الكتاب.
وقد اتخذ الأستاذ بهاء المرى خُطة فى كتابه، حيث يُقدم ملخصًا للقضية فى عدة أسطر، ثم يَعرض مرافعة النيابة، ثم مرافعة الدفاع، وفى أول كل فصل يذكر اسم القضية والعام التى حدثت فيه.
قد تُصدم عندما تقرأ مرافعة إبراهيم بك الهلباوى الذى مثَّل الاتهام فى قضية دنشواى سنة 1906، لكن الصدمة الأكبر عندما تعرف أنَّ هذا الرجل الطَموح، الذى قتله طموحه مَعنويَا، كان يريد أن يدافع عن أهالى دنشواى، ثم منَعه الحَر الشديد من مُواصلة الذهاب إلى تلك القرية المنكوبة، ثم طلبَت منه السلطات أن يُمثِّل الاتهام، فكان أقسى من القسوة على المتهمين، والغريب أنه يُبرر ذلك بتعريف عجيب للوطنية، فيقول عن المتهم الأول الذى تَجاوز السبعين عامًا من عُمره وأُعدم بسبب مرافعة الهلباوى: «إن المتهم حسن محفوظ لم يُكدّر قرية، بل كدَّر أمة بأسرها بعد أن مضى علينا 25 عامًا ونحن مع المُحتلين فى إخلاص واستقامة وأمانة.. أساءَ إلينا وإلى كل مصرى.. فاعتبروا صوتى صوت كل مصرى حكيم عاقل يَعرف مُستقبل أمته وبلاده». وضَعْ بعد هذه العبارة ما تشاء من علامات التعجب، فلن تكفى ما تشعر به من دهشة وصدمة!
وكان فتحى زغلول، شقيق الزعيم سعد زغلول، عضوًا فى المحكمة الخاصة التى شكَّلها المندوب السامى البريطانى، اللورد كرومر، لمحاكمة أهالى دنشواى، وقد كوفئ بتعيينه وكيلًا للحقانية، وفى حفل تكريمه لهذا التعيين بفندق شِبَرد أرسل إليه أمير الشعراء أحمد شوقى قصيدة يقول فيها:
إذا ما جمَعتم أمركم وهمَمتموا بتقديم شىء للوكيل ثمين
خُذوا حبل مَشنوقٍ بغير جريرة وسِروال مَجلود وقَيد سَجين
ولا تعرضوا شِعرى عليه فحسبُه من الشِعر حُكم خطه بيمين
ولا تقرأوه فى «شبَرد» بل اقرأوا على ملأ من دنشواى حزين
وعندما تقرأ قضية اغتيال إبراهيم الوردانى لبطرس غالى، تجد أنك لستَ فى ساحة محكمة عادية، بل إنَّ الوقائع تُروى، ويتم الاتفاق عليها، ثم يتم النظر إليها من زوايا قد لا تخطر لكَ ببال، ثم تَرى أنَّ اغتيال بطرس غالى كان أول اغتيال سياسى فى مصر المُعاصرة منذ اغتيال سُليمان الحلبى للجنرال الفرنسى كليبر، لكنه لم يكن آخر الاغتيالات السياسية، فقد تبعه بعد ذلك الكثير، ترى النقراشى باشا مُتهما بالاغتيال، ثم مُبرءً منه، ثم تراه وقد تم اغتياله هو شخصيًا، وترى الاغتيال يُنظر إليه كفعل إجرامى عتيد، ويُنظر إليه كعمل وطنى، فتضطر للتفكير العميق فى كل قضية، ثم تضطر لأن يكون لك رأى عام بخصوص الاغتيال بصرف النظر عن تفاصيل هذه القضية أو تلك. وفى قضيةٍ يُحَاكم الكاتب عباس العقاد بتهمة العَيب فى الذات الملكية، ويترافع عنه مكرم عبيد الذى يراها تُهمه رجعية، ويرى أنَّ المسيح ومحمد عليهما السلام اتُهما بالتهمة ذاتها بشكل أو بآخر، كما يُحاكم الشيخ على الغاياتى بسبب ديوانه «وطنينى»، وتُفاجأ بتفصيلة طريفة فى القضية، لقد كتب الشيخ عبدالعزيز جاويش مُقدمة للديوان يدعو القراء إلى الإقبال عليه من دون أن يقرأه هو شخصيًا! وإذ يرى البعض أنَّ الدين والتعاطى معه شأن خاص، وتفسيره يعود لكل إنسان حسب قُدراته، وأنَّ الإبداع لا حدود له ولا سقف، وأنَّ الحياة الجنسية للأشخاص تخصهم وحدهم، يرى القانون أنَّ هناك حدودًا لقِيَم وتقاليد ومعتقدات المجتمع، وأنَّ هدمها يهدم المجتمع من أساسه، فتقرأ قضية مدعية النبوة، وقضية أحمد ناجى وروايته مَلف استخدام الحياة، وقضية الشواذ فى كوين بوت، فترى وجهات نظر مختلفة عليك أن تفكر فيها وتُقرر رأيك الخاص حيالها.
وفى الجزء الثانى من الكتاب كان للقضايا التى تخص الإخوان المسلمين نصيب الأسد، وهذا طبيعى، لأن قضايا هذا الجزء هى القضايا المعاصرة بعد عام 2000، والتى كان للإخوان فيها دور كبير لابد من الإشارة إليه، ليس من خلال آراء خاصة، لكن عبر قضايا تَداولتها المحاكم. قضايا الشرف، وبسط النفوذ، واستغلال النفوذ، والتجسس، والثأر، وخيانة الأمانة، ومحاولة الانقلاب العسكرى... إلخ، كلها تجعلك تنظر إلى التاريخ والمجتمع برؤية مغايرة عمَّا اعتدتَ عليه، وهذه إحدى القيم المهمة التى يُصَدِّرها لنا هذا الكتاب، إعادة النظر فى أفكارنا على ضوء وقائع حدثت بالفعل معروضة أمامنا بزوايا نظر مختلفة حد التضارب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.