ما بين قتل أزواج بعضهما البعض أو قتل أشقاء لأشقائهم وآباء لأبنائهم والعكس، وما بين مشاهد الدماء داخل نطاق الأسرة الواحدة، والتى كانت غريبة على الحياة فى مصر، ترصد «المصرى اليوم» وقوع 28 جريمة أسرية خلال شهر واحد، شغلت الرأى العام لبشاعتها، وصعوبة تصديقها، ربما كان أشهرها القضية المعروفة ب«طبيب الدقهلية»، الذى طعن زوجته الطبيبة 11 طعنة فى الظهر، فى فجر ثالث أيام عيد الأضحى المبارك. الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع، ترى أن الجريمة الأسرية بين الزوجين كانت مقصورة على أسباب مثل الخيانة الزوجية، أو عدم القدرة على الانفصال، وأسباب مرتبطة بالكرامة، بينما كانت الجريمة بين الآباء والأبناء والأمهات مقصورة على حالات نفسية غير سوية، ووقوع الشخص تحت ضغط نفسى وعصبى يُفقده القدرة على السيطرة، أو حالة نفسية مفاجئة. وأضافت «هالة»، ل«المصرى اليوم»: «الآن، مع ارتفاع حالات العنف فى المجتمع نتيجة سلوكيات العنف التى أصبحت منتشرة بين المواطنين، إلى جانب الفجوة الكبيرة بين القدرات والطموحات، والإحساس بالظلم، كل ذلك كان سببًا فى انتشار الجرائم الأسرية لأسباب غير واقعية». وتابعت: «كما أن حالات العنف العامة فى الإعلام والدراما ساعدت على تأجيج العنف بين المواطنين، وتعطى نماذج للتدريب على العنف، وهو سبب فى انتشار تلك الجرائم». وشددت أستاذة علم الاجتماع على أن الأسرة كانت المنطقة الأكثر أمانًا للإنسان لوجود الحب والإيثار والتضحية، لكن نتيجة انتشار ظاهرة العنف داخل المجتمع والمشاكل النفسية أصبحت الأسرة فرصة سهلة لهذه الجرائم لأن كل ما يواجهه الإنسان يساعده بدرجة على الإغراق فى العنف، ويحاول بعدها تجسيده فى إيذاء نفسى. واعتبرت «هالة» أن التربية الأسرية والمجتمعية السيئة أحد الأسباب التى ساعدت على تنشئة أشخاص غير سويين، إلى جانب العنف فى الشارع والحروب، والممارسات السياسية العنيفة، ومشاهدة صور الدم بشكل مستمر، ما جعل البعض عرضة لتقبل ارتكاب الجريمة. وطالبت بأن تكون هناك إجازة اجتماعية للأعمال الفنية التى تحتوى على العنف، وليس فقط رقابة للأعمال، بل لابد من أن يكون هنا قياس لدرجة ملاءمتها للمجتمع. وشددت على أن ارتفاع نسبة العنف الأسرى هو مؤشر خطر على المجتمع بسبب وجود أطفال داخل تلك الأسر، وبعد سنوات سيكونون أرباب أسر، وربما سيكونون خطرًا آخر على المجتمع. وقال اللواء رفعت عبدالحميد، أستاذ العلوم الجنائية، الخبير الأمنى، إن الجرائم الأسرية، خاصة العنف المتبادل بين الزوجين، والذى وصل إلى مرحلة القتل البشع، لم تصل بعد إلى مرحلة الظاهرة الإجرامية. وأضاف، ل«المصرى اليوم»، أن الدراما المصرية أصبحت مصدرًا وسببًا رئيسيًا لانتشار العنف فى الشارع المصرى، وذلك لما تعرضه من مشاهد عنف وتعاطٍ للمخدرات ومشاهد اغتصاب، كما أنها تحتوى على ما يسمى التمثيل بالتفسير للجريمة، وهو شرح كيفية وطريقة تنفيذ الجريمة، وهو ما قد يحرك أى إنسان تجاه ارتكاب جريمة، وغير صحيح أن تلك الوقائع موجودة فى المجتمع المصرى مثلما يدَّعِى صناع تلك الأعمال الفنية لأن الدراما هادفة وليست هادمة. وتابع أن أحد أسباب تزايد تلك الجرائم الأسرية بين الأزواج هو إخفاء الطرفين حقيقة كل طرف عن أسرة الآخر، وهو ما قد يسبب المشاكل، التى تصل فى كثير من الأحيان إلى جرائم بعد اكتشاف الحقائق. وشدد الخبير الأمنى على أنه يجب تشديد العقوبات على مرتكبى الجرائم الأسرية حفاظًا على تماسك الأسرة لأنها أمن قومى مصرى صميم. بينما قال الدكتور أحمد هارون، استشارى العلاج النفسى، عضو الجمعية الأمريكية لعلم النفس، إن العنف الأسرى يبدأ بتعنيف طرف لآخر حتى يصل إلى الإساءة الجسدية، وإن 35% من النساء حول العالم يتعرضن للعنف الأسرى. وأضاف «هارون» أنه من بين كل 3 زيجات يتعرض فيها أحد أطراف العلاقة إلى العنف الأسرى، الذى قد يصل إلى حد القتل. وتابع: «فى بعض جرائم العنف الأسرى قد يستغرب البعض أن الزوجين كانا يعيشان قصة حب رومانسية، وأن هذه المشاعر الزوجية الجميلة يجب ألا تقترب من العنف الأسرى الذى قد يصل إلى القتل». وأوضح: «وفقًا لما صدر عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس، فإن 50% من معتادى العنف الأسرى لديهم اضطرابات نفسية ما بين كبت وقلق ووسواس، وال50% الآخرون يمكن أن يعانوا الاضطرابات العقلية وهلاوس ورؤية ضلالات». وأشار إلى أن الضغط النفسى من طرف داخل الأسرة على طرف آخر يؤدى فى بعض الأحيان إلى تعرضه لاضطرابات سلوكية تدفعه أحيانًا إلى ارتكاب جريمة.
