الأم الأرملة والمنفصلة.. بطلة

تخيلى أنك قد أصبحت فجأة مسؤولة وحدك عن طفل أو أكثر، يغلق عليكم باب البيت، وتتولين كل ما يهم أولادك من تربية ومأكل وتعليم وأمان، بالطبع أنت لستِ ضحية بل بطلة، لأنك تقفين فى وجه مجتمع وأقارب وإدارات وجيران وآخرين، ربما انتقدوا بعض تصرفاتك أو ألقوا عليك باللوم، لموقف حازم أو ليّن تجاه أولادك أو وحيدك.
كثير منكن، دون تعميم، يكتسبن لدونة وقدرة على مطاوعة الحياة، والتعامل مع احتياجات الولد أو البنت، كما تزيد المرونة ويزيد العبء مع زيادة عدد الأطفال. ومما لا شك فيه أنه رغم صلابة المرأة الوحيدة، إلا أنها تتأثر نفسيًا بالسلب، ويزيد ذلك مع كثرة الضغوط.
فى كل لحظة من اليوم، حتى وهى نائمة، تفكر فيما ستفعله فى الغد، تطمئن وتتوتر وتقلق وتؤرق، لأن فى عنقها مسؤولية كبيرة، وعلى عاتقها الأمومة، تلك الفطرة الإنسانية الغالبة التى لا تساويها فى شمولها وقوتها أى عاطفة أخرى.
أيتها الأم البطلة، ربما تعانين من بعض اضطرابات النوم، لكن ربما وبعد استقرار الأمور وبعد فترة زمنية تدركين فيها البيئة المحيطة، والتحديات، وكيفية مجابهة تلك المشاكل، ربما أهملتِ فى نفسك، وربما تألمتِ لعدم كفاية الموارد المالية.
وفى حالة الأمهات المنفصلات، قد يكون هناك صراع مستمر مع الطليق بكل الملابسات والتدخلات من كل جانب، تتفاقم المشاكل، إذا لم يكن لكِ سند من أهلك أو من المجتمع، أما إذا كنت قد عانيت من العنف الزوجى على يد طليقك؛ فإن ثمة ضررًا قد يلحق بك فى صورة كرب ما بعد الصدمة بكل ما يحمل من ضيق وصداع و(فلاش باك) وذكرى عابرة لألم شديد.. لكن تذكرى أنكِ استطعتِ التخلص من هذا الكابوس، ونجوتِ من مأساة عِشتِها وجهًا لوجه مع من كان هو زوجك ووالد ابنك أو أولادك.
إذا لحق بك أى من تلك الأضرار أو الآلام أو الصعوبات؛ فهناك سبل نفسية، منها أن تتعرفى على ألمك النفسى وتحدديه وتحاولى تضميد جراحك بالراحة، وبمساعدة المختصين.. أوقفى نزيفك الانفعالى، واخرجى بسرعة من أى دوامة للوم الذات أو الولولة أو الإحساس بالعجز.. احمى قوتك النفسية، ادفعى بكل ما ترينه مناسبًا للترويح عن نفسك ومشاركة أخريات مثلك، وإذا صارعتك الأفكار السلبية، صارعيها بكل قوة ولا تدعيها تدخل إلى عقلك الباطن، لأنها ستؤثر على قراراتك وصحتك النفسية وعلى أولادك.
ما ذُكر سابقًا ليس وصفة سحرية تُقرأ فتُطبق، إنها مجرد خطوط عريضة ورؤوس أقلام لتُحوليها إلى واقع منسجم مع حياتك وظروفك، أضيفى إليها وأبدعى مع لمساتك الشخصية، امزجيها بمكونات شخصيتك وبتجربتك وبألمك وبانتصارك على كل العقبات التى واجهتكِ.
كل موقف متفرد وله خصوصياته، وله الطرق الخاصة به للتعامل معه ولحل مشاكله.. إن اللاتى انفصلن بعد زواج عاصف ملىء بالتنمر والأنانية، واللاتى صرن أرامل وهن فى مقتبل العمر ولم يتزوجن ووقفن وحيدات مع طفل أو أكثر فى مواجهة الحياة بكل ما تحمله من صعوبات ونجاحات ومواجهات، فلتنظرى إلى ابنك وهو ينمو ويكبر ليصير رجلًا ترين فيه لمساتك وبصماتك ورعايتك ومحبتك وقدراتك على الصبر والصمود، أولًا ستتعاملين مع حزنك لفقدك زوجك، ستمرِّين بفترة الحداد واقفةً شامخةً فى وجه الريح بحزنٍ قاسٍ، ووحدة مُرّة، ومسؤولية ضخمة.
أعيدى بناء وجودكِ وأفكاركِ، استثمرى فى مواهبك، ويا أيتها الأم المنفصلة والأرملة تذكرى جيدًا.. أنتِ مُدهشة ومُذهلة، وربما اضطررت لبعض الصدام مع أولادك، أو مع الآخرين.. لكن هذه هى الحياة، وهذا هو الواقع، ونحن فخورون بكِ جدًا.. فعلًا ولأبعد الحدود!.
kmfadel@gmail.com