3 قرارات تهوى بأسعار «بتكوين» عالميًا قبل تعويض بعض خسائرها

بعد أن لامست أسعارها 68 ألف دولار للقطعة الواحدة، عاودت قيمة عملة «بتكوين» الرقمية الانخفاض بشكل مستمر حتى وصلت إلى 30 ألف دولار فى منتصف مايو الجارى، وأثّرت على أسعار العملات الأخرى الأسابيع الماضية، ثم عادت «بتكوين» خلال اليومين الماضيين للارتفاع وكسرت حاجز ال40 ألف دولار.
والانخفاض المفاجئ والكبير للعملة المشفرة الأهم فى العالم، يرجع لعدة أسباب، أهمها ما قاله الملياردير الأمريكى إيلون ماسك، مالك شركة «تيسلا» لصناعة السيارات الكهربائية، إن شركته ستتوقف عن قبول الدفع بعملة بتكوين، خوفًا من الإفراط فى استخدام الوقود الأحفورى فى تعدين البتكوين، أى بسبب المخاوف البيئية المتعلقة باستخدام الطاقة الكهربائية بشكل كثيف فى إنتاجها.
وكان لتصريحات «إيلون ماسك» تأثير كبير على هبوط بتكوين ب15% من قيمتها، فى المقابل غرد «ماسك» فى وقت لاحق من الأسبوع الماضى قائلًا: «إن تيسلا لم تقم ببيع حيازتها من بتكوين»، وكان لهذا تأثير فى تخفيف حدة انخفاض العملة. وكانت «تيسلا» الأمريكية اشترت فى فبراير الماضى وحدات من عملة بتكوين بقيمة 1.5 مليار دولار، ما ساعد فى ارتفاع أسعارها، كما باعت «تيسلا» لاحقًا 10% من عملة «بتكوين» التى تحوذها بعد ارتفاع أرباحها من الاستثمار بالعملة بقيمة 101 مليون دولار، وفقًا لتقرير أرباح الشركة للربع الأول من 2021. ويرى بعض الخبراء والمحللين فى مجال العملات المشفرة أن تصريحات «ماسك» محاولة منه لخفض السعر ثم الشراء من الأسفل، استعدادًا لارتدادة عالية قادمة.
ومن ضمن الأسباب التى أدت إلى هبوط «بتكوين» هو قرار الصين بحظر المؤسسات المالية والشركات الكبرى من تقديم خدمات العملات الرقمية. ودعت السلطات الصينية، الجمعة الماضى، لاتخاذ تدابير صارمة ضد عمليات تعدين العملات المشفرة، فى إطار الرياح المعاكسة التى تواجه الأصول الرقمية، وبحسب بيان لجنة الاستقرار المالى والتنمية التابعة لمجلس الدولة الصينى فإن هناك حاجة لقيام السلطات بتشديد اللوائح لحماية النظام المالى، مطالبًا باتخاذ إجراءات صارمة ضد تعدين «بتكوين» وسلوك التداول، ولفت البيان إلى ضرورة منع تحول المخاطر الفردية إلى المجال الاجتماعى الأوسع، مع اتخاذ تدابير صارمة ضد أنشطة الأوراق المالية غير القانونية. ويأتى هذا بعد أيام من مطالبة الحكومة الصينية المؤسسات المالية وشركات المدفوعات بعدم تقديم أى خدمات متعلقة بالعملات المشفرة، نظرًا أن هذه الأصول تمثل خطرًا على المستثمرين.
وتعتبر الصين أكبر موقع تعدين للعملات المشفرة فى العالم، حيث تمثل 65% من معدل تجزئة بتكوين، وهى وحدة قياس لقوة المعالجة التى تستخدمها شبكة بتكوين، للتحقق من المعاملات وتعدين الرموز الجديدة للعملة المشفرة، كما طالب بنك الشعب الصينى نهاية الأسبوع الماضى المؤسسات المالية والشركات داخل الصين بضرورة التوقف عن استخدام العملات الرقمية. وقال فى بيان: «إنها عملات ليست حقيقية، وإنه يجب على الشركات المالية ألا تقوم بأى إجراء أو معاملات بهذه العملات الافتراضية، فليس لها أى قانون ينظمها أو يحميها».
وكان القائمون على عمليات التعدين لاستخراج العملات المشفرة المحرك الأساسى للانخفاضات القوية، إذ أوقفوا العمليات بالصين إثر تزايد التدقيق فى أنشطتهم من السلطات هناك. ويحصل القائمون على تلك العمليات على العملات الرقمية المشفرة باستخدام أجهزة كمبيوتر قوية لحل عمليات حسابية معقدة.
وتحاول الصين بسط هيمنتها مبكرًا على سوق العملات الرقمية المشفرة المعتمدة من الحكومات حول العالم، بعد أن أطلقت عملة «شيا» الرقمية رسميًا مطلع مايو الحالى، وهى أول عملة صينية مشفرة، ضمن خططها لإيجاد بدائل تقلل سيطرة الدولار الأمريكى على المدفوعات العالمية.
وأدى هذا الانخفاض الكبير والمستمر فى «بتكوين» إلى خسائر فادحة لبعض المستثمرين والمراهنين، فالبعض فقد أكثر من 90% من رأسماله، وقام بعض المستثمرين والمراهنين بالهروب بشكل جماعى مما أدى إلى انهيار بتكوين وبقية العملات، ويعتقد بعض المحللين أن ما حدث ليس بالأمر السيئ، بل أمر جيد جدًا للسوق لمنع الأسعار من الارتفاع الجنونى، كما حدث مع «بتكوين»، خاصة أن هذه العملات باتت تتأثر بأشياء بسيطة جدًا كتغريدة من إيلون ماسك مثلًا أو جماعات شبابية تعمل ليل نهار فى فترة وجيزة لرفع الأسعار ثم الهروب لجنى الأرباح.
كما تفاقمت تقلبات أسعار العملات الرقمية المشفرة وعلى رأسها «بتكوين» خلال الأسبوع الأخير، نتيجة لتعليقات سلبية للاحتياطى الفيدرالى الأمريكى «البنك المركزى»، فقد أصدر رئيس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، جيروم باول، نهاية الأسبوع الماضى، تحذيرًا حول مخاطر العملات الرقمية، ووضع جدولًا زمنيًا أوضح لتبنى الاحتياطى الفيدرالى لعملته الرقمية، وقال باول إنه يجب الانتباه إلى إطار العمل الإشرافى والتنظيمى للعملات الرقمية، وأضاف باول: «يتضمن هذا التنبه إلى نظام المدفوعات بالقطاع الخاص، والذى لا يخضع فى الوقت الراهن للترتيبات التنظيمية التى تطبق على البنوك وشركات الاستثمار، وغيرها من شركات الوساطة المالية».
وعلى مدار 10 جلسات مستمرة، خسرت العملات الرقمية ما يقارب 40% من قيمتها السوقية التى بلغت 2.6 تريليون دولار، إلى 1.5 تريليون دولار قبل أن تتعافى بجلسة أمس الأول، وتعوض بعض خسائرها إلى 1.75 تريليون دولار.
وقفزت إثريوم، ثانى أكبر العملات المشفرة، بأكثر من 10% ووصلت إلى 2321 دولارًا، ماحية خسائر بلغت 8.6% تكبدتها مطلع الأسبوع دفعتها قرب أدنى مستوى فى شهرين عند نحو 1730 دولارًا.
ويرفض خبراء فكرة أن بتكوين والعملات المشفرة الأخرى هى بديل للأدوات الأخرى للحماية من التضخم، بل يرون أن تلك العملات ليست نوعًا من العملات أو الأصول على الإطلاق، لأنها لا تستوفى أيًا من المعايير الأربعة التى تجعل العملة عملة، وهى: «أن تعمل كوحدة حساب، وسيلة للدفع، وكمخزن ثابت للقيمة، ولتعمل كعملة واحدة، أو كمرجع لمقارنة العملة بقيمة الأدوات المالية المماثلة». وتستخدم هذه العمليات فى المدفوعات بين طرفين بعيدًا عن مراقبة طرف ثالث (البنك أو البنك الوسيط أو البنك المركزى)، ورغم أن العديد من المحللين يرون أن العملات الرقمية تعتبر مستقبل التعاملات، إلا أنها تخلق مشاكل للحكومات التى تتحكم فى المعروض النقدى، ولا تفضل استبدال النقود ببديل تكنولوجى، فى حين يجد المستثمرون فى العملات الافتراضية أداة استثمارات مجدية ومربحة، بعد تراجع أسعار الذهب والدولار التى شكلت ملاذًا آمنًا للمتعاملين بفعل تداعيات فيروس كورونا.