لم أكن راغبا فى الحديث عن جمعة السابع والعشرين من مايو أو كما يطلقون عليها الثورة المصرية الثانية لأنه ببساطة أعُدُّ ذلك مما يمكننا الاختلاف بشأنه ومن ثَمَّ لا يجوز فيه الإنكار, وإن كان يظل لكل صاحب رأى أن يدعو إلى ما يجده صحيحا فى ظنه, وهذا لا ينافى الديموقراطية التى بشَّرت بها الثورة, لكن ما دفعنى إلى ذلك أن الداعين إلى الخروج لم ينتبهوا إلى أن الأمر فيه بحبوحة للجميع فانزلق الكثير منهم إلى أسلوب التخوين الذى أصبح معتاداً, ويبدو أنه (التخوين) سيظل مرضا مزمنا فى جسد الأمة المصرية إن لم تعِ النخب والجماهير مخاطره وآثاره السيئة وأقول أن الخروج فى هذا اليوم مما قد نختلف فيه لأنها دعوة لها خصوصيتها, ولا يمكن لأحد أن يصفها بسطحية على أنها فقط استمرار للثورة, فهى أعقد من ذلك وقد تؤول إلى تغيير مسار الثورة وليس إلى تصحيح مسار الثورة كما يدعو البعض, وخصوصيته تتلخص فى مطلبين رئيسين الدعوة إلى تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية حتى تتمكن جميع الأحزاب من استكمال بنيتها والترويج لأفكارها الدعوة إلى مجلس رئاسى بديلا عن المجلس العسكرى لإدارة المرحلة الانتقالية وبتفنيد المطلبين نجد أن أولهما وهو تأجيل الانتخابات فيه نكوص على ما سبق وتوافق الجميع عليه فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية, وقد قالت الأغلبية نعم كى يرحل المجلس العسكرى مبكرا ولابد لمن قالوا لا أن يلزموا صف الأغلبية, أى أن هؤلاء للأسف رسبوا فى أول اختبار ديموقراطى لأنهم لم يرضو بما جاءت به الديموقراطية حين لم يوافق أهواءهم ولست أنكر أن أداء المجلس العسكرى سىء جدا ولا يحظى برضى أى من القوى الوطنية ولم يرق إلى مستوى تطلعات الحالمين بالحرية والديموقراطية والعدالة وهذا مما لا خلاف بشأنه, لكن ما الداعى للاصطدام به وهو على مشارف المغادرة؟ لم يتبق إلا ثلاثة شهور على الانتخابات التشريعية, وبها ستبدأ الشرعية انتقالها للشعب, كما أنه يمكننا دائما الضغط عليه لتحقيق مزيد من المكتسبات, ثم إن المجلس العسكرى بأدائه الهزيل أكثر قبولا وطمأنينة واستحسانا لدى الشعب من أى مجالس أخرى لا يتوافق عليها فصيل الثورة ذاته فكيف يتوافق عليها شعب بأكمله وبالمرور على الشخصيات التى رشحها الداعون إلى ذلك لم أجد شخصا يحظى بتوافق الشعب, وهم مع احترامى لهم جميعا إلا أننى أجزم بأن أياً منهم لن يفوز بهذا المقعد بأصوات الشعب لو جرت انتخابات, وربما لعلمهم أنهم لن يأخذوا تلك المقاعد عبر آليات ديموقراطية فهم يرون أنه من الأفضل أو من الواجب أن يأخذوها عبر آليات ثورية والدعوة إلى ثورة جديدة مخاطرة لا ينبغى لنا خوضها إذ أنها تعطى للمجلس العسكرى الذريعة كى ينكص عهوده للشعب وتغيير كل قواعد اللعبة وحينها لن نلومه بقدر ما يجب أن نلوم أنفسنا, ولن تكون المخاطرة بالأرواح (فهذا مما الجميع مستعد له ولا مجال للتباهى بشأنه) ولكن مخاطرة بمكتسبات الثورة العظيمة, وأعلم أن الكثيرين بغرض دفع الناس واستثارتهم يزعمون بأن الثورة فشلت أو لم تحقق أهدافها وأقول الثورة لم تنته بعد, لازلنا نعيشها ولم نتوقف جميعا لكن ليس لأحد أن يحكم بفشلها, وبرغم قناعتى بأن الثورة لم تحقق عددا من أهدافها لكنها قد حققت مكاسب عظيمة ومنها القضاء على مخطط التوريث بعث روح الحرية والكرامة والانتماء فى نفس كل مصرى يعيش فى مصر وخارجها تقليم أظافر جهاز الشرطة وأمن الدولة (وجارى التطهير) تقليص مدة الرئاسة إلى أربع سنوات وقصرها على مدتين استعادة مصر دورها الإقليمى وثقلها الدولى وأعلم يقينا أنه لن يستبد بنا حاكم مرة أخرى, لأن الشعب قد تغير وعرف قوته, والذى تغير فى نفوس المصريين – وإن لم يكن جميعهم – من أعظم ما أفرزته هذه الثورة العظيمة وفى عبارات موجزة أقول .. لم أتوقف كما لن يتوقف أىٌّ من القوى الوطنية عن مواصلة الثورة ليس مقبولا تخوين أىٍّ من .. من دعى إلى الخروج, ومن لم يدع إلى الخروج, أو دعى إلى عدم الخروج, فالأمر يحتمل الاختلاف وتقضى الديموقراطية بحرية الجميع فى الدعوة إلى ما يراه خيرا وموعدنا جميعا فى الميدان بعد السابع والعشرين .. كما كنا دائما.. يدٌ واحدةٌ