رجل غير مسار التاريخ.. ميخائيل جورباتشوف يحتفل بعيد ميلاده ال«تسعين»

بتقليب صفحات التاريخ نبحر في عالم الماضي، نصادف شخصيات فريدة من نوعها لعبت دور في تشكيل واقعنا الحالي، وهناك ما نمر عليهم مرور الكرام من شخصيات كان دورها ثانوياً في عصرها أو انتفى أثرها اليوم، لكن هنالك شخصيات لا يمكن تجاوزها عند تتبع مسار الأحداث، شخصيات استطاعت أن تغير مسار التاريخ إلى الأبد، وأصبحنا في واقعنا الحالي أسرى إرثهم التاريخي، واحد من بين هؤلاء هو آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف، الذي يحتفل اليوم بعيد ميلاده التسعين.
جورباتشوف الذي تولى القيادة في الاتحاد السوفيتي منذ عام 1985، حتى 1991، بمسميين الأول سكرتير عام الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، حتى أسس منصب رئيس الاتحاد السوفيتي في مارس 1990، ست سنوات ليست بالفترة الطويلة التي من خلالها نحكم على زعيم دولة لتكون شخصية أسطورية، لكن خلال تلك الفترة الوجيزة جرى الكثير في الاتحاد السوفيتي لإنهاء الحرب البادرة التي استمرت لأكثر من 40 عام.
فمنذ توليه السلطة سعى لإجراء إصلاحات عدة في الاتحاد السوفيتي خاصة في الجانب الاقتصادي، لمواكبة التطور في الغرب الأوروبي، فيما عرف بالبيريسترويكا والجلاسنوست.
وتعني البيريسترويكا في اللغة الروسية «إعادة الهيكل»، وهي برنامج للإصلاحات الاقتصادية أطلقه جورباتشوف، صاحب ذلك ما عرف ب «الجلاسنوست»، والتى تعني الشفافية، لحرية الوصول للمعلومات من المؤسسات السوفيتية.
كما رفع جورباتشوف قبضته على شعوب شرق الأوروبي مما جعلها تدخل في موجة من التحول الديمقراطي، وذلك قبل سنوات من سقوط الاتحاد السوفيتي، وفي رحلة التحول الديمقراطي لشعوب شرق أوروبا كان لسقوط جدار برلين في عام 1989، المبشر بتوحيد الألمانيتين الشرقية والغربية، وبدء عهد جديد.
وتوافق عهد جورباتشوف مع رئاسة رونالد ريجان للولايات المتحدة الأمريكية، وخلال حكم الأثنين وقع الرجلان عدد من الاتفاقيات لخفض سباق التسلح تعتبر الأساس الذي بنى عليه ملف الحد من التسلح في العالم حتى الآن، وأبرز تلك الاتفاقيات هي معاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى«(آي. إن. إف) الموقعة في 1987، والتي مهدت لمعاهدتي ستارت 1 والذي وقع عليها جورباتشوف قبل تركه للسلطة بشهور، وستارت 2 التي وقع عليها الرئيس الروسي يلتسن في 1993، الاتفاقيتين الموقعتين في التسعينات تم تجديدهم في العقد الماضي عبر التوقيع على معاهدة ستارت الجديدة الموقعة في 2011، وسارية المفعول إلى وقتنا الحالي.
جورباتشوف من زاوية أخرى
جهود جورباتشوف لبناء السلام جعلت الغرب ينظر إليه كرجل شجاع استطاع أن ينهي الحرب الباردة، الحرب التي كانت تنذر باندلاع مواجهة نووية بين أكبر قوتين في العالم آنذاك، واشنطن وموسكو، مما يؤدي لفناء البشرية، مما جعله يحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1990.
في المقابل إليه الكثير من الروس على أنه من أضاع هيبة الروس، وأنه دمر الاتحاد السوفيتي بسياساته التي اتسمت بالرعونة، فقد مهدت سياسات جورباتشوف الانفتاحية إلى ضياع سطوة الاتحاد السوفيتي في مناطق نفوذه، إلى أن تطور الأمر حتى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى 15 دولة في ديسمبر 1991.
عيد ميلاده التسعين في الحجر الصحي
وبعيداً عن وضع آخر زعماء الاتحاد السوفيتي في الميزان بأن جورباتشوف أحتفل اليوم بعيد ميلاده التسعين، في ظل أجواء الكورونا، مما جعله يسأم من القيود المفروضة، بحسب ما ذكر المتحدث باسمه فلاديمير بولياكوف لوكالة فرانس برس.
وقال المتحدث باسم مؤسسة غورباتشوف: «إنه في الحجر الصحي في المستشفى طوال فترة الوباء»، وأضاف أن جورباتشوف يواصل عمله بتحرير الكتب والمقالات، مشيرا إلى أن التهاني تدفقت من جميع أنحاء العالم، حيث أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الأمريكي جو بايدن والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أطيب تمنياتهم.
وفي رسالته في وقت سابق الثلاثاء، قال بوتين إن جورباتشوف كان سياسيًا «بارزًا» ساعد في تغيير تاريخ العالم.
وأشاد ب «طاقة وإمكانيات جورباتشوف الإبداعية»، مشيرًا إلى أن الزعيم السوفيتي السابق ظل مشاركًا في المشاريع الإنسانية وغيرها.
كانت علاقة بوتين وغورباتشوف معقدة على مر السنين، تناوب جورباتشوف بين النقد الخفي لضابط المخابرات السوفيتية السابق والإشادة به باعتباره فرصة لروسيا لتحقيق تنمية مستقرة، وقال الرئيس الحالي الشهير إن الانهيار السوفييتي كان «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن».