«حرب الغاز».. معركة «المتوسط» المقبلة

تمثل حرب «الغاز» معركة الشرق الأوسط المقبلة ولاسيما فى منطقة شرق البحر المتوسط (حوض بلاد الشام)، إذ تتنازع إسرائيل مع سوريا وتركيا ولبنان وقبرص ومصر وفلسطين المحتلة، متمثلة فى فطاع غزة على الأحقية المشتركة لحقول الغاز المكتشفة حديثا فى شرق البحر المتوسط.
ترغب إسرائيل فى الاستفادة الاقتصادية أحادية الجانب من الموارد المستقبلية لحقول الغاز، وهو أمر تعارضه سوريا ولبنان بشكل جدى، يضاف إليهما مؤخرا تركيا فى إطار التوتر الأخير للعلاقات بين تل أبيب وأنقرة، خاصة بعد تهديد رئيس الوزراء، رجب طيب أردوجان، بمنعها من الاستغلال الحصرى لهذه الموارد بالاشتراك مع قبرص لبناء منشآت للطاقة.
قبل الخلاف الدبلوماسى التركى - الإسرائيلى، كانت إسرائيل تواجه النزاع مع لبنان وسوريا، إلى جانب الخلاف التركى - القبرصى، إلا أن التدهور الحاد لعلاقاتها مع أنقرة يجعل الخلافات حول الغاز محفوفة بالمخاطر ولاسيما أنها تقع فى منطقة قابلة للاشتعال بالفعل، فلقد أضيفت منطقة حوض دول الشام إلى بقاع الغاز الطبيعى الساخنة فى العالم، مثلها كالخليج العربى وبحر الصين الجنوبى وبحر قزوين، وفقا لرؤية «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى».
وتنظر الدولة العبرية إلى تلك المنطقة على أنها «أرض الغاز والعسل» وفقا لوصف مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، إذ تجد فى موارد الغاز المستقبلية أملا فى تحويل أمن الطاقة والاقتصاد الإسرائيلى، إلا أنها لن تهنأ بها فى ظل تهديدات «حزب الله» بضرب أى منشآت للطاقة فى المنطقة، دون الاشتراك فى حق الاستغلال، وكذلك الوضع فى سوريا.
فمن المتوقع أن تتجاوز احتياطيات الغاز المكتشفة حديثا تحت البحر مستويات الاستهلاك الحالية بعدة مرات، محققة استقلالاً هائلاً فى مجال الطاقة والتصدير، فى حال استولت عليها إسرائيل وحدها، فحسب شركة «نوبل إينرجى» الأمريكية المستكشفة للحقول، فإن التوقعات المستقبلية لحقل لوثيان الواقع على بعد 130 كيلومترا قبالة ميناء حيفا تجعله أكبر اكتشاف للغاز فى المياه العميقة فى العالم خلال العقد الماضى.
وحسب ميثاق الأمم المتحدة حول «قانون البحار»، فإنه يمنح كل بلد الحق فى استغلال الموارد فى «منطقة اقتصادية حصرية» لمسافة 200 ميل بحرى من سواحله، لكن اتفاقيات الحدود البحرية مع الدول المجاورة (بما فيها دول الجيران القريبة من شواطئ البحر الواقعة على مسافة أقل من 400 ميل بحرى) لاتزال بحاجة إلى التفاوض بشأنها.
فإسرائيل حاليا لا تجد سوى قبرص لتكون حليفة لها فيما يتعلق بإنشاء منشآت للطاقة فى هذه المنطقة،خاصة أنها تربطها بها اتفاقيات حول الحدود البحرية، إلا أن هذه الاتفاقيات نفسها التى بينها وبين لبنان تعيق ذلك، لرفض بيروت التصديق عليها فى ظل وجود إسرائيل، وإن كانت مصر قد وافقت عليها لتسوية الموارد العابرة خط الوسط.
لا تقف تل أبيب وحدها فى خانة الخاسر إذا لم تتمكن من مواصلة التنقيب عن الغاز، وإنما الولايات المتحدة أيضا متمثلة فى شركة «نوبل إينرجى»، التى تقود عمليات فى كلٍّ من المياه الإسرائيلية والقبرصية، لذا فإن السياسة الأمريكية تحاول الاستفادة جيداً من خلال التوصل إلى حل سلمى للنزاع فى قبرص.
وتسعى واشنطن دائما للاستفادة من أى استكشاف لحقول غاز أو نفط خارج أراضيها ولاسيما فى منطقة الشرق الأوسط، ولعل نفوذها فى الخليج العربى أمثل دليل على ذلك، لذا فإن تهديد تركيا بمنع إسرائيل من التنقيب يمثل تحديا مباشرا لسياسة الولايات المتحدة، حسب مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة سايمون هندرسون بمعهد واشنطن.
ودون حصول إسرائيل على صديق فى منطقة «أرض الغاز»، فإن الإسرائيليين مضطرون للنظر إلى الأسواق الغربية بالتفكير فى بناء خطوط أنابيب عبر قبرص ومنها إلى تركيا وأوروبا القارية، إلا أن هذها الأمر سيظل مستحيلا هو أيضا طالما العلاقات بين أنقرة وتل أبيب قابلة للانفجار، فضلا عن مشاكل ترسيم الحدود البحرية مع دول الجوار (المعادية) لإسرائيل والنزاعات الأقليمية فى المنطقة.