اقرأ أولاhttp://www.almasryalyoum.com/node/449783 ثمhttp://www.almasryalyoum.com/node/451128 هناك لحظات في الحياة يجتمع فيها منتهي الجمال ومنتهي القبح ...، منتهي القسوة ومنتهي الرحمة...، منتهي الظلم ومنتهي العدل ... كانت هذة لحظات اختلط فيها كل ذلك! "أنا آسف يا مصعب" أخذ عادل يرددها، كان مصعب في حالة من الدهشة الممزوجة بالألم وفرحة غريبة لم يفهم كيف دبت في نفسه رغم كل ما يعانيه، ولم يشعر إلا وقد امتلأت عينه بالدموع ... حاول جاهدا أن يمنعها من النزول ... لكن دموع عادل التي ملأت وجهه وبللته دعته هو الآخر أن يترك لنفسه العنان ... أخذ عادل يقبل رأسه ويبكي ... وانخرط الاثنان في بكاء مرير ... حتي أنهما لم يشعرا بالممرضة التي دخلت الغرفة ... وقفت أمل تراقب المشهد وتحدث نفسها "حضرة الضابط بيعتذر وكمان بيعيط أنا نايمة ولا صاحية" ... إلا أنها ما لبثت أن تسرب إليها هذا الاحساس الذي ملأ الحجرة ... مشاعر تستعصي علي الوصف ... إنها تتسرب إليك لا تدري كيف ... أن تشعر بالسعادة ومنتهي الألم... بالحزن ومنتهي الأمل ... مزيج عجيب يعجز الطب عن فهمه أو تحليله ... تنبه الإثنان إلي وجود ثالث في الغرفة عندما علا نشيج أمل فابتسم كل منهما ...! كانت تلك لحظة البداية في علاقة امتدت شهورا بعد ذلك صار عادل لا يفارق مصعب يزوره، يحادثه، ويقرأ له أحيانا، ويساعده علي المشي، ينتظره خارج غرفة العمليات قلقا متوترا آملا في كل الخير ... بدأ مصعب يتحسن، كان الأمل قد بدأ يدب في نفسه لحظة بلحظة يتابعها عادل برعاية الأخ الأكبر لأخيه الصغير .... حتي جاء يوم المحاكمة! يوم انتظره عادل ربما اكثر مما انتظره مصعب ... يوم سيزيل فيه عن كاهله حملا ثقيلا لم يخففه خلال الشهور الماضية سوي صحبته لمصعب وصداقتهما التي ملأت حياة كل منهما ... كانا سندا لبعضهما ومن منا لا يحتاج إلي صديق! يومها جلس عادل متوترا ونودي عليه ليدلي بشهادته ... وبدأ في الحديث والإجابة علي الأسئلة التي وجهها له القاضي، كان كلما أجاب علي سؤال يشعر بأن روحه ترتد إليه رويدا رويدا، وبأن أنفاسه أصبحت تخرج وتدخل مرتاحة غير ثقيلة، كان يشعر في كل لحظة بأنه ينال حريته ... حرية ربما لم يدفع ثمنها في البداية لكن من الممكن أن يستحق أن يجني بعض ثمارها في النهاية. انتهي عادل من شهادته كانت لحظة رائعة شعر فيها لأول مرة منذ فترة طويلة أنه جسد وروح ... بأنه لا يزال يحيا ... بقي أن يذهب ليبلغ مصعب أن الحكم سيكون في الجلسة القادمة ... مرت الأسابيع بطيئة ومصعب هو الآخر يتحسن ببطئ شديد لكنه يتحسن ... بقيت جراحة أخري لا بد أن يجريها في ألمانيا ... كان لابد أن يسافر في نفس أسبوع النطق بالحكم ... وودعه عادل ووعده بأنه سيبلغه بالحكم في لحظة سماعه ... ودعا له بالشفاء وكل الخير. كان الثلاثاء من ذلك الاسبوع يوم شتوي دافي أشرقت شمسه ساطعة مرسلة هديتها من الدفئ الحميم علي غير عادة أيام شهر يناير ... القاعة تكاد تنفجر من كثرة الناس بداخلها وتكاد تنفجر أيضا من كثرة أصوات الهتاف خارجها ... وجاءت اللحظة الحاسمة ... وتعلقت كل العيون بهذا الرجل المهيب علي المنصة وران صمت عميق ذو شجون ... ونطق الرجل "الإعدااااااااام شنقا" ... كانت تلك أجمل لفظة اعدام سمعها الجميع! كيف لكلمة كهذة أن تثير السعادة في نفوس البشر! ... لقد قلت لكم من البداية كم من لحظات تجتمع فيها منتهي الأضداد ... ولن تستطيع الكلمات أن تصف اللحظة مهما حاولت ... الهتاف"تحيا مصر" و"يحيا العدل" هتافان توحد عليهما الجميع، الزغاريد، الدموع تكسو كل الوجوه ...كان عادل يبكي ويضحك ... يقف ويقفز ...كان يكلم مصعب من هاتفه المحمول ويصرخ "مبروك يا مصعب، مبروك يا مصعب" ورد مصعب علي الطرف الآخر وهو يبتسم ابتسامة الحياة ويشعر هو الآخر بارتداد روح الأمل تسري في أنحاء جسمه "مبروك لمصر يا عادل" ... شعر مصعب لأول مرة منذ شهور طويلة ... بأن روحه قد عادت إلي الحياة كان الحكم بمثابة اشارة لسريان الدم ولإلتئام شرايين الروح التي نزفت كثيرا ... لكن أحياها حكمٌ عادلٌ انتظرته طويلا ... لكن الانتظار هذة المرة قد أتي بالثمار ... ثمار الحرية لمن دفعوا ثمنها فاستحقوها عن جدارة واقتدار. ذلك الثلاثاء يوم نجاح حقيقي للثورة ... يوم فرحت فيه" مصر" فأبناؤها لن يظلموا أبدا ما دامت تضمهم بين ذراعي حبها ... ومادام فيها عادل يرعي مصعب ويؤازره ...... لتحيا مصر وليحيا أبطالها. بقلم: ريم عمر