ثورة أم إصلاح.. كان هذا هو السؤال الذى تركناه وراءنا فى القاهرة لنجده فى انتظارنا فى جاكارتا.. وفد من عشرين ناشطا سياسيا وإعلاميا من مختلف ألوان الطيف السياسى فى ورشة عمل من تنظيم معهد السلام والديمقراطية الذى تم تأسيسه لتقديم الدعم الأكاديمى والفنى للحوارات التى ينظمها منتدى بالى للديمقراطية.. مصر وإندونيسيا تتجهان نحو الديمقراطية لكن هل هناك تطابق أم تشابه أم اختلاف فى كلتا التجربتين؟ مصر بدأت أخيرا منذ 11 فبراير 2011، بينما إندونيسيا قد بدأت الإصلاح منذ 20 مايو 1998، ولم ينته الإصلاح بعد حتى الآن، وربما هذا ما يجب أن نتوقف عنده طويلا، خاصة أن البعض فى مصر يتصور أن الثورة التى قامت حققت أهدافها، لذا يجب التوقف عن المطالبات السياسية والتفرغ لإدارة عجلة الإنتاج رغم أن حقيقة الأمر أن هذا لا يتعارض مع ذاك.. فى الفترة من 1998 حتى 2004 مرت إندونيسيا بما يمكن أن يطلق عليه الفصل الأول من الإصلاح، ثم فترة عشر سنوات من 2004، وحتى 2014 وهى الفصل الثانى من الإصلاح، وكما عبر العديد من الخبراء والمختصين فى ورشة العمل فإن إندونيسيا مازالت فى حاجة إلى خمس سنوات أخرى لكى يتم التوصل إلى إصلاح ناضج ومستقر.. أى أن الإصلاح يتم بحلول عام 2019. «ما إن يختف العدو المشترك حتى تظهر الاختلافات ما بين زملاء السلاح» كانت هذه هى كلمات الدكتورة «ديوى فورتونا أنور» الأستاذة الباحثة نائب الشؤون السياسية لنائب رئيس الوزراء الإندونيسى، مؤكدة أن هذه الاختلافات تعكس حقائق اجتماعية وسياسية واقتصادية، وأن هناك دائما مشاكل فى الاتفاق على رؤية مشتركة وبرنامج فيما بعد النضال الثورى سواء كان هذا النضال ضد مستعمر أو ضد نظام متسلط. لذلك فبينما كان هناك اتفاق عام على ما يجب تغييره كان هناك بعض الخلافات حول ما هى الأولويات، وكيف يجب أن يتم التغيير، ومن يكون المسؤول عن التغييرات، مسار الإصلاح، وغير ذلك من التساؤلات.. وعرفت إندونيسيا أكثر الأمور خطورة فى استعادة شرعية مؤسسات الدولة التى بدا أنها فقدت حقها وقدرتها على الحكم. مثل هذه اللمحات تكاد تتطابق مع ما يجرى فى مصر الآن، لكن الحقيقة التى لا يجب إغفالها أبداً هى أن ما جرى فى إندونيسيا يختلف عما جرى فى مصر، فبعد أن كان قد تم انتخاب سوهارتو للمرة السابعة فى مارس 1998، وبعد شهرين فقط كان عليه أن يتنحى بناء على ضغط شديد تمثل فى انفجار التظاهرات ضده وحل محله طبقا للدستور نائب الرئيس «حبيبى».. ثم بعد التنحى كانت هناك مطالب بدستور أفضل سواء بتعديل الدستور القائم أو بعمل دستور جديد، وكان هناك اقتناع واسع بأن هناك مشاكل متوارثة فى الدستور القديم، وأن النظام السياسى قد تم تحديده من خلال الدستور القديم مما كان السبب الرئيسى فى فشل إندونيسيا فى التغلب على أزماتها المتعددة والتى تصاعدت بالأزمة الاقتصادية الآسيوية فى 1997.. وكما عبر «جاكوب توبنج» رئيس معهد «ليمينا» قائلاً «علينا أن نعترف بأننا مازلنا نكافح من الناحية الأخرى من أجل الديمقراطية الدستورية لكى ندعم حكم القانون وأن نرسخ ممارسة وثقافة النظام السياسى الديمقراطى وأن نطور وظيفة المجتمع المدنى.. نحن نفهم أن الديمقراطية ليست عملية لحظية كما أنها قد تعانى من نقاط ضعف لكنها من ناحية أخرى أفضل نظام سياسى.. إندونيسيا تعرف الآن فى المجتمع الدولى بأنها ثالث أكبر الدول الديمقراطية فى العالم». ما حدث فى مصر من المفترض أنه يختلف عن هذا السيناريو الذى يشبه إلى حد كبير أن الأمر قد توقف عند حد تفويض مبارك صلاحياته لعمر سليمان والمضى فيما حدده قبل التنحى من إصلاحات.. فى مصر تنحى مبارك وأسقط الدستور ولم يطبق بتولى النائب، وبالتالى عرفت إندونيسيا الإصلاح على مراحل، ومن المفترض أن تعرف مصر سيناريو آخر طبقا لما تم وهو سيناريو الثورة، فهل نحن أمام ثورة حقا فى مصر أم أننا نعود أدراجنا إلى سيناريو الإصلاح؟ هناك الكثير من التشابهات ما بين مصر وإندونيسيا من حيث الحجم، وأغلبية مسلمة مع وجود أقليات لديها من غير المسلمين، وقوات مسلحة لديها دور كبير.. فهل تتشابه البدايات وتختلف النهايات؟ [email protected]