ظلت كلمات الدكتورة «ديوى أنور»، مسؤولة الشؤون السياسية لنائب الرئيس الإندونيسى، فى كلمتها أمام ورشة العمل التى شارك فيها الوفد المصرى فى جاكرتا- تحت عنوان «فترة التحول ما بين مصر وإندونيسيا» تتردد فى أذنى وهى تقول: «عادة ما يحدث بعد أن تختفى الديكتاتورية، أن تظهر بشكل واضح كل الاختلافات والخلافات»، أليس هذا هو ما نعيشه فى مصر الآن؟ اتحدت مصر فى التحرير فى مواجهة الديكتاتورية وعندما رحلت حلت كل الاختلافات والخلافات تماما، كما قالت الدكتورة «ديوى» تأصل الانقسام ما بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة المدنية، وكان تدشين هذا الانقسام والاستقطاب فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية.. حلت إندونيسيا المعضلة بإقرار الدولة المدنية التى تساوى بين الجميع، وهذا لا يعنى أن كل المشاكل قد انتهت فى المجتمع الإندونيسى ما بين معتنقى الديانات المتعددة فى إندونيسيا، فالمجتمع الإندونيسى يعانى من طائفة «الأحمدية» التى يعتبرها المسلمون فى إندونيسيا شوكة فى لحمهم، مما يتسبب فى أزمات متكررة ضد هذة الطائفة تتمثل فى مهاجمة مساكنهم.. يرفض المسلمون فى إندونيسيا طائفة الأحمدية لأن أتباعها يعتبرون أنفسهم مسلمين رغم أنهم يعتقدون فى قدوم نبى آخر منتظر وهو النبى الهندى «ميرزا غلام أحمد»، لذا يطالب المسلمون الرئيس الإندونيسى بحل هذه الجماعة لكن الرئيس الإندونيسى لم يتخذ مثل هذا القرار حتى الآن، لأن هناك منظمات حقوقية تدافع عن حق أتباع الأحمدية فى الاعتقاد.. الاستناد إلى الدولة المدنية لا يعنى أن يغيب الدين لكن يعنى أن يظل لكل صاحب عقيدة الانتماء إلى عقيدته، بينما لا تعتنق الدولة عقيدة ما لتظل على مسافة متساوية من كل المواطنين مهما كانت عقيدتهم. كان الاتجاه عند ترسيخ ملامح الدولة كما قالت الدكتورة «ديوى»، «أن يتم التعامل مع أصحاب العقائد على قدم المساواة، وهكذا كان هناك تحديد للضمانات فى الانتخابات على سبيل المثال أو بصفة خاصة عدم استخدام الدين فى الانتخابات، لأنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية فى الوقت الذى يستخدم فيه الدين فى السياسة»، كما أكدت الدكتورة «ديوى».. يمكن أن تكون هناك أحزاب سياسية بمرجعية دينية لكن الدولة نفسها ليس لها دين، لأنها يجب أن تظل مظلة للجميع.. هل كان هذا هو الاختيار الأفضل؟ الإجابة تأتى من تتبع الحال فى المقاطعة الوحيدة فى إندونيسيا التى انفصلت واستقلت وطبقت الحكم الذاتى والشريعة، وهى «أتشيه»، حيث تطبق الحدود فى الشارع وتنطلق شبيهة بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لفرض الشريعة بالقوة.. ورغم هذا يتميز الإقليم بأعلى نسبة من العنف والجريمة.. لا يعنى هذا أن إندونيسيا المدنية لا تعانى من مشاكل طائفية وما ذكرناه عن الأحمدية قد يكون أهم هذه المشاكل لكنها ليست كل المشاكل، فالحديث كان أيضا عن أن بناء كنيسة الآن فى جاكارتا يواجه بعقبات من البعض أكثر مما كان يحدث فى السابق، مما يؤكد أن الدولة المدنية لا تحل كل المشاكل التى تتولد عن التعصب. مرة أخرى كما قالت الدكتورة «ديوى» «عندما ترحل الديكتاتورية تظهر الاختلافات والخلافات»، نحن الآن نواجه الاختلافات والخلافات، فهل نرسخ لدولة تنحاز إلى طرف من أطراف الخلاف أو الاختلاف أم نرسخ لدولة تقف على نفس المسافة من الجميع، لتستطيع أن تحكم بين الجميع بالعدل والمساواة، بدلا من أن تحكمها مشاعرها وقناعتها الدينية؟ عدت للقاهرة لأجد الأحزاب الدينية تدرس التحالف لخوض الانتخابات، والسلفيين يتحدثون عن صيغة دستور جديد بتفسير متشدد للشريعة، وأتباع الدولة المدنية لا يرفضون وصول أى فصيل إلى الحكم على شريطة أن يوضع دستور يعبر عن المصريين جميعا، ولا يختطف أحد الفرصة لفرض إرادته الدينية على كل أتباع الأمة.. ليست المشكلة حقا فى البرلمان القادم، ولكن فيمن يضع الدستور فليأت من يأتى يصيب فيبقى أو يخطئ فيرحل، ويبقى الدستور حاميا للجميع، ليبقى الوطن مملوكاً للجميع على قدم المساواة، فالدستور لا تضعه الأغلبية، ولكن الدستور يتوافق عليه كل أتباع الأمة المصرية وكل من قال أنا مصرى.. الدين لله والوطن للجميع. [email protected]