أصبحت كلما سمعت اقتراحاً بعمل استفتاء أتذكر تلك النكتة الشهيرة عن المذيع الذى أراد أن يمنح جائزة لمتسابق دون آخر، فسأل الأول عن اسم بلد المليون شهيد، ثم سأل الآخر عن أسماء هؤلاء الشهداء!!.. وبالمثل أتعجب من تلك الآراء الساذجة التى تدعى أن ثوار التحرير ليسوا الثمانين مليون مصرى، وبذلك فهم غير معبرين عن آراء الشعب!!.. ولهؤلاء أقول يا أخينا إنت وهو لا يوجد ثورة فى تاريخ العالم خرج فيها كل أفراد الشعب نفر نفر.. دائما من تقوم بالثورات فئتان: إما الأكثر وعيا، أو الأكثر تضرراً، ثم تبدأ موجات من الشعب تلحق بهم تباعا.. وتفوت ثورة وراها ثورة وكل مشهد من كليهما يعطيك دروسا فى الحياة.. بدءاً من ألا ترضى بالقليل بل تتمسك بسقف مطالبك، وانتهاء بأن الحق ينتزع ولا يمنح!!.. وكله كوم وتلك الظاهرة التى لا تتغير بمرور الثورات كوم لوحدها، فأنا مازلت يا أخى لست أدرى وأتعجب من هذا الذى يحدث فى نفسية ونافوخ من يتولى أى منصب سلطوى.. الرجل بيبقى بادئ بداية مبشرة وحماسية.. لكن هذا بالطبع ليس له أى علاقة بتنفيذ أى وعود.. فأنت كما تعلم أن الوعود لم تخترع لكى تنفذ، بل لكى تسمعها حضرتك وتنبسط وتنااااااام.. ولست أدرى يا أخى برضه ما الذى يجعل صاحب المنصب، رغم إنه بيكون عاكك وربنا بيبعتله ولاد الحلال الذين يخبرونه بأنه عاكك، إلا أنه يزداد تمسكا بالكرسى حتى يخرج من المنصب مذموماً مدحوراً!!.. وإذا كنت حضرتك من عاشقى الأبيض والأسود مثلى فلابد أنك تذكر فيلم «صلاح الدين»، وتحديدا ذلك المشهد عندما كان الصليبيون يحتفلون بالاستيلاء على عكا، فبدأ محمود المليجى يقص عليهم قصة العربى الذى هجموا عليه فى منزله وعندما هم الجنود بأخذ صندوق أمواله أمسك به وتشبث بيديه ورجليه، فأخذوا يقطعون يده، ثم رجله حتى يترك الصندوق، فما كان منه –بعد أن فقد جميع أطرافه- إلا أن ألقى بجسده على الصندوق حتى لا يأخذوه منه.. وأرى الآن أن هذا المشهد تكرر بشكل صارخ فى الفترة الأخيرة، بدءاً من اتنين مسؤولين حبايبك كانا يهتفان: «نموت نموت ويبقى الكرسى»!!.. ويرى علماء الطب النفسى أن مثل هذا التمسك بالكرسى طبيعى وعادى، فى ظل ما يسمى «نظرية التوحد مع الكرسى»، التى تصل إلى حد أن المسؤول يظن ويصدق بالفعل أن تركه المنصب سيشيع الفوضى خلفه.. وهذا على فكرة يحدث على أى مستوى وظيفى طالما أن مدة البقاء زادت.. أما أنا بقى فأظن، والله أعلم، أن الموظف الذى يفشل فشلا ذريعا فى منصبه ورغم ذلك يصر على عدم الاستقالة، فهذا غالبا حدث له توحد مع رجل الكرسى.. وأعتقد أن الموضوع ليس تلك النظرية الشهيرة، إنما هو غالبا أن من يجلس على أى كرسى بتندهه النداهة.. فتتبدل شخصيته ويصبح كالمنوم مغناطيسيا لا يرى إلا نفسه على الكرسى.. ويبدو أن هذه النداهة سرها باتع، فحتى من وثقنا فيهم وأحببناهم هم أيضا ندهتهم النداهة.. وطالما أن النداهة موجودة، إذن ذلك التمسك العتيد بالكراسى لن ينتهى.. وربما بعد أن تم اقتراح الاستفتاء يقولولك: طب إيه رأيك نلعب «صلح» أو كونكان والكسبان يتولى السلطة.. ساعتها بقى أنصحك بأن تختار أن تلعب «كونكان».. أصلك بقالك تلاتين سنة بتلعب «صلح».