إن الحديث عن المرحلةالراهنة تكتنفة صعاب عديدة. حيث إن فهم الدلالة التاريخية للحاضر لا يمكن أن يكتمل إلا إذا أصبح ذلك الحاضر تاريخاً. وبقدر ابتعاد هذا التاريخ تصبح قسماته أكثر وضوحاً ، ويصبح تبينها وتحديدها أكثر يسراً ، وأقرب إلى الموضوعية هكذا يقول د/ قدري حفني .. وهكذا أعتقد .. وهكذا تقول الشواهد فنحن لم نرى أهمية حرب 73 إلا بعد أن أصبحت تاريخا كاملا وبعد سنوات طويلة بل إن الثورات في فترة حدوثها على مر الزمان لم تكن تسمى ثورة والبعض كان يسميها (هوجة) مثل هوجة عرابي .. والبعض الآخر كان يسميها (انقلاب) كما كان يسميها البعض على ثورة يوليو .. والمهم في النهاية أنه بعد اكتمال الصورة ومرور السنوات أصبح الجميع يذكر ثورة عرابي ، وثورة يوليو ، وثورة 1919. ليس تفاؤلاً بقدر ما هي الحقائق التي يفرضهاالتاريخ لنتأملها ونستفيد بها بدلاً من أن ننطلق في غياهب التشاؤم أو نفرط بالحديث عن المستقبل الرخاء .. فبالرغم من كل ما يحدث الآن من فتن ومظاهرات هنا وهناك وبالرغم من شكوانا من الحالة الأمنية وغيرها من المشكلات والفوضى التي تتبع عادة أي حدث تاريخي هام كالثورات والحروب ... فالفاصل هنا و المحدد لأهمية المرحلة الراهنة التي نعيشها هو التاريخ وحده .. فنظرة الأنسان قاصره وبالتالي لا يمكن لأي إنسان مهما بلغت قدرتة التحليلية ، ومهما كان حجم خبرتة ودرايتة السياسية أن يصل إلى تحليل كامل للحاضر بسلبياتة وإيجابياتة وأخطاره و صراعاتة وأهدافة وطموحاتة ... فالإنسان عادة تفكيرة محصور بين ثلاث أوجه من الأزمنة (الماضي- الحاضر- المستقبل) وتناول المرحلة الحالية على أساس مقارنتها بحوادث وأحداث الماضي يعبر عن نظرة قاصرة ومجتزئة لا يمكن بأي حال أن تصل إلى تفسير صحيح أو تضع تنبؤاً ذو أساس متين .. وكذلك النظرة الحالية لما نعيشة على أساس المواقف الراهنة دون الاعتبار بالماضي وما كان فيه من حوادث مماثلة ودون وضع الفترتين في وضع المقارنة .. يعتبر عبثاً لا يمكن أن يؤدي إلى تفسير أو استنتاج صحيح وبالتالي لا يمكن أن يؤدي إلى فهماً يعتد به في مناقشة ما يمكن أن يحدث في المستقبل ... ونفس الشئ إذا أغرقنا أنفسنا بطوفان التفاؤل بمستقبل مزدهر معتبرين أن كل مشاكلنا قد رحلت مع رحيل نظام كان يجثو على أنفاسنا مقيداً لحرياتنا .. وهذه النظرة القاصرة أيضا قد تغرقنا في هذا الطوفان فلا يكون لدينا عمل سوى الانتظار لهذا المستقبل أن يجيئ دون أن نعمل على مجيئة متكاسلين عن تحريك أنفسنا وتحريرها من التواكل و السلبية وغيرها من الشوائب التي زرعناها من قبل في اعماقنا أو زرعها الاخرون عمداً لنا ... ولذلك فإن التاريخ هو الأقدر على قول الكلمة الأخيرة والأدق على نور وبصيرة بعد اكتمال المشهد الذي نعيش فيه الآن .... لذلك أرجو من المتحزلقين والمتفلسفين بالتحليل والتفسير و المفرطين في التشاؤم وكذلك المفرطين في التفاؤل وخفافيش الظلام التي تجيد الصيد في المياه العكر، أن يمنحونا الهدوء والسكينة التي نحن في أشد الحاجة إليها ، وأن يمنحوا التاريخ الفرصة في التحليل والتفسير ولا يتعجلوا ذلك بالرغم من خطورة الأحداث الراهنة من اعتصامات ومظاهرات و أعمال تجسس ... إن غدا لناظره قريب . إيمان ....