محافظة الإسكندرية تتوج بجائزة سيول للمدن الذكية    توقيع مذكرة تفاهم بين جهاز تنمية المشروعات والمنظمة العربية للسياحة    الرئيس السيسي يوجه باستكمال منظومة التغذية الكهربائية الإضافية لمشروع الدلتا الجديدة    «الداخلية» تضبط 10 شركات و3 مكاتب سياحة بدون ترخيص    ضبط 100.5 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    المديرة التنفيذية لصندوق "قادرون باختلاف" تترأس اجتماعاً لاستعراض استراتيجية عمل الصندوق وإعداد مقترح الهيكل التنظيمي    أسعار الدواجن في مرسى مطروح اليوم    السبت 4 أكتوبر 2025.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    وزير الزراعة يعلن تحقيق الصادرات الزراعية المصرية 7.5 مليون طن حتى الآن    بعد رد حماس على خطة ترامب.. ماذا يحدث داخل تل أبيب؟    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى أكثر من 67 ألف شهيد ونحو 170 ألف مصاب    المجر تتمسك بالنفط والغاز الروسيين بينما يسعى الاتحاد الأوروبي والناتو إلى خفض الإمدادات    وزير الرياضة يهنئ أبطال التايكوندو بتصدر التصنيف العالمي    اليوم.. حسام حسن يعلن قائمة منتخب مصر لمواجهتي جيبوتي وغينيا بيساو    بمشاركة 1000 شاب وفتاة.. الشباب والرياضة بالقليوبية تنظم مسيرة شبابية احتفالا بذكرى النصر    بدء مؤتمر الهيئة الوطنية لإعلان الجدول الزمني لانتخابات النواب    طرح النهر يغرق ومصر تُجيد إدارة الفيضان.. خطة استباقية تُثبت كفاءة الدولة في موازنة الأمن المائي وسلامة المواطنين    "الأرصاد": فرص أمطار اليوم على هذه المناطق    قوافل طبية وغذائية لدعم الأسر المتضررة من ارتفاع منسوب مياه النيل بدلهمو بالمنوفية    إخماد حريق بمصنع ملابس في مدينة العاشر من رمضان    فردوس عبد الحميد في مهرجان الإسكندرية: ندمت على تقصيري مع أولادي رغم حبي للفن    التضامن: فريق التدخل السريع وفرقه المحلية تعاملوا مع 662 بلاغاً بمحافظات الجمهورية خلال شهر سبتمبر    "المسلخ رقم 5" رواية ترصد انتشار اضطراب ما بعد الصدمة الناتج عن الحروب    الشروق تنشر تفاصيل حالة مقبرة أمنحتب الثالث قبل وبعد مشروع الترميم    وزير الخارجية يلتقي سفراء الدول الإفريقية المعتمدين لدى اليونسكو    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز حاجز ال10 ملايين جنيه    مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الشرقية    «التأمين الصحي»: خطة تطوير شاملة لمستشفى النيل بالقليوبية ورفع كفاءة خدمات الطوارئ والرعاية    الرعاية الصحية ببورسعيد بعد إجراء جراحة دقيقة: التكنولوجيا الصحية لم تعد حكرا على أحد    وكيل صحة الشرقية يشارك في المؤتمر العلمي الرابع لأمراض الكلى بسوهاج    جامعة قناة السويس تطلق قافلة طبية شاملة بمدينة سانت كاترين    "الوكالة الوطنية للإعلام": سقوط طائرة إسرائيلية مسيّرة عن بُعد في منطقة "وادي فيسان" في "جرود الهرمل" شرقي لبنان    خطوات تنزيل تردد قناة طيور بيبي الجديد 2025 على جميع الأقمار الصناعية    "تابع الآن قيامة عثمان" تردد قناة الفجر الجزائرية الجديد على جميع الأقمار الصناعية بجودة hd    موجة انتقادات لاذعة تطارد محمد صلاح.. ماذا فعل النجم المصري؟    القبض على المتهمين بالاعتداء على شاب أثناء سيره بصحبة زوجته فى الحوامدية    ما حكم من لم يقدر على الوضوء لأجل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    تفاصيل حفل استقبال طلاب الطب البيطري بجامعة قناة السويس    تاريخ الإغلاقات الحكومية فى أمريكا.. بدأت فى 1976 وآخرها كان الأطول    ورشة تدريبية في فنون المونتاج بجامعة قناة السويس لتعزيز المهارات    موعد مباراة بايرن ميونخ وفرانكفورت في الدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    زكى القاضى: موافقة حماس تنقل الكرة لملعب ترامب.. والخطة لا تشمل الضفة الغربية    وصول سارة خليفة وعصابتها لمحكمة الجنايات وسط حراسة مشددة    هالة عادل: عمل الخير وصنع المعروف أخلاق نبيلة تبني المحبة بين البشر    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 4 أكتوبر 2025    مصرع سيدتين وإصابة 7 في حادث تصادم مروّع بالفيوم    95 منظمة دولية وإقليمية تشارك في «أسبوع القاهرة الثامن للمياه»    تشكيل الزمالك المتوقع أمام غزل المحلة بالدوري    من غير مواد حافظة.. طريقة عمل الكاتشب في البيت لسندوتشات الأطفال    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا    موعد انخفاض أسعار الطماطم في الأسواق.. الكيلو وصل 35 جنيه    دار الإفتاء توضح: حكم الصلاة بالحركات فقط دون قراءة سور أو أدعية    وزير الخارجية يثمن الدعم الفرنسي للمرشح المصري لرئاسة اليونسكو خالد العناني    مواعيد مباريات اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 والقنوات الناقلة    هل إجازة 6 أكتوبر 2025 الإثنين أم الخميس؟ قرار الحكومة يحسم الجدل    اللواء مجدى مرسي عزيز: دمرنا 20 دبابة.. وحصلنا على خرائط ووثائق هامة    فلسطين.. طائرات الاحتلال المسيّرة تطلق النار على شرق مدينة غزة    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى ميلاده.. حكايات «مثيرة للجدل» في حياة الشيخ محمد الشعراوي
نشر في المصري اليوم يوم 15 - 04 - 2021

داخل ريف قرية دقادوس التابعة لمركز ميت غمر، الدقهلية، أبصَر الصبي محمد متولي الشعراوي، الضوء لأول مرة، في 15 أبريل 1911، إذ يتذكّر طفولته، قائلاً: «اختلفت في طفولتي عن أقراني في نزوعي إلى العُزلة والتأمل، فكانت هناك شجرة جميز على ترعة بلدنا دقادوس يحلو لى الجلوس تحتها، لتأمُل فراشات الحقول ولون السماء ساعة الغروب، وعرفت يداي طريقها إلى طين الأرض».
لم تكُن طفولة «الشعراوي» مختلفة فقط، وإنما حياته كلها، إذ أصبح مع مرور السنوات «الشيخ الشعراوي» و«إمام الدعاة»، أحد أشهر مفسري معاني القرآن الكريم في العصر الحديث؛ حيث عمل على تفسير القرآن الكريم بطرق مبسطة وعامية مما جعله يستطيع الوصول لشريحة أكبر من المسلمين حول العالم.
في ذكرى ميلاده، «المصري اليوم» ترصُد 6 حكايات مُثيرة للجدل، يمكننا أنْ نصفها ب«الشائِكة» في حياة الشعراوي، وفقًا لمذكرات «الشيخ الشعراوي»، والتي نشرت في كتاب يحمل اسم «مذكرات إمام الدعاة» والصادر عن «دار الشروق» وكتبه محمد زايد نقلًا عن روايات الشعراوي نفسها بكلماته ومفرداته، ونشر الكتاب لأول مرة في 27 يونيو عام 1998.
1.
يروي «الشعراوي» معايشته لأحداث ثورة 19 في طفولته فيقول: «كانت أحداث ثورة 19 تمر أمام عيوننا، أناس من مختلف الطبقات والطوائف، كبير وصغير، فقير وغني، متعلم وجاهل، كلهم تأخذهم عملية وطنية واحدة، كلهم مرتبطون مع بعضهم البعض ويعملون العمايل اللي هيه، أنا رأيتهم بعيني وهم يحملون عربات الدلتا.. وكانت بين بنها والمنصورة، وتمر على الرياح التوفيقي، ويلقون بها في الترع، ويقومون بفك القضبان جميعهم مع بعض، وكأنهم شخص واحد، ويأتي الإنجليز من معسكر لهم في بلدنا، ويرون ما جرى، ولا يجدون فردًا واحدًا يعترف على آخر.
كانت حمى وطنية تجتاح الجميع، وقد غذوا الأطفال في القرية التي نشأت فيها بهذه الوطنية، إلى أن تبين أثرها سنة 1930، وقت أن حكم إسماعيل صدقي البلد وألغى دستور سنة 1923، وعمل دستور سنة 1930، وزيف الانتخابات، وقريتنا دقادوس وجدت تعبيرًا عن وطنيتها أنه لابد أن تقاطع الانتخابات، وفعلًا قاطعت الانتخابات، نادى المنادي قبلها بيوم: (يا فلاحين، هاتوا أكل مواشيكم لأننا مش هنخرج بكرة من الدور، وانتوا يا عمال ياللي في ميت غمر، وضبوا أرزاقكم، هاتوا عيش من الطابونة، وكذا وكذا)، وأصبح يوم إضراب، والدور كلها مسككة، واللجنتان معقودتان بالبلد، ولكن ولا واحد يدخلهما، حتى نحن الصغار منعونا من الخروج.
2.
«أكملت طريقي إلى التوجيهية ومعي اثنان فقط من أصدقائي، فكان علينا أن نجمع صحبة جديدة من الأصدقاء، وكان من بينهم أحمد عاصم، وكان من بلد اسمها أبو الشقوق، التي كانت قرية محمد حسين هيكل، صاحب رواية (زينب)، التي تعتبر أول رواية نقلت إلى السينما، ولما أردنا مشاهدتها، طالبنا من أحمد عاصم أن يكلم مؤلفها ابن بلده ليحصل لنا على ثلاث تذاكر مجانية، بدلًأ من أن ندفع في التذكرة تلاتة تعريفة، فجاء إلينا بعشر تذاكر.
وهكذا كنا أول من شاهدوا أول فيلم سينمائي مصري، هو فيلم (زينب)، وسعدنا وقتها بهذا كل السعادة، وطلبنا من أحمد عاصم أن يبلغ ابن بلده إعجابنا الشديد بروايته، فقال لنا إنه ليس فقط بلدياته لكنه ابن خاله، فشجعنا هذا على أن نطلب منه أن يمدنا بنسخ من كتابه (حياة محمد)، فأحضر لكل منا نسخة، واعتدنا أن نعكف بعد كل عشاء على قراءة صفحات منه، وكان هذا الكتاب من أهم العوامل المؤثرة التي حببت الأدب إلى قلوبنا.
وأصبحنا بهذا أدباء وشعراء وأزهريين، فكان الأدب يتطلب منا الفن والشعر، والأزهر يتطلب منا الورع والتقوى، ومن ثم كان علينا بالضرورة أن نجمع بين الفن والتوقر، وكان الأمر يشق علينا لأننا نسمع مثلًا شعر الغزل، ولكننا لا نستطيع أن نقول شعرًا في الغزل لأننا أزهريون.
أيضًا أسعدنا كثيرًا وأمتعنا في ذلك الوقت قراءاتنا لكتاب للمرحوم أحمد شوقي كان عنوانه (أسواق الذهب)، وكان من النثر الرفيع، ولما قرأه لنا الدكتور عبدالمنعم خفاجة، وجدناه يتكلم عن الفن كلامًا واسعًا بعض الشيء، ويقول: (أساطين الفنون أربعة، وأساطين تعني أعمدة، الأول: شاعر صار بيته على ألسنة الناس، والثاني: مصور نطق زيته، والثالث: مثّال نطق حجره، والرابع: موسيقي بكى وتره).
فقلت: كلمة النحت والتماثيل لا تناسبنا، والموسيقى يمكن أن تناسبنا بشرط ألا تكون مهدهدة للعواطف ولا مهيجة للمشاعر.
وقطعنا وقتًا في الأخذ والرد مع بعضنا البعض، إلى أن توجهنا إلى أستاذ لنا كان اسمه عبدالعزيز عبدالحق، رحمة الله عليه، كان يدرس لنا التاريخ، وطرحنا عليه موضوع حوارنا، وكان أستاذًا بحق، يعتبر التلاميذ أبناءه، فقال لنا: لأنكم أزهريون، ستنظرون إلى الفن على أنه عيب.
فطلب مني المتحاورون أن أبدأ وأطرح موضوعًا لنحدد موقع الفن منه، فاقترحت أن نحدد معنى كلمة فن أولًا، لكيلا نفقد أزهريتنا في سبيل الشعر، وأخذنا نبحث عن تعريف كلمة فن، فوجدنا أن كلمتي فن وفنان مأخودتان من الحمار الوحشي، بمعنى أن الفن يجمل كل شيء لكي يروق في المنظر، حتى منظر الحمار الوحشي البعيد عن كل جمال، وانتهينا إلى أن الشعر في حد ذاته ليس حرامًا، لكن المهم في أي مجال نستخدمه؟.
فمثلًا لا يقال السكين حرام أو حلال، لأننا لو استخدمنا السكين في ذبح فرخة تكون حلالًا، وأما إذا جرحنا بها إنسانًا تكون حرامًا، وعلى هذا، قال لنا الشيخ حسن الإمام: (عندما يريد أحد أن يقرض شعرًا في الغزل، فليكن غزلًا شرعيًا).
فقلت له: (إذن على كل منا أن يكتب شعرًا في الغزل الشرعي، ويأتي به إلينا غدًا، ورحب الجميع، وفي اليوم التالي، اجتمعنا وكنت أول من سألوني: (ماذا قلت؟)، فقلت لهم:
من لم يحركه الجمال فناقص تكوينه.. وسوى الخلق الله من يهوى ويأذن دينه
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرًا) فمنه البيان المعبر، وإذن لا تقول إن الفن سيء، إلا إذا نقلنا من جمال إلى قبح».
3.
«كانت قريتنا تمتاز بسمتين.. أولاهما أنها تشترك مع كل بقعة على أرض مصر في تلك الحمى الوطنية التي فجرتها ثورة سنة 1919، والثانية أنها كانت تجاور قرية (مسجد وصيف) بلد زعيم الثورة سعد زغلول، والذي كان لا يمر علينا يوم إلا ونذهب إليه لزيارته.
وأضيف إلى ذلك واقعة أخرى خاصة، فقد حدث أن وقع سعد زغلول من فوق الحمار، وهو يحمله متجولًا في القرية، وكسرت ساقه، وفي الحال استدعوا له الأطباء، من القاهرة طبعًا، وتصادف أن كان في قريتنا أسرة تعرف باسم (المجبراتية) وكانت شهرتها واسعة، حتى النساء منها، في أعمال تجبير الكسور، وشارك كبيرها الشيخ سيدي أحمد أطباء القاهرة في علاج الزعيم، وسجلت لنا هذه المكرمة في علاقتنا معه، وأصبحت عادة متبعة للآباء أن يصحبوا أبناءهم معهم ليروا سعد باشا في قريته، فكنت أواظب على زيارته في صحبة والدي وعمي طوال فترة علاجه.
وأذكر من هذه الأيام أنه حدث أن حضر أحد الشعراء، وكان اسمه الجيهاري، وأراد أن يرى الحمار الذي أسقط من فوق ظهره سعد باشا، فأحضروا له الحمار، وكنت يومها في قرية الزعيم، وتساءلنا: (ما الذي سوف يفعله هذا الشاعر بالحمار؟ هل سيركبه أم سيضربه؟ وفوجئنا عندما أوقفوا الحمار أمامه ينشد فيه شعرًا قائلًا:
(حمار الزعيم.. زعيم الحمير
على عرش ملك الحمير أمير
أقام الحمير له حفلة
وأعطوه قفة من شعير
فإذا كان للتاكسي صفارة
فإن النهيق مكان الصفير)
وبالطبع، انطلقنا جميعًا نحن الصغار في الضحك».
4.
يعود «الشعراوي» لرواية تفاصيل طفولته، فيقول: «من هذا الزمن، أذكر أن من أهم الاحتفالات الدينية التي كانت تجمع آباء وأبناء قريتنا دقادوس (مولد العذراء)، الذي كان يقام في الأسبوع الثالث من أغسطس، وكان يقال إنها مرت بالمسيح في قريتنا، فأقيمت لها كنيسة عندنا، وكنا نعتاد في الاحتفال بهذا المولد أن تأتي إليه كل الطوائف لأنه كان من الموالد الكبيرة جدًا.
وكان من بين الذين يحضرون، هؤلاء الذين يدقون الوشم، وسبب هذا أن النيل في بلدنا كان واسعًا، ويغرق فيه أناس كثيرون، فوجدوا أن أنسب وسيلة لمعرفة الغرقى أن يدقوا وشمًا على أيديهم، وكان (مولد العذراء) أفضل وقت لدق الوشم، لأن أعدادًا هائلة من أبناء دقادوس والقرى المجاورة كانت تتجمع فيه.
وحدث أن ذهبت مع أصدقائي من شباب القرية إلى المولد، فوجدنا الرجل الذي يدق الوشم تحت الجميزة يخيرنا بين ما نريد دقه بالوشم، صورة بنت حلوة، وحاجات كثيرة غير ذلك، والتففنا حول رجل يدق الوشم بقرش، وكان في صحبتي اثنان من أصدقائي، دق لهما الوشم، ثم جاء دوري لكي أدق صورة طيور.
فوجئت بيد تشدني فجأة، وكان والدي، وكنت على وشك دق الوشم، ضربني وصحبني إلى البيت، وقال لي: (لا تقدم يا بني على شيء إلا بعد أن تشاور من يحبك، والذين معك عيال مثلك)، وسألني: (هل ستدرس في الأزهر وتحفظ القرآن ويبقى لك طيرتين هنا؟).
وبعد أن كبرت وأصبحت عالمًا، كان يذكرني ويقول لي معاتبًا: (تصور أن تكون عالمًا أزهريًا كما أنت الآن وعلى جانبي جبينك طيرتين هنا؟).
ووقتها، رأيت غيري ممن دقوا الوشم وأرادوا إزالته بعد أن كبروا ولكن ذلك كان مستحيلًا إلا باستخدام الأزميل، فقلت لنفسي: (يا سلام على الأقدار، لو لم يحضر والدي وأنا على وشك دق الوشم لكنت منهم). ومن يومها، ترسخ إيماني بألا يناقش العبد قدره، فقد يراه ضارًا به، أو يمنع عنه شيئًا طيبًأ، كما كنت أرى في صغري وقت أن جاء أبي إلى تحت الجميزة على غير موعد، بينما كان القدر يخبئ لي ما هو أفضل ألف مرة، بأن ينقذني في كبري من وصمة الوشم».
5.
كتبت تحت صورة عبدالناصر «غدًا تتوارى تحت سراديب من مضى» فخاف شيخ الأزهر.
«عندما أصبح الشيخ عبدالرحمن حسن شيخًا للأزهر، وأنا مديرًا للأزهر، جاءوا بصورة لجمال عبدالناصر، وهو يصلي، ووضعوها في مكتبه، ووجدوا أن هذا يكون مناسبًا، وقال لي شيخ الأزهر: (ما تكتب لنا كلمتين نضعهما تحت الصورة الواقفة دي).
فسألته، وكان يحبني جدًا: (هل هذا توجيه أم تطوع بالنفاق؟).
فضحك، وقلت له: (طيب أنا حكتب كلمتين، لكن بشرط، أنك تكتب ورايا بخط إيدك).
والتقط ورقة وقال لي: (موافق، أنا هكتب).
فقلت له: (إذن اكتب بخط واضح).
والله يرحمه كان من أبناء الأكابر، وأمليته:
(غدًا تتوارى في سراديب من مضى
ويمضي الذي يأتي لسردابكم حتما
ولن يقف الدولاب والله دائم
فليتكم لما.. تذكرتموا لما)
وفوجئت بالشيخ حسن يقول لي: (أبدًا.. لا أقدر على كتابة هذا ابدًا)».
6.
بدأ الشيخ محمد متولي الشعراوي تفسيره على شاشات التلفاز قبل سنة 1980م بمقدمة حول التفسير ثم شرع في تفسير سورة الفاتحة وانتهى عند أواخر سورة الممتحنة وأوائل سورة الصف وحالت وفاته دون أن يفسر القرآن الكريم كاملاً. يذكر أن له تسجيلاً صوتياً يحتوي على تفسير جزء عم (الجزء الثلاثون).
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي موضحًا منهجه في التفسير: «خواطري حول القرآن الكريم لا تعني تفسيراً للقرآن. وإنما هي هبات صفائية. تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات.. ولو أن القرآن من الممكن أن يفسر. لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره. لأنه عليه نزل وبه انفعل وله بلغ وبه علم وعمل. وله ظهرت معجزاته. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بأن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التي تبين لهم أحكام التكليف في القرآن الكريم، وهي «افعل ولا تفعل».
«كان أبي أكثر تأثيرًا في حياتي من أمي، والشاهد على ذلك أنني كنت جالسًا معه، وقلت له: (أريد أن تكلمني بصراحة، لماذا كان حرصك على دخولي الأزهر؟)، فقال لي: (هل أنت مُصر؟)، فقلت له: (نعم)، فحكى أننا كنا في الشتاء، وفي إحدى الليالي، بعد صلاة العشاء، وجد شخصًا ينام إلى جوار المنبر، فعرف أنه غريب، فسأله: (يا عم أنت لك حد هنا؟)، فرد على والدي: (أنا غريب).
فاصطحبه والدي ليبيت عندنا في القاعة، لأن الدنيا كانت بردًا، ولاحظ أن الغريب كان يحك جلده كثيرًا وهو يتناول العشاء، فعرف أن ملابسه غير نظيفة، فأحضر له قميصًا وجلبابًا من ملابسه، وقال له: (إلبس دول).
ولم يتردد الرجل، لكنه لم يكد يرتدي القميص حتى نام على الفور إلى الصباح، والجلباب في يده، فعرف والدي أنه مجهد، فطلب من أمي غسل ملابسه، ولما رأت أن تقوم بذلك في الصباح، قال (لا، أريد غسلها الآن).
وبالفعل أحضر بنفسه حلة، وقام بتسخين الماء، واشترك أبي مع أمي في غسل ملابس الغريب، وقاما بنشرها على أسياخ حديد في القاعة لأنها دافئة. وفي صباح اليوم التالي قال والدي للضيف الغريب: (تناول إفطارك وخذ ملابسك في لفة ومعها الملابس التي عليك).
وقال إن الغريب سأله: (من الذي غسل الملابس؟).
قال له والدي إن والدتي هي التي غسلتها، فقال الغريب: (إن شاء الله سوف ترزق بعالم)، ولم يكن يعرف أنها حامل، وأخذها أبي على أنها مجرد دعوة رجل طيب، ولو أنها لصقت بذهنه لأنه كان يحب العلماء.
ومرة أخرى، كما حكى والدي أيضًا، حدث يوم ولدت أن تأخر بعض الوقت عن صلاة الفجر، فسأله خاله: (ما الذي أخرك يا متولي؟).
فأجاب والدي: (لأنها تلد).
كان خاله رجلًا متدينًا وقال: (يا سلام، أنا رأيتها الليلة الماضية في المنام، وقد وضعت كتكوتًا يقف فوق المنبر ويخطب، فسألت: من هذا؟، وقالوا لي ابن متولي الشعرواي، وعرفت أن ابنك سوف يكون من العلماء).
من هاتين الحكايتين أيقن والدي، كما قال لي، أنني سوف أكون عالمًا، ولهذا كان إصراره على التحاقي بالأزهر».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.