ولا تزال جائحة كورونا تلقننا دروسا خاصة جدا وخبرات لا تعززها إلا المحن.. ها هى السياحة الداخلية تؤكد من جديد أنها الأبقى والأكثر استقرارا والأولى بالاهتمام، وإليها يرجع الفضل فى نسب الإشغال الغالبة بالفنادق، خاصة فى مدن الغردقة وشرم الشيخ والقاهرة والإسكندرية، وهى الفنادق التى كانت تعمل بنصف طاقتها حسب القرارات الاحترازية الصادرة عن مجلس الوزراء الذى قرر رفعها بدءا من أمس إلى 70% دعما للسياحة الداخلية، على وجه الخصوص، مع بدء موسم إجازات الصيف ومواكبة لتحسن نتائج الحالة الوبائية حسب ما أعلنته وزارة الصحة المصرية.. الواقع يشير إلى أن السوق الروسية لم تنشط فى مصر حتى الآن، رغم تأكيد السلطات هناك على قرب حدوث ذلك إلا أنها لم تحدد موعدا محددا لبدء توافد السياح الروس عبر تسيير خطوط طيران منتظمة، وفى نفس الوقت انخفض معدل توافد السياح من السوق الأوكرانية لأسباب ترجع إلى المنافسة التى اعتمدتها السلطات التركية للسياح الأوكران، تعويضا عما فقدته من السياحة الروسية إثر وقف رحلاتها إلى تركيا قبل إعادة استئنافها مرة أخرى هذه الأيام، فضلا عن ارتفاع تكلفة الرحلة على السائح البلاروسى إلى مصر بعد المقاطعة المفروضة عليها من دول الجوار إثر حادث اختطاف معارض لحكومتها، وهو ما يطيل مسافة الرحلة لمرورها عبر الأجواء الروسية البعيدة فقط.. والنتيجة أن برزت قوة وأهمية السياحة الداخلية فضلا عن السياحة العربية التى بدأت تسيير رحلاتها من عدة مدن بالسعودية والبحرين والإمارات والاردن، وتزايد التوقعات بزيادة هذه الرحلات فى غضون الأسابيع القليلة القادمة. الأرقام والخبراء يؤكدون ضرورة تواصل جهود ودعم تنشيط السياحة الداخلية من خلال تشجيع ثقافة وترسيخ عرف قضاء نزهة فى نهاية الأسبوع وخلال المواسم والأعياد، لتجنب صفة عدم الاستقرار الحالية فى الأسواق الموفدة للسياح من الخارج. فى البداية أعرب أحمد الوصيف، رئيس اتحاد الغرف السياحية عن ترحيبه بقرار اللجنة العليا لإدارة أزمة فيروس كورونا برفع نسبة الإشغال المسموح بها فى المنشآت السياحية من 50 إلى 70%، مؤكدا أن قرار زيادة نسبة الإشغالات بالفنادق والمطاعم السياحية يكتسب أهمية خاصة مع بوادر زيادة معدلات التدفق السياحى إلى مصر من الخارج وبدء موسم إجازات الصيف، الدافع للسياحة الداخلية واستقرار الوضع الصحى، خاصة مع استمرار عمليات التطعيم باللقاح المضاد للفيروس مما يزيد من القدرة التنافسية للمقاصد السياحية المصرية. أكد محمد عيد سليمان، مدير إدرة التسويق بمجموعة الباتروس للسياحة أن قناعته بأهمية السياحة الداخلية، وقدرتها على وقف نزيف الخسائر جراء قيود السفر على السياحة الوافدة دفعته لإطلاق مبادرته الجديدة تحت شعار «يلا نروح الغردقة كل ويك إند»، باعتبار أن دعم القطاع السياحى واجب قومى، قائلا إن المبادرة تتضمن استعراضا ترويجيا لمزايا الغردقة الفريدة التى أقرها رسميا موقع السياحة العالمى «تريب أدفايزر» واختارها لتعتلى المرتبة الثانية بعد مدينة دبى الإماراتية كأفضل مقصد سياحى بالشرق الأوسط للعام الجارى، موضحا أنه من المميزات التى يتفرد بها مزار الغردقة السياحى أن أصبح الطريق إليه لم يعد يستغرق سوى 4 ساعات بعد افتتاح طريق الجلالة المميز عبر رأس غارب، وتوافر عدد من الفنادق العالمية والمحلية تناسب كل المستويات من فئة 4 و5 نجوم تقدم خدمات إقامة شاملة لتضمن الاستمتاع داخل المجتمع بكل الوجبات والمشروبات طوال اليوم، فضلا عن وجود الألعاب المائية العالمية الجاذبة لجميع الأعمار، وتتيح متعة الترفيه والاستجمام وكذلك وحدات الجيم الرياضى وفرق الأنيميشن لإضفاء أجواء من البهجة اليومية بالمنتجعات. أضاف أنه مقارنة بالساحل الشمالى تتنوع الأنشطة المائية وهى ميزة إضافية بالبحر الأحمر لوجود الشعاب المرجانية والجزر المناسبة لأنشطة الغطس والرحلات البحرية، والالعاب المائية والسفارى وعروض الدولفين ومتحف الغردقة الجديد، بينما تتنوع الأنشطة الترفيهية الليلية خارج المنتجعات، وكذلك التنوع البيئى فى كل من سهل حشيش ومكادى باى وسوما باى وسفاجا والقصير ومرسى علم.. بينما يتعزز كل هذا بالطقس المعتدل فى الغردقة طوال العام مقارنة بغيرها من المقاصد السياحية. وقال إن المبادرة سوف تراعى برنامجا خاصا للأطفال والنشء القادمين مع الأسر لدعم قدراتهم وميولهم نحو السياحة الداخلية، وما يتوجب عليهم فعله للاستمتاع بها، استهدافا لتحقيق الفوائد المزدوجة والمرجوة لكل من السائح وإدارة الفنادق والمنتجعات ومقدمى الخدمات فى المزارات، مشيرا إلى أن ذلك يأتى ضمن ما يتوجب علينا فعله توفيرا لأفضل الظروف لاستقرار معدلات السياحة الداخلية، وانعكاس ذلك على معدلات الإشغال. من جانبه أكد بيتر ناثان، عضو مجلس إدارة غرفة المنشآت الفندقية نائب رئيس مجموعة كيروسيز، أهمية السوق الداخلية للسياحة المصرية، مشيرا إلى أن التجارب السابقة كلها تؤكد قدرته على الحد من الخسائر وتعويض أصحاب الفنادق والمزارات عن تذبذب معدلات السياح الوافدين من الخارج بصرف النظر عن أسباب ذلك، قائلا إنه خلال إجازة عيد الفطر الماضى كانت نسب إشغال المصريين للفنادق مرتفعة ولا يزال نسبة كبيرة منهم حاليا يقصدون جنوبسيناءوالغردقة حيث تتراوح نسب إشغال الفنادق بمدن جنوبسيناء من40إلى 45% خلال شهرى يوليوالجارى وأغسطس القادم، موضحا أن معدل الإشغالات الحالية شهد تحسنا طفيفا رغم انخفاض معدل توافد السياح الأوكران لمصر بنحو 50% عما كان عليه بداية من شهر يونيو الجارى. وأشار ناثان، إلى أن المؤشرات إيجابية خلال الفترة القادمة مع بدء تسيير الخطوط العربية لرحلاتها إلى مصر، حيث تم استقبال طائرات من السعودية ودبى بشرم الشيخ، وكذلك تم استقبال طائرة سويس إير وعلى متنها سياح إيطاليون، ومن المتوقع أن تنتظم الرحلة لتكون أسبوعية رغم أن قيود السفر لازالت مستمرة من جانب السلطات الإيطالية، متوقعا زيادة عدد الرحلات خلال الشهرين القادمين من كل من الأردن والسعودية والعراق، مضيفا أن ذلك يعتبر فرصة لتعويض تناقص معدل توافد السياح من السوق الأوكرانى، فضلا عن سياح بيلاروسيا الذين انخفض معدل توافدهم أيضا نتيجة الحظر الجوى المفروض على بلدهم وزيادة تكلفة الرحلة لطولها عبر الأجواء الروسية فقط الى مصر. وأرجع ناثان، السبب فى ارتفاع الأسعار نسبيا رغم انخفاض نسب الإشغال بالفنادق عامة إلى ارتفاع قيمة استهلاك الكهرباء لكثافة استخدام المكيفات مع ارتفاع درجة الحرارة، فضلا عن ارتفاع قيم الخامات والأطعمة، فضلا عن أن ارتفاع نسب الاشغال تتطلب الاستعانة بمزيد من العمالة المدربة وهو ما يعنى زيادة بنود المرتبات لارتفاع راتب كل عامل وزيادة عددهم والمحصلة الإجمالية تدفع إدارة الفندق إلى زيادة أسعار الغرف والخدمات. بينما يقدر تامر مكرم، رئيس جمعية مستثمرى جنوبسيناء، نسبة انخفاض السياحة الأوكرانية، إلى مصر بنحو 60% عما كانت عليه خلال الشهور الماضية، مشيرا إلى محاولات جارية لإعادة جذبها عن طريق تقديم تسهيلات وتخفيضات فى رسوم المطارات وتأشيرة الدخول مواكبة للمعادلة التى تفرضها المنافسة مع المقاصد الأخرى. وقال، رغم بوادر نشاط متوقع للسياحة العربية خلال الفترة القادمة سوف تظل السياحة الداخلية هى رمانة الميزان فى معدلات الإشغال بالفنادق ولا يمكن الاستغناء عن دورها فى هذا الشأن، معربا عن أمله فى تحقق التوقعات بزيادتها خلال موسم الإجازات بدءا من يوليو الجارى للحفاظ على نسب الإشغال المناسبة فى الفنادق، ولما لذلك من آثار إيجابية مهمة على القطاع السياحى ككل. كما أعرب عن أمله فى زيادة الاعتماد على نشاط السياحة الداخلية طوال العام والاهتمام بما يلزم تحقيق هذا الهدف من خطط ترويجية وتسويقية محفزة، وتحفز ثقافة السفر فى الويك إند والاجازات الرسمية والمواسم، قائلا إن السائح المصرى مرحب به ولم يسجل عليه أى ملاحظة سلبية تمثل ظاهرة يتحتم العمل على علاجها، مشيرا إلى أن ذلك هو رده على أى نقد يوجه لسلوكيات السائح المصرى فى الفنادق والمنتجعات والتى وصفها بأن مجملها متحضر وراق وملتزم بالنظم والأعراف الفندقية. ومن سيناء والبحر الأحمر إلى الإسكندرية والساحل الشمالى المفعم بالنشاط والحيوية لتجمعات المصطافين، حيث اقتربت معدلات الإشغال بالفنادق إلى 100% من طاقة التشغيل المقررة كما يقول إيهاب الجندى رئيس لجنة السياحة بالشعبة العامة للمستثمرين بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، منوها إلى أهمية وفاعلية السياحة الداخلية على الرواج السياحى بالإسكندرية والساحل الشمالى حتى مطروح، قائلا إن توقف السياحة الخارجية بسبب كورونا تسبب فى كارثة حقيقية للمنشآت السياحية لم يعالج آثارها إلا المواطن المصرى الذى يفضل الإسكندرية والساحل الشمالى متنزها يناسب كل الفئات، وهو ما انعكس إيجابيا على استقرار معدلات الإشغال خاصة مع بدء ارتفاع حرارة الجو مع حلول الصيف. أضاف الجندى أنه رغم تنوع المقاصد السياحية فى مصر إلا أن ساحل المتوسط سوف يظل محتفظا بمميزاته الجاذبة للسياحة الداخلية التى أثبتت جدارتها فى تخفيف حدة آثار الأزمات المتتالية التى تتعرض لها السياحة العالمية، مشيرا إلى التطور الإيجابى فى ثقافة وطباع السائح المصرى، قائلا إن ذلك تجلى بوضوح فى مدى الالتزام بالإجراءات الوقائية والاحترازية خلال أزمة كورونا مما يمنح مؤشرا للتغير الإيجابى والجيد للسائح المصرى. وقال إن استراتيجية بناء المدن الجديدة والجارى تنفيذها وأثمرت حتى الآن مدينتى الجلالة والعلمين الجديدة وفرت تنوعا جاذبا لأذواق المستهلكين السياحيين، ساهم فى زيادة معدل الإشغالات بالفنادق، ومن المتوقع أن تعمل السياحة الوافدة من الدول العربية على تحقيق المزيد، خاصة فى فنادق الإسكندرية والساحل الشمالى التى تجد تفضيلا خاصا من السياح العرب والمصريين على حد سواء.