يوجد رابط خفى بين منصب رئيس الجمهورية، وضاحية مصر الجديدة، فجميع الرؤساء السابقين أقاموا فيها سواء بشكل عارض أو دائم، فالرئيس الراحل جمال عبدالناصر أقام فى كوبرى القبة وشهد منزله التخطيط لثورة يوليو، والاجتماع الأول للضباط الأحرار عام 1949، بعدها بسنوات انتقل إلى منشية البكرى بنفس المنطقة وظل بها حتى وفاته وتم تشييع جثمانه من قصر القبة، بينما لم تستمر إقامة الرئيس الراحل أنور السادات طويلاً فى مصر الجديدة، حيث مكث بها قليلا بشقة للأسرة استأجرها والده فى منطقة القبة. أما الرئيس السابق حسنى مبارك فطال سكنه فيها وتنقل بين أحيائها حتى استقر فى فيلا تقع بين شارعى العروبة والميرغنى فى سبعينيات القرن الماضى، قريبة من قصر عبدالله الجواهرجى الذى تحول فيما بعد إلى قصر العروبة الشهير الذى سكنه مبارك حتى تنحيه، وانتقل القصر إليه بموجب تنازل وقعه ورثة الجواهرجى ممثلين فى أرملته حياة السباعى، الوصية على أولادها الثلاثة، الذين طعنوا على صحة هذا التنازل بعد رشدهم متهمين رئاسة الجمهورية ووزارة المالية بالضغط على والدتهم لإبرام هذا العقد. وأقام الرئيس الراحل محمد نجيب فى فيلا تابعة للمخابرات بقصر القبة فى ثمانينيات القرن الماضى، بعد مغادرته قصر المرج الذى تحددت فيه إقامته طويلا أثناء حكم جمال عبدالناصر، وهكذا صارت مصر الجديدة منذ قيام الجمهورية عام 1952، معادلا معاصرا لما كانت عليه «القلعة» ونطاقها الجغرافى منذ عهد الأيوبيين والمماليك وحتى حكم محمد على من حيث كونها منطقة الحكم والنفوذ وسكنى أصحاب الحل والعقد فى مصر. وكانت مصر الجديدة مقر قيادة القوات الجوية، والأركان العسكرية، وقصر العروبة، والقبة، كما سكنها عدد من وزراء الداخلية منهم شعراوى جمعة، وحسن الألفى، وأحمد رشدى، وأيضا صلاح نصر وأمين هويدى، رئيسا جهاز المخابراتالعامة، ورئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزورى، ورئيس مجلس الشورى السابق صفوت الشريف، ولذلك ارتبطت هذه الضاحية بشكل أو بآخر بأصحاب السلطة، وظلت تمثل ضاحية الصفوة الحاكمة، إلى أن نشأت مدن جديدة ليست بعيدة عنها تماما انتقل إليها العديد من الوزراء والمسؤولين الجدد، منها القاهرةالجديدة، والشروق. وتقع مصر الجديدة شمال شرق القاهرة وتبعد عنها حوالى 10 كيلومترات، وعرفت فى العهد الفرعونى بمدينة «أون»، ثم «هليوبوليس» أى مدينة الشمس، وتمتاز بطرزها المعمارية الجامعة بين النمط المغربى والأوروبى، والعربى، وبشرفاتها الواسعة، وشوارعها الفسيحة المخططة بعناية، ومرافقها الخدمية العديدة. وبدأ بناء مصر الجديدة نتيجة صفقة استعمارية بين الإنجليز والبارون البلجيكى «إدوارد إمبان» الذى جاء إلى مصر لعقد صفقة مد خطوط السكك الحديدية بين المنصورة والمطرية، لكنه لم يحصل عليها واستبدلها بأخرى هى بناء مدينة جديدة على مساحة 25 كيلو متراً مربعاً، وأكملها بين عامى 1906 و1907، وتولت شركته «واحة هليوبوليس» تنفيذ المشروع، كما أقام لنفسه قصره الشهير بنفس الضاحية «قصر البارون» الذى شيده المهندس الفرنسى «إلكسندر مارسيل» على غرار معبد «أنكور وات» الكمبودى، وزخرفه المصمم «جورج لويس كلود».