حينما يطالعك بلونه الأصفر الباهت وخطوطه الزرقاء العريضة، تمر بذاكرتك أحداث قد تلملم أشلاء تفاصيلها بصعوبة بالغة، فقد تكون آخر مرة وطأت قدماك عتبات سلالمه منذ أن كنت طفلاً صغيراً تذهب مع جدتك إلى السوق، أو فى زيارة إلى أحد الأقرباء، أو عندما ضربت الأرض بقدميك معترضاً على إلغاء النزهة، فيضطر والدك لاصطحابك فى جولة بداخل هذا المارد الحديدى، تشترط خلالها الجلوس بجوار النافذة لمشاهدة المدينة وهى تسير بجوارك، فى رحلة تشاهد فيها تاريخ وهوية الإسكندرية، وتكتب سطراً فى تاريخ «ترام المدينة». فى هذه الآونة يحتفل ترام المدينة - أو «الترام الأصفر» كما يطلق عليه الكثير من أبناء الثغر - بعيد ميلاده ال113، حيث أنشئت من أجله شركة بلجيكية تدعى «ترامواى الإسكندرية»، وبدأ العمل فى عام 1897 بمحطة رئيسية فى «مينا البصل» لربط أجزاء المدينة ببعض. وبالرغم من ضجيجه وبطئه الشديدين، فإن ترام المدينة مازال له رواده الذين ألفوه وألفهم، ونشأت بينهم قصة حب جعلتهم لا يرضون بغيره بديلاً، على الرغم من ظهور العديد من وسائل المواصلات الحديثة، ورغم إعيائه الشديد وحاجته الملحة إلى نظرة تطويرية. أبوالحمد حسين – مواطن – يقول: «ترام الرمل يجذب الطلاب لأنه يعتبر وسيلة سهلة ورخيصة يستغلونها فى الذهاب إلى الجامعة، أما بالنسبة لترام المدينة فرواده فئة محدودة جدا من المواطنين، خاصة فى الأحياء الشعبية ومحدودى الدخل، فالتذكرة لا تتجاوز 25 قرشاً مقابل عشرات الكيلومترات». «الترام الصفرا مبقاش زى زمان».. هكذا يقول «عم محمد»، أحد سائقى ترام المدينة: «كان فى الأول هو الأساس وكل الناس بتركبه، الباشا والفقير، بس دلوقتى بقى عطلة لناس كتير لأنه ماشى فى الشارع ومالوش حرم، وبيتأثر بأزمة المرور، لكن لسه برضه فيه ناس بتركبه، بس قليلين». ويقول اللواء شيرين قاسم، رئيس الهيئة العامة لنقل الركاب، إن الترام من المعالم المميزة للمحافظة، وعلى الرغم من قدمه إلا أنه يخدم كل مناطق بحرى وكرموز والجمرك والدخيلة وقبارى وغيرها، وأكثر ما يميزه أنه يستطيع المرور فى الشوارع الضيقة بحرية أكثر من ترام الرمل، نظرا لصغر حجمه. وأكد قاسم إدراج كل من شارع السبع بنات بالمنشية وشارع أبى الدرداء ضمن خطة الهيئة لتطوير ترام المدينة بنفس أسلوب تطوير منطقة محرم بك.